قناة صدى البلد البلد سبورت صدى البلد جامعات صدى البلد عقارات Sada Elbalad english
عاجل
english EN
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل

نجاة عبد الرحمن تكتب: تيك توك.. حين يتحوّل الترفيه إلى أداة لهندسة وعي الشعوب

نجاة عبد الرحمن
نجاة عبد الرحمن

في زحام التكنولوجيا المتسارعة، ظهر "تيك توك" كمنصة لمقاطع الفيديو القصيرة، تحمل في ظاهرها قدرًا من الترفيه والمتعة، لكنها في عمقها صارت تمثل تحولًا خطيرًا في بنية الوعي الجمعي للمجتمعات، خاصة العربية. فهل نحن أمام مجرد تطبيق ترفيهي، أم أداة لهندسة السلوك والتفكير؟ وهل يمكن ربط هذا الانحدار القيمي المتسارع بمشروعات كبرى تعيد رسم خريطة الشرق الأوسط وهويته الثقافية؟

1. تيك توك.. انحدار منظم أم حرية تعبير؟

لا جدال أن منصات التواصل الاجتماعي غيّرت قواعد التواصل والإعلام، لكنها مع "تيك توك" تجاوزت حدود التأثير العابر، لتصل إلى العمق السلوكي والنفسي، خاصة لدى الأجيال الأصغر. يكفي أن نلقي نظرة على "الترندات" الأكثر انتشارًا لندرك أننا أمام طوفان من المحتوى السطحي، العنيف أحيانًا، الجنسي غالبًا، والمبني على الاستعراض الأجوف.

وهنا السؤال: من يقرر هذه الترندات؟ ومن يضخ الأموال في حملات دعم بعض المؤثرين على حساب آخرين؟ ولماذا تنتشر الحسابات الهابطة بشكل أسرع بكثير من المحتوى العلمي أو التربوي؟


2. من الترفيه إلى التفكيك: المشروع الأكبر خلف الشاشة

عند العودة إلى وثائق قديمة مثل "بروتوكولات حكماء صهيون" – ورغم الجدل حول صحتها – نجد إشارات متكررة إلى فكرة "إفساد الشعوب" عبر أدوات الإعلام، والفن، والمال. تسعى هذه البروتوكولات (كما ورد في نصوصها) إلى تدمير منظومات الأخلاق والدين والهوية من الداخل، دون حرب مباشرة، بل عبر "التمزيق الناعم".

في نفس الإطار، يظهر مشروع "الشرق الأوسط الجديد" الذي تبنّته أطراف غربية وصهيونية، والذي لا يهدف فقط إلى تقسيم الجغرافيا السياسية، بل إلى تفكيك الهويات الثقافية والدينية. فشباب غارق في التحديات الفارغة، ومراهق يتباهى بعدد المتابعين، وطفل يقلد رقصة دون وعي... كلهم يصبحون مادة طيّعة في مشروع كبير: إضعاف الأمة من داخلها.

3. ما وراء الخوارزميات: من يبرمج وعينا؟

ليست الخوارزميات محايدة. فحين يدعم "تيك توك" مقاطع تسخر من اللغة العربية، أو تروج لمفاهيم مشوهة عن الأسرة والجنس والدين، ويقمع في المقابل محتوى وطني أو أخلاقي، فإن ذلك لا يمكن اعتباره مصادفة. بل يعكس توجّهًا مدروسًا: تشكيل وعي جديد، منفصل عن الجذور.

وتعزز هذه الرؤية تقارير عدة عن كيفية تلاعب المنصات الكبرى بمشاعر الجمهور، وتوجيههم نحو عادات استهلاكية، أو أفكار تزعزع الاستقرار المجتمعي، وتخلق فجوة بين الأجيال.


4. نحو يقظة مجتمعية: هل فات الأوان؟

إن خطورة "تيك توك" لا تكمن فقط في مقاطع "الترفيه الهابط"، بل في تحوّله إلى مدرسة موازية، تُشكّل وعي ملايين الأطفال والمراهقين، دون رقابة أو وعي. ومع كل دقيقة "سكاتش" أو رقصة بلا هدف، نخسر قطعة من هوية مجتمع كنا نفاخر بعراقته.

وهنا يبرز الدور الأخلاقي والتربوي للمؤسسات، والأسر، والمثقفين. لا بالمنع، بل بالتحصين، لا بالصراخ، بل بالفهم. فحماية الهوية لا تكون برفع الشعارات، بل بصناعة البدائل الراقية، وبناء وعي نقدي لدى الأجيال الصاعدة.

تيك توك ليس العدو الوحيد، لكنه الوجه الأوضح لصراع أكبر: صراع على الهوية، والوعي، والمستقبل. وحين نربط بين ما يحدث على الشاشات الصغيرة، وبين مشاريع سياسية كبرى تسعى لتفكيك الشرق، ندرك أن المعركة اليوم ليست على الأرض فقط، بل في العقول والقلوب.