الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

"كاتنيلا" .. و"فاوست" هذا الزمان !




يطمع المعلم داغر، صاحب الفرن فى اغتصاب "طعمة" ابنة صابر ليلة زفافها، فيقف زوجها "كاتنيلا" عاجزًا أمام الموقف الذي لم يفكر حتى بالدفاع عنها فلا يبدو منه أي إشارة معبرة عن رفضه، لتتفاجئ زوجته طعمة برد فعله التي لم تمكث أن تظل علي ذمته دقائق من المشهد وتبتعد عنه وينفصلان، ويظل كاتنيلا بائع الشرف والحموة والرجولة الذي ضحي بكل ذلك من أجل عمله حتي لا يخسره سواء كان رد فعله نابع من إحساسه بالخوف من المعلم داغر صاحب الفرن أو كونه شخص خالِ من المروءة ".

مشهد لفت نظري من فيلم الفرن إخراج إبراهيم عفيفي، رغم تواجد وبطولة عدد من الفنانين العمالقة علي رأسهم عادل أدهم، و يونس شلبي، ومعالي زايد، وعبدالمنعم إبراهيم، في دقائق قليلة إستطاع الفنان نبيل الهجرسي تجسيد دور أراه من أهم وأكثر الأدوار والمشاهد القوية التي تحمل في طياتها المعاني تلك الأيام، ألا وهي شخصية "كاتنيلا" تلك الشخصية السلبية الاعتمادية وغير الناضجة، وأحيانًا الشخصية المتسلقة التي تتخطي أي شيء مقابل أن لا تخسر عمل أو مال أو شهرة أو أي منفعة أخري حتي وإن كان ذلك علي حساب شرفه وعائلته وسمعته ونظرة الآخرين إليه، وتنطبق هذه الشخصية علي الكثير من الأشخاص داخل المجتمع ممن هم علي شاكلة كاتنيلا.

ومن مشهد معبر بسيط جسدته السينما المصرية لرجل تعرض لموقف صعب فرض عليه أن يكون "كاتنيلا" حتي لا يخسر عمله ولا يهمه شرفه وسمعته، الي مشهد أعمق وأقوي لشخص وهب نفسه للشيطان بكامل إرادته بل سعي الي ذلك، من خلال "صفقة فاوست"، في شكل أسطورة ألمانية تقليدية، بطلها يدعي فاوست لم يكن راضٍ عن وضعه وواقعه رغم إنه كان ناجحا واسع المعرفة، فعقد صفقة مع الشيطان ومنح نفسه له مقابل أن يزوده بمعارف غير محدودة وملذات دنيوية.

فمن المعروف أن الشيطان تمرد وعصى أوامر الله، ورأي نفسه أعلى شأنًا من الإنسان وجعل منه عدوه الوحيد الذي بسببه طٌرد من الجنة، ومن يومها وهو يحاول أن يكسب أتباع له من البشر يحاول إغواءهم بتحقيق أمانيهم في المعرفة والشهرة والنفوذ والمال، إلا ان في حكاية فاوست قلبت موازين اللعبة وبحث ميفيستوفيليس أو فاوست للتقرب من الشيطان لتحقيق مآربه، تلك الأسطورة التي كانت محل العديد من الأعمال الأدبية والفنية والسينمائية والموسيقية، كما أنها عنصر أساسي في قصص الموروث الشعبي المسيحي، وتندرج هذه الفكرة أيضًا في مرجع آرني-تومبسون تحت بند "العقد مع الشيطان".

وفاوست أو فاوستوس يعني "المحظوظ" باللغة اللاتينية، وقد جرى تفسير الإسم على مر العصور بأشكال مختلفة لكن غالبًا ما كانت تعني إجراء يسلم فيه الشخص الطموح نزاهتة الأخلاقية من أجل تحقيق النفوذ والنجاح، أي "صفقة مع الشيطان".

