فى الوقت الذى نتحدث فيه عن مشكلة ارتفاع سن الزواج، وزيادة نسبة العنوسة، نتيجة للظروف الاقتصادية والاجتماعية الصعبة التى نعيشها الآن، نجد من يعلن عن زواج أو حتى خطوبة طفلين، ليست هذه مزحة، أو صورة كاريكاتيرية، بل حقيقة حدثت، وتحدث بين حين وآخر، ولم يخرج علينا أحد المسئولين أو المتخصصين، ليخرجنا من دهشتنا، ويجيب على السؤال، ما الذى يدفع الآباء لتزويج أو خطبة أطفالهم، هل الغرض إقامة حفل حتى يتسنى للوالدين التكسب عن طريق " النقطة" التى يقوم الأهل والأصدقاء بدفعها، لمجاملة العروسين؟ على طريقة اللمبى والكراسة الصفراء، أو فيلم الفرح، الذى اختلق حفل زفاف مزيف، بنفس الهدف وهو الكسب المادى عن طريق " النقطة".
أم أن الموضوع زواج وارتباط حقيقى يباركه الوالدان، ويشهده الحضور مباركين وغير مندهشين؟
هذه الظاهرة سعى البعض لوضعها فـي نطـاق ضـيق باعتبارهـا حـالات فردية وشـاذة لا تصـل لأن تكون ظـاهرة، إلا أن تزايد القصص التي نسمعها بين الحين والآخر جعلت هذه الظاهرة تشغل الكثيرين، إذ أنها تمثل انتهاكا صارخا واعتداء مرفوض على الطفولة وبراءتها.
تنتشر هذه الظاهرة في العائلات التى لا تتمتع بالقدر الأدنى من الثقافة، وهنا يمكن القول إن الأمر يرتبط بالدرجة الأولى بالثقافة والتقاليد، فالوالدين يظهران التفاخر، لإقامة حفلات خطوبة أو زفاف لأطفالهم، معتبرين هذا، ينم عن الثراء أو التميز.
وأحيانا حين يكون أحد الطفلين وخصوصا الفتاة منقطعة عن الدراسة وليس لها هدف في الحياة، تكون محط أنظار الجميع وخاصة والديها الذين يفضلون تزويجها للتخلص من العار، الذى ربما يلحق بالعائلة، غير ملتفتين للضرر النفسى والجسدى الذى يقع على الطفلين، في الوقت الذى مازالا فيه في حاجة لحضن والديهما ودفء وحنان عائلتيهما.
وأعتقد أن زواج الأطفال أو خطبتهما يعتبر جريمة فى حق هؤلاء الصغار الذين لم يكتمل نموهم الجسمانى والنفسى ولا الإرادة والوعى لمفهوم الزواج أو حتى العلاقة بين الرجل والمرأة، فما بال العلاقة بين طفل وطفلة، وبدلًا من أن يتركوهم يلهون بألعابهم ودمياتهم مثل أقرانهم، نجدهم يجردونهم من إنسانيتهم، وبراءتهم، ينتهكون إرادتهم التى لم تتكون بعد وعقولهم غير المدركة لما يحدث بهما ، وأجسادهم الصغيرة التى يزجون بها فى " الكوشة" ليلتقطوا لهم الصور بسعادة بالغة وفخر لا أدرى شيئا عن مصدره ، بل اعتقد أنه من الأحرى بهم الإحساس بالخزى والعار.
أتمنى تحركا عاجلا من البرلمان ووزارة العدل وجميع الجهات المسئولة ، لسن قوانين تجرم هذا الفعل ، وتواجه هذه التجربة الأليمة لأطفالنا.
وألا تكتفى الجهات المتخصصة، سواء الرسمية أو الخدمية، بالاعتراض داخل غرف الاجتماعات المغلقة، أو فى ندوات كل روادها من المثقفين الذين لا يمثلون طرفا فى الجريمة، بل يجب النزول إلى هذه الأسر ومثيلاتها فى أماكنهم ، ومحاولة الكشف لهم عن بشاعة فعلتهم وآثارها الضارة على نفسية ومستقبل أبنائهم.