قناة صدى البلد البلد سبورت صدى البلد جامعات صدى البلد عقارات Sada Elbalad english
عاجل
english EN
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل

أحمد عاطف آدم يكتب.. حب من طرف مشوش

أحمد عاطف آدم
أحمد عاطف آدم

مشكلتي أنني لا أحد يفهمني في المنزل، حتى أصبحت أثرثر لساعات أو أهذي بكلمات رنانة، وأنا متأكدة بأنها مسموعة للجميع؛ لأنني ببساطة أضع سماعات الأذن وأشغل الموسيقى الصاخبة، ثم أتحدث بصوت يزلزل أركان الصمت، لكن لا أحد يناقشني أو يسألني عن تلك الحالة التي وصلت إليها في عزلتي المفروضة؛ فهي ما بين عدم ثقتي بنفسي وبالناس، وعلى رأسهم أهلي. وحتى لا أصبح مجنونة، قررت أن أصاحب كياناً افتراضياً لا يجادلني، بل يتقبلني على شاكلتي، ويوافقني الرأي في كل شيء. والآن، بعد أن وصلت للسادسة والثلاثين من عمري بلا زواج، قررت أن أعيش ما تبقى من عمري مع زوج افتراضي من إنتاج الذكاء الاصطناعي، أطلقت عليه "كياني"؛ أعيش معه بلا علاقة حميمية، فقط احتوائية.

​هذا المشهد السينمائي ليس مجرد شطحات قلم، بل هو واقع حي يتجسد في قصص حقيقية تحدث عبر العالم، لعل أبرزها قصة تلك الفتاة اليابانية التي تزوجت من شخصية افتراضية لـ "شات جي بي تي"، وهي مستوحاة من تلك الموجودة بلعبة فيديو؛ حيث تبادلت "يورينا نوغوتشي" — البالغة من العمر 32 عاماً وتعمل موظفة في مركز اتصال — عهود الزواج مع "لون كلاوس فيردور"، وهي شخصية مخصَّصة ابتكرتها نوغوتشي خصيصاً لروبوت الدردشة. وشملت مراسم الزواج ارتداء العروس البشرية نظارة ذكية للواقع المعزز كي تتمكن من مشاهدة عريسها الافتراضي، الذي تزينت له بارتداء فستان وردي فاتح، بحسب عدة تقارير.

​تلك العلاقة الوهمية نشأت عندما طلبت "نوغوتشي" نصيحة من الذكاء الاصطناعي بشأن خطوبتها المتعثرة، وبناءً على نصيحة الروبوت، أنهت علاقتها مع خطيبها قبل أن تحول دفتها في وقت سابق من هذا العام إلى منصة لإنشاء نسخة رقمية من "كلاوس"؛ حيث قامت بتدريب الذكاء الاصطناعي بدقة ليحاكي أسلوب حديثه ويطور شخصية مصممة خصيصاً لتلبية احتياجاتها. وسرعان ما توطدت العلاقة بينهما، وتبادلت نوغوتشي ورفيقها الرقمي ما يصل إلى 100 رسالة يومياً، ولم تكتفِ بذلك، بل وكلفت فناناً بإنشاء رسومات بصرية للشخصية، مما أضفى طابعاً حيوياً وملموساً على شريكها.

​وفي أبريل من العام الحالي، حذرت دراسة علمية من مخاطر الإفراط في قضاء الوقت مع تطبيقات محادثة الذكاء الاصطناعي؛ حيث يمكن أن تدفع المستخدمين إلى الانخراط فيما يشبه العشق أو العلاقة الرومانسية. وقال "دانييل شانك"، الباحث في جامعة ميسوري الأمريكية: "إن قدرة الذكاء الاصطناعي على التصرف الآن مثل الإنسان والدخول في حوارات طويلة الأمد تفتح حقاً صندوقاً جديداً للشرور". وأضاف فريق البحث: "بعد أسابيع وشهور من المحادثات المكثفة، يمكن أن يصبح الروبوت بالنسبة للمستخدم الرفيق الموثوق فيه الذي يعرف كل شيء عنه ويهتم بشؤونه".

​ومما لا شك فيه أن هذه البرامج قد تتعرض لما يسمى بـ "الهلوسة" — وهو مصطلح لإنتاج استجابات غير دقيقة أو غير متماسكة — مما يشكل سبباً آخر للقلق؛ لأن هذا يعني أن المحادثات قد تكون مضللة. وأكد الباحثون: "إذا بدأنا الاعتقاد بأن هذه التطبيقات تهتم بمصلحتنا، فسنقع في فخ التضليل، وقد تقدم لنا المشورة بطرق سيئة للغاية، بل ويمكن أن تؤذي الناس من خلال تشجيع السلوكيات المنحرفة وغير الأخلاقية". كما يصف علماء النفس تلك الظاهرة المارقة بأنها "هشاشة نفسية" أو آليات دفاعية ناتجة عما يسمى "اضطراب التعلق"، والمقصود به الأشخاص الذين لديهم "تعلق قلق" أو "تجنبي"؛ لذا قد يجدون في الذكاء الاصطناعي ملاذاً آمناً؛ لأنه لا ينطوي على مخاطر الرفض أو الصراعات التي تتطلب جهداً عاطفياً في العلاقات البشرية الحقيقية.

​من جهة أخرى، فإن هناك رؤية علمية إضافية أعتبرها ثاقبة ونموذجية؛ تصف هذا السلوك بـ "العكاز العاطفي" لمن يعانون مما يسمى بـ "ضمور المهارات الاجتماعية"، حيث يجدون في الذكاء الاصطناعي حصناً منيعاً يحميهم من تعقيدات البشر، فيستخدمون "الافتراضية" كآلية دفاع؛ لتجنب مواجهة صدمات سابقة أو واقع مرير. في نهاية المطاف، يبدو أن الهروب من "زلزال الصمت" في منازلنا إلى "ضجيج العشق الافتراضي" ليس سوى استبدال لوحدة بأخرى؛ فالحب الذي تصممه لنا مجرد "خوارزميات" هو حب مشوه، يرضي غرورنا ولا يغذي أرواحنا. إننا لا نحتاج إلى أزواج رقميين يوافقوننا الرأي، بل نحتاج إلى بشر يشاركوننا عناء الحياة بصدقها وأخطائها، قبل أن نتحول إلى مجرد "بيانات" في ذاكرة آلة لا تشعر.

​والأولى عزيزي القارئ أن يبدأ الدعم من البيت، حيث قدرة الأهل — ولاسيما الأب والأم — على قراءة منحنى الرسم البياني صعوداً وهبوطاً لنفسية أبنائهم؛ حتى لا تتحول أصوات فلذات أكبادكم لأنين مدفون لا يسمعه أو يستجيب له إلا الذكاء الاصطناعي، مثل شخصيتي الافتراضية بمقدمة المقال، التي عاشت في سجن لذيذ يدغدغ مشاعرها المحطمة والمحبطة، وقد يقودها لتنفيذ حكم الإعدام على نفسها دون أن يشعر الأهل المغيبون.