الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

وماذا لو تحمل ماكرون مسئولية طفل كل 15 ثانية ؟


انتابتني دهشة كبيرة وأنا أتابع الرئيس الفرنسي , إيمانويل ماكرون, وهو يؤجل خطابه للفرنسيين حتى ينتهي من دراسة إمكانية تلبية مطالب مواطنيه المادية مع رئيس حكومته ووزير ماليته .. وتساءلت, ماذا يمكن أن يكون وضع ماكرون لو كان مسئولا عن مصر التي يتحمل رئيسها عبد الفتاح السيسي مسئولية مولد طفل كل 15 ثانية ليتزايد الانفجار السكاني في مصر بما يقرب من 20 مليون نسمة منذ اندلاع ثورة 25 يناير في سنة 2011 وحتى نهاية 2018 .

فالرئيس ماكرون , الذي يواجه مشكلة توفير موارد مالية لمواجهة مطالب أصحاب السترات الصفراء , يحكم دولة يدور تعداد سكانها حول 65 مليون نسمة فقط دون زيادة تذكر خلال السنوات العشر الأخيرة . والغريب في الأمر، أن ماكرون الذي يبرر سبب الاحتجاجات في فرنسا إلى مشاكل تراكمت على مدار نحو 40 عاما لم يزد خلالها تعداد سكان بلاده إلا بمقدار 10 ملايين نسمة فقط و هو معدل زيادة يحققه المصريون في زمن قياسي لا يزيد كثيرا عن ثلاث سنوات.

فلو عقدنا مقارنة بين عبء التزايد السكاني بين مصر و فرنسا منذ أن تولي الرئيس السابق , حسني مبارك, حكم مصر و حتى اليوم , سنجد أن مصر كانت في 1981 , عقب استشهاد الرئيس أنور السادات, 39 مليون نسمة، في حين بلغ تعداد فرنسا في نفس هذا التاريخ 55 مليون نسمة . و عند تنحي مبارك في أعقاب ثورة 25 يناير 2011, ارتفع عدد سكان مصر الى 85 مليون نسمة في حين ارتفع تعداد سكان فرنسا إلى 65 مليون نسمة . ولو واصلنا عقد المقارنة بين البلدين في المجال الديمغرافي سنجد أن معدل تعداد سكان فرنسا ظل يدور منذ 2011 وحتى 2018 حول 65 مليون نسمة في حين ارتفع تعداد سكان مصر خلال نفس الفترة من 85 مليون نسمة إلى تحطيم حاجز المائة مليون نسمة, وفقا لآخر إحصاء عن النمو السكاني في مصر .

ويعني ذلك , أن مصر زادت بمقدار ضعفين ونصف منذ تولي مبارك حكم مصر و حتى سنة 2018 ... وهنا ينبغي طرح هذا التساؤل , ماذا يمكن أن يكون وضع إيمانويل ماكرون, و لو كانت فرنسا زادت بنفس معدل الزيادة السكانية في مصر؟ ففي هذه الحالة سيرتفع تعداد سكان فرنسا ليصل إلى 140 مليون نسمة . أما لو عقدنا مقارنة بين الزيادة السكانية بين مصر وبين فرنسا منذ سنة 1900 سنجد أن تعداد المصريين لم يكن يزيد عن 9 ملايين نسمة في بداية القرن الماضي في حين بلغ حينذاك تعداد الشعب الفرنسي 40 مليون نسمة . و يعني ذلك أن مصر زادت خلال المائة وعشرين عاما بمقدار 10 أضعاف , فلو كانت فرنسا زادت بنفس معدل الزيادة المصرية لوصل تعداد سكان فرنسا اليوم إلى 400 مليون نسمة .

وخلاصة القول أن ماكرون الذي يحكم دولة صناعية كبرى , تزدهر فيها الصناعات الحربية, و المدنية, والتكنولوجية , يواجه الآن صعوبة كبرى في توفير موارد مالية لشعب ظل محتفظا بتعداده دون زيادة لمدة 10 سنوات اللهم إلا من مئات الآلاف, فما بالنا بجسامة المسئولية و ثقل الأعباء التي يتحملها الرئيس السيسي الذي يحمل على كاهله مسئولية دولة توقف اقتصادها عن النمو بفعل ثورتين, و يتزايد تعداد سكانها بمقدار 5ر2 مليون نسمة في العام .

ولو عقدنا مقارنة بين جسامة المسئولية الملقاة على عاتق الرجلين، سنجد أن كل ما هو مطلوب من الرئيس ماكرون ، زيادة الرواتب ، و المعاشات، لمواجهة ارتفاع الأسعار و الخدمات , في حين أن المطلوب من الرئيس السيسي ليس فقط زيادة الرواتب و المعاشات لمواجهة ارتفاع الأسعار و الخدمات , بل المطلوب منه علاوة على كل ذلك توفير فرص عمل لنحو 5ر2 مليون مواطن مصري , يدخلون سوق العمل كل عام , بعد أن يضافوا على المائة مليون مصري الحاليين . و في الوقت الذي يجد فيه السيسي نفسه مسئولا عن ضرورة بناء عشرات الآلاف من المساكن كل عام لإيواء الملايين الجدد من المصريين, نجد أن كل ما يطلبه الفرنسيون من رئيسهم ليس بناء مساكن, فالشعب الفرنسي متوقف عن الزيادة , و كل ما يطلبه منه أبناء شعبه هو إلغاء الضريبة العقارية المفروضة على مساكنهم .

وفي نفس الوقت , فإن ماكرون لا يجد نفسه مجبرا على إعادة توزيع السكان في بلاده, فالفرنسيون يعيشون على كل أراضي فرنسا , في حين أن المصريين محشورون منذ فجر التاريخ في مساحة لا تزيد عن 5 في المائة فقط من إجمالي مساحة أراضيهم و تزداد خطورة ذلك من أن نسبة منهم , تعيش في عشوائيات , في ظروف غير إنسانية , ساهمت في انتشار الفكر المتطرف الإرهابي , والاتجار في المخدرات , و زيادة معدلات الجريمة . ولذلك لا يمتلك الرئيس السيسي رفاهية إبقاء الوضع على ما هو عليه, دون غزو الصحراء, وإقامة تجمعات سكنية جديدة بها , لأن الإبقاء على الوضع الحالي مع الانفجار السكاني الرهيب, يعني تدمير ما تبقى من الأراضي الزراعية الخصبة في دولة لا تمتلك سوى نهر واحد فقط , هو نهر النيل, الذي لا ينبع أساسا من أراضيها بل ينبع من أراضي 10 دول إفريقية أخرى . و في المقابل تمتلك فرنسا أكثر من 100 نهر كبير وصغير معظمها ينبع من أراضيها, فضلا عن أمطار غزيرة على معظم الأراضي الفرنسية طوال العام .

أما لو عقدنا مقارنة بين المسئولية الملقاة على عاتق الرجلين على مستوى مكافحة الارهاب فحدث ولا حرج..فعلى الرغم من أن فرنسا تعاني من الإرهاب , لكنه إرهاب تواجهه السلطات الفرنسية بمعاونة إيجابية من جانب كل الدول الأوروبية المحيطة. كما يقتصر الإرهاب الذي يضرب فرنسا على نسبة قليلة من أبناء المهاجرين العرب والمسلمين في حين أن السيسي يواجه إرهابا دوليا تؤيده دولة مجاورة همها الأول نشر الفوضى في المنطقة، وتخطط له أجهزة استخبارات دولية مستغلة سقوط ليبيا المجاورة في أيدى ميليشيات مسلحة ذات خلفية دينية وإجرامية , وتموله دويلة قطر بالمليارات لا سيما من خلال قنوات تلفزيونية تبث سمومها من الأراضي التركية.
فعندما يستهدف الإرهاب فرنسا , التي تعد الدولة السياحية الأولى في العالم , بنحو 75 مليون سائح , لا نجد دولة واحدة تطالب مواطنيها بعدم زيارة فرنسا, في حين أنه عندما يتعرض سائح لطعنة بسكين من إرهابي في مصر، تبادر العديد من الدول بمنع مواطنيها من زيارة مصر لتحرم من ثاني أكبر دخل لها من العملات الصعبة .

وفي نهاية المقارنة , لا أجد سوى التعبير عن دهشتي من قدر الإحباط الذي يملأ ملامح الرئيس الفرنسي, إيمانويل ماكرون , بسبب ما يواجهه من تحديات تبدو غير صعبة , بالقياس بالتحديات المصرية ,لتلبية مطالب شعب لا يزيد تعداده عن 65 مليون مواطن معظمهم من كبار السن وليسوا من الشباب... و قلت لنفسي ماذا سيكون وضع إيمانويل ماكرون لو تولى حكم مصر التي يتوقع أن تقترب من حاجز الـ 200 مليون نسمة بحلول منتصف القرن الحالي بمعدل زيادة سنوية قدرها 3 ملايين مصري في العام معظمهم من الشباب في سن العمل ...أعتقد أن جسامة مسئولية حكم مصر ستتسبب في نقل ماكرون، إلى المستشفى الفرنساوي بالقصر العيني , للعلاج من أزمة قلبية مزمنة , وارتفاع حاد في ضغط الدم .
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط