- 2018 عام انفراجات الأزمات العربية:
- اتفاق السويد بين الحكومة اليمنية والحوثي يمهد الطريق لإخماد نيران الحرب الأهلية
- السودان يتغلب على مشاكله بحلول وإجراءات جذرية.. وتراجع ملحوظ للتضخم
- حفتر والسراج يطويان صفحة النزاعات في مؤتمر باليرمو
- العراق يصمد أمام الاحتجاجات والسيول بحكومة ائتلافية.. وبداية العد التنازلي لاستكمال تشكيل الحكومة
على مدار عام 2018 عاشت المنطقة العربية أحداثا وتطورات شتى بداية من التغيرات الدبلوماسية الكبيرة في الخليج، إلى هزيمة تنظيم "داعش" الإرهابي في العراق، وانتعاش الاقتصاد المصري، واستمرار المقاطعة العربية لإمارة قطر، وأزمة السيول العنيفة التي هزت الأردن ومحاربة النفوذ الإيراني، إلا أن هذا العام انفرد عن الأعوام التي سبقته بأنه شهدت انفراجات في أزمات العديد من الدول العربية، وهو الأمر الذي ينذر بتغيرات جذرية على الساحة الجيوسياسية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
الآن وقد اقترب عام 2018 من نهايته أصبح بمقدور الوطن العربي تنفس الصعداء إزاء أزمات طال أمدها عشرات السنين كالأزمة السورية واليمنية والليبية والسودانية، وحتى أزمات تشكيل الحكومة في العراق ولبنان، وإن كانت الأخيرة لا تزال تواجه بعض العراقيل حتى الوقت الراهن.
اليمن
منذ انهيار التحالف بين الرئيس اليمني السابق، علي عبد الله صالح وميليشيات الحوثي عام 2017 واغتيال صالح في 4 ديسمبر من نفس العام، عاش اليمن الفصل الأخير من أزمته المأساوية التي اندلعت عام 2011 كجزء من أحداث ما يسمى "ثورات الربيع العربي"، والتي أسفرت عن تزايد نفوذ الميليشيات المدعومة من إيران، واندلاع الحرب الأهلية اليمنية بعد انقلاب عبد الملك الحوثي على الحكومة الشرعية بقيادة الرئيس عبد ربه منصور هادي، وسيطرة الميليشيات على صنعاء وميناء الحديدة ومحافظة مآرب وغيرها من المناطق الهامة والحيوية في البلاد.
ورغم جهود قوات تحالف دعم الشرعية بقيادة المملكة العربية السعودية في حل الأزمة منذ بداية عملية "عاصفة الحزم"، ورغم جلوس طرفي الصراع على طاولة المفاوضات لأول مرة عام 2016، إلا أن جميع الجهود الدولية لحل الأزمة باءت بفشلٍ شديد، وهو ما جعل الأمم المتحدة تعلن عن جولة ثانية من المفاوضات بإشراف من الأمين العام، أنطونيو جوتيريش، وذلك في مدينة ستوكهولم السويديّة، والمبعوث الدولي لليمن، مارتن جريفيث.
وبالفعل، أثمرت المباحثات التي استمرت أسبوعًا كاملًا عن تحقيق انتصار سياسي وانسحاب ميليشيات الحوثي من مدينة الحديدة ومينائها الاستراتيجي، وتبادل الأسرى والسماح بالممرات الإنسانية في المدينة المحاصرة، مع وضع إطار للمفاوضات المستقبلية، فضلًا عن إعادة انتشار متبادل للقوات ووقف لإطلاق النار على مستوى المحافظة، والتوصل إلى تفاهم متبادل لتخفيف الوضع في تعز، وهو ما سيفتح ممرات إنسانية ويسهل إزالة الألغام، إضافة إلى تحديد شهر يناير القادم، كي تكون الأطراف جاهزة للتقدم في الملفات التي ماتزال موضع خلاف (ملف مطار صنعاء، والملف الاقتصادي).
السودان
تعتبر أزمة السودان الاقتصادية إحدى أصعب الأزمات التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط في الوقت الراهن؛ بيد أن الاقتصاد السوداني يعد من أكثر القطاعات الاقتصادية التي شهدت معاناة كبيرة؛ بسبب الصراعات الاجتماعية، والحرب الأهلية، وغيرها من الأسباب الأخرى، وفي عام 1999م تأثر نمو الإنتاج النفطي بشكل كبير ضمن الناتج المحلي الإجمالي السوداني، وهو ما تسبب في ظهور عجز بالميزان التجاري نتيجة تراجع الصادرات الاقتصادية، وتراكم الديون، وارتفاع معدلات البطالة وانخفاض احتياطي النقود الأجنبية، ناهيك عن أزمة الخبز وسيولة المصارف، التي اندلعت في فبراير الماضي وأسفرت عن خروج مظاهرات كان سببها في الأصل تخفيض قيمة الجنية السوداني إلى 47.5 جنيه للدولار من 29 جنيها.
ولقد عكفت حكومة الرئيس حسن البشير، على مدار عام 2018، على وضع حلول للتغلب على جميع العراقيل التي تربض أمام الاقتصاد السوداني، كالتوقف عن تجنيب المال العام وتقليص دور هيكلية الدولة، وتفعيل السيطرة الحكومية، فضلًا عن التعديل الوزاري الضخم الذي جرى، مايو الماضي، وشمل 7 وزراء، هم النفط والخارجية والداخلية والعدل والزراعة والشباب والرياضة وكذلك تعيين ثمانية ولاة جدد للولايات.
وفي سبتمبر، ظهرت أولى بوادر انفراجة الأزمة الاقتصادية؛ إذ قال الجهاز المركزي للإحصاء، إن التضخم في السودان تراجع قليلًا إلى 68.44% على أساس سنوي في أكتوبر من 68.64% في سبتمبر بفعل انخفاض أسعار الأغذية والمشروبات، في حين أعلنت وزارة النفط والغاز السودانية، نوفمبر الماضي، أن أزمة الوقود التي تشهدها البلاد منذ شهور بدأت في الانفراج التدريجي وستتلاشى نهائيًا قريبا.
ليبيا
منذ سقوط نظام العقيد معمر القذافي في فبراير 2011، تحولت ليبيا إلى ساحة قتال ودمار، بسبب الصراع والفوضى المستمرة التي أسهمت بتدمير هذا البلد بعد سيطرت الميليشيات والجماعات المسلحة المدعومة من دول وجهات خارجية على رأسها قطر وتركيا تسعى إلى تحقيق مصالحها الخاصة، وهو الأمر الذي جعل البلاد مأوى للإرهابيين من كل دول العالم ونزوح عدد كبير من مواطنيها، وفرار أعداد كثيرة من الجماعات الإرهابية الفارين من سوريا والعراق إليها.
اضطرت بعض الدول الحليفة لليبيا والحريصة على استقرارها من الناحية الأمنية والاقتصادية وإنهاء الفوضى، إلى التحرك وفتح باب الحوار بين الجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر، ورئيس حكومة الوفاق، فايز السراج، والدعوة إلى إجراء انتخابات جديدة، تلك التحركات كان آخرها المؤتمر الدولي حول ليبيا الذي انعقد في مدينة باليرمو الإيطالية.
ويرى مراقبون أن لقاء حفتر والسراج في مؤتمر باليرمو كان خطوة أولى نحو تحقيق السلام والاستقرار السياسي المنشود في ليبيا، إذ أن المبعوث الأممي غسان سلامة أكد نجاح المؤتمر، خاصة أن كل الأطراف المشاركة أكدوا على موافقتهم لخطة الأمم المتحدة لتحقيق الاستقرار السياسي في ليبيا.
وكان الحوار يهدف إلى إيجاد أفضل طريقة للخروج من الأزمة الليبية، وقد أظهرت الأطراف من خلال مشاركتها فيها رغبتها والتزامها بحل النزاع في المستقبل القريب، فضلًا عن عزل تركيا عن عملية التسوية السياسية للأزمة الليبية، وهو ما لاح جليًا في انسحاب نائب الرئيس التركي فؤاد أقطاي من المؤتمر.
والأسبوع الماضي، زادت التوقعات بأن يكون هناك لقاءً ثلاثيًا جديدًا بين رئيس الوزراء الإيطالى جوزيبى كونتى، والسراج والمشير حفتر، ومع ذلك يبقى هناك عراقيل كثيرة أمام حفتر والسراج تتمثل في نزع السلاح من العصابات المسلحة وإطلاق عملية المصالحة الوطنية والانتعاش الاقتصادي.
وأفادت وسائل إعلام غربية بأن تشكيل قوة سياسية جديدة في البلاد مفتاحا لتحقيق الانتعاش الاقتصادي في ليبيا لأنه توجد فرص لتحقيق استقرار الوضع، كما تتوفر على حسابات مجمدة تابعة لعائلة القذافي في البنوك الأجنبية حوالي 100 مليار دولار، في حين يعتقد خبراء الاقتصاد البارزون أن هذه الأموال يجب أن تكون كافية لاستعادة الاقتصاد الذي تم تدميره خلال السنوات السبع الماضية، ومع ذلك ستكون الأمم المتحدة قادرة على رفع التجميد عن الحسابات الليبية بعد إقامة السلطة المركزية في البلاد فقط.
العراق
عاش العراق فترة طويلة من عدم الاستقرار السياسي والاضطرابات الاجتماعية رغم انتهاء خلافة تنظيم "داعش" الإرهابي، وعلى مدار 2018، تفاقمت تلك الأزمات بشكل غير مسبوق، خاصة مع احتجاجات مدينة البصرة التي اندلعت بسبب سوء الخدمات الأساسية من الماء والكهرباء، فضلًا عن الفساد المستشري في المحافظة، وكارثة السيول التي أودت بحياة المئات.
والآن أصبح للعراق الآن حكومة جديدة ممثلة في رئيس الوزراء عادل عبد المهدي والرئيس برهم صالح، اللذَين يوصفان على نطاق واسع أنهما إصلاحيان وتقدميان، وأصبح هناك آمالًا كبيرة بأن البلاد ستطوي صفحة الخراب، نظرًا لأن الحكومة لائتلافية الجديدة، تضم طوائف وفئات رئيسية كالأكراد والشيعة، وبالتالي هناك فرصة هامة لاغتنام الزخم الشعبي ودفع البلاد إلى الأمام.
ومؤخرًا أعلنت بعض المصادر المسئولة عن قرب الانتهاء من استكمال التشكيلة الوزارية لعبد المهدي، من خلال إعادة فالح الفياض-الذي يواجه معارضة شرسة من زعيم التيار الصدري والداعم الرئيس لتحالف "سائرون"، مقتدى الصدر- إلى منصب رئاسة الحشد الشعبي ومستشار الأمن الوطني، مشيرةً إلى أن قرار مجلس الوزراء بإلغاء قرارات الحكومة السابقة للفترة الانتقالية، كان يهدف بشكل رئيس إلى إعادة الفياض لمناصبه السابقة، بعد توافق كتلتي البناء والإصلاح والإعمار على ذلك، كمخرج لحفظ التوازن.
واعتبر مراقبون أن هناك مجالات يمكن أن تستفيد منها البلاد من الانفتاح من أجل السلام والاستقرار، بعد استئناف صادرات النفط من كركوك، التي توقفت في أكتوبر الماضي بسبب الأزمة بين أربيل وبغداد عقب استفتاء الاستقلال الكردي التاريخي.