وفي القصص القديمة عن الأسطورة يٌقال إن فاوست في التاريخ كان دكتور يدعي يوهان جورج فاوست ولد في عام 1480 خيميائيًا لامعًا ومنجمًا وساحرًا في عصر النهضة في ألمانيا وأصبحت حياته محورًا لحكاية شعبية تحمل عنوان الدكتور فاوست خلال السنوات العشرة بدءًا من عام 1580، وفِي عام 1808 قدم الأديب الألماني الكبير ولفغانغ فون غوته عملًا عن دراما فاوست.

ومن الصعب جدًا إبراز معلومات دقيقة وتاريخية عن حياة فاوست حتّى أن هناك شكوك كانت تحوم حول الوجود التاريخي لـ فاوست، نظرًا للتناول العديد لشخصيته من قبل الأساطير والأدب، مما جعل هناك العديد من السجلات المشابهة والمنتشرة في أرجاء من جنوب ألمانيا علي مدى 30 سنة، ظهر فيها فاوست كفيزيائي، وطبيب في الفلسفة، وخيمئائي، وساحر وفلكي، وكان يُتهم غالبًا بأنه غشاش، وبأن الكنيسة كانت تتستنكر أعماله وتنظر إليه كخارج عن الدين وفي فئة أتباع الشيطان، ويقال إنه فاوست لاقى حتفه في عام 1540 نتيجة انفجار بسبب تجربة خيميائية وأن جسمه كان مشوه بشكل مأساوي حيث إنه مات ميتة شنيعة.

فتلك الشخصيات تنطبق علي عدد كبير من الأفراد داخل المجتمع في الحقيقة وليست السينما أو القصص والأساطير فحسب، وهدفهم الأساسي هو المال والمنصب والاستمرار في العمل وأحيانًا النفوذ والشهرة ولا يهمه الإعتداء على سمعته وشرفه مثال كاتنيلا أو ان يكفر بدينه والثوابت والمبادئ ويبرم الصفقات المشبوهة مثال فاوست، والأهم فقط أن يستمروا.

فنرى البعض من الموظفين والأشخاص العاديين ممن باع عرضه وشرفه بسب الخوف أو إقالتهم من العمل، وفِي جميع المجالات وأحيانًا في المجال الاقتصادي عندما يتعرض الي الإفلاس قد يكون قادرًا علي التضحية بأهله ولا يهمه أحد بمجرد أن يكون مشهورًا وأمام أعين الناس، وحتي إن كانت تلك النوعية موجودة بنِسَب محدودة ولكن مجرد وجودهم مؤشر علي إنه سيكون هناك المزيد، ومثل فاوست من هو موجود بالفعل في المجال السياسي وبعضهم مستعد للتضحية مقابل الممارسة في العمل السياسي، أو أن يكون مسئولًا متواجد دائمًا علي الساحة السياسية، هدفه الأساسي الاستمرارية لا يهمه أي شيء آخر وربما يصل الأمر الي بيع أهله وسمعته وبلده من أجل تحقيق أغراض ومكاسب شخصية وخير دليل ما يفعله كارهي البلد من توالي الضربات ضدها والبعض منهم ينفذ أوامر من الخارج المهم لا يغيب عن المشهد.

ناهيك عن المجال الإعلامي ووجودهم بكثرة، فنجد تواجد الشخصيتين "كاتنيلا و فاوست" الأثنين معًا، فلا تخلي المنابر الإعلامية من أصواتهم المؤرقة والمزعجة التي تصعق الأذان عند سماعهم، فتجد من باع نفسه وعقيدته واهله وبلده وخلي بكل المبادئ والقيم ليشتري المال والشهرة، ومن تخلله الخوف من رؤسائه ومرشده ليبيع كل شيء مقابل تلك العقيدة المزيفة مثال الإخوان والجماعات الإرهابية وحتي يضمن ظهوره وتواجده، ومنهم الآفاق ومغير الحقائق والمعلومات من أجل