الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

أيمن يوسف يكتب ..آخر هدايا القدر

أيمن علي يوسف
أيمن علي يوسف

وكأن العام أبى أن لا يودعنا دون ضجيج..دون ألم.. دون أن يحدث لنا وجيعة وشرخا في الروح وشرخا في جدار مصر العلمي الآيل بمفرده للسقوط دون الحاجة إلى هزة أو إعصار جديد.

توفى عالم مصر الجليل الدكتور طارق أسعد رئيس وحدة القياسات الفسيولوجية بمستشفى عين شمس ورائد طب النوم في الشرق الأوسط ومن المعدودين في قائمة المتخصصين على مستوى العالم في أمراض النوم بكافة تجلياتها البيولوجية والمناعية والسيكولوجية، رحل وهو في أوج عطائه العلمي والإنساني وما برح وأن تقلد منصبه رئيسا لأقسام المخ والأعصاب والنفسية والعصبية في خامس أكبر مركز طبي متخصص في مجاله على مستوى العالم بمستشفى الدمرداش والذي كان اختير أيضا مركزا للتعاون والأبحاث والدراسات المتميزة، لينتزعه القدر ويخسر الطب في مصر باحثا وطبيبا وعالما وإنسانا قل ما ندر وجوده في مجتمعاتنا الغارقه في عبادة أوثان الجهل والقبح، كل الشهادات بعد وفاته أخرجت المستور من عمله الطيب والأخلاقي مع جميع من تعامل معهم، حكايات المرضى والطلاب وزملاء المهنة ما لها إلا أن تهز الوجدان لتوقظ كل جميل مازال ينبض فينا، ولتذكرنا ان لشيم الرحمة والايثار والنبل ما يبعث في النفس كل ماهو طيب وخيّر، انها الفريضة الغائبة التي أحياها من كان يزخر بكل هذا الصدق وهذا التواضع وهذه الرحمة، ومن كان يزخر بكل هذا العلم وهذا الجلال وهذا الوقار، كتاباته في الدوريات العلمية الصادرة في منطقة الشرق الأوسط والعالم، أبحاثه التي يشرف عليها، إنتاجه العلمي الغزير الذي يستند عليه أطباء الجامعات المصرية واطباء جامعات عالمية، محاضراته، ندواته، نقاشاته العلمية في مصر وخارجها ما كان كل هذا ألا غيضا من فيض مما قدمه الراحل للعلم وللطب وللإنسانية.

حجم الألم الشخصي على الرحيل المفاجئ وافتقادي آخر فرسان الفضيلة ربما يخففه عني ما كنت اردده دوما للراحل من عبارات امتنان وحب وشكر وعرفان لما قدمه لي من نموذج جدد إيماني بكل المثل والقيم والأخلاق والفضيلة...ناهيك عن يد العلم والفهم والإدراك لمرض مجهول وصعب اصابني في الجهاز العضلي الهيكلي وفي الجهاز العصبي المركزي وفي المناعة، كم وددت يا دكتور طارق ان اكتب اول ما اكتبه عنك هو ما انتجنا وحققنا وانجزنا علميا فيما يخص حالتي، كم وددت ان اكتب عن حجم الحب والامتنان والوفاء الذي يحمله قلبي لك، لكنه القدر شاء ان اكتب عن رحيلك الذي آلم كل احبابك وكل اصدقاءك وكل مرضاك واسرتك ومريديك.

وكتب الشاعر أيمن يوسف قصيدة رثاء في وداع الدكتور طارق أسعد بعنوان استقلت عنا في غفلة

وما كان لنا منك
الا المزيد/
ورجمت كل الذين
بقوا
يمرحون في هذا
الصديد/
تسخر من هذا الغثاء
وتغزل من غيم السماء
خيما ووطنا تليد/
وطن يجمع الفراشات
ويلحن للعصافير غناها
ويُسقى من نبعه
كل هائم و شريد/
وطن تآخت فيه بين كفيك
كل الاماني
وتراحمت فيه الاضداد
لا حزن فيه ولا وعيد/
انتزعتك عنا اقدار
سارت في مواكبها
وليس لها ان تنزع
ما سكن الوريد/


رتب رحيلك كيف شأت
واختتم زمن الصهيل/
الارض متسع البلايا
والعمر منفرط
في عرض هزيل/
من بعدك سوف يراقص الشمس
ويبسط للنجوم مداها
من سيلقي الفرح في ضوء القناديل/
من سوف يرتب للزهور جنازتها
ويقرأ الوِرْد على روحي
وليس لي خطو على هذى الارض
او دليل/
سرت وما سيرك كالذين مضوا
سيرك يتم ووجع
وناي بُحّ في الترتيل/
سرابنا
ملح ونار
وسرابك
نبع نديّ لا يحمل التأويل/
نميلُ وليس لنا ان نميل
تحررتَ
-والله تحررتَ-
سرت نحو الزمان الابهى
ونحن الذين هنا
كالاسرى
نحيا في هذا العويل/



رتب رحيلك كيف شأت
وانتبذ منا المقام/
النجم يشتهي ضوءا
تمتد فيه كي ينام/
وعظام الارض تفتح الاقواس
كي يُبث في ثناياها
نبض اليمام/
استبقت
وصعدت من معراج النور
تسابق الزهر
والاحلام/
ناديت كل الذين
يصبون الندي
كي تغسل ريحانة
في المدى
وتشق ريق الصبر
من هذا الصيام/
دعوت ملائكة نسيجها
ازرق واستبرق
و تلوت عليهم من خراج النور
قبسا
و فككت لهم طلاسم الكف
والايام/
مازحت أطفال الجنان في نومتهم
تشد عنهم قميص البنفسج
وتلبسهم قميص اللؤلؤ
وخرزت لهم الياقوت
في الياقات
والاكمام/
نبتت خلاياك بين فجرين
وصحوت في مدد
لا لغو فيه ولا
ولا بوقة
ولا سوقا للكلام/
سوف آوي الى متكئ
كنت انت سيده
فارسل لنا
من زهر مثواك
ما منك
يُبلغنا السلام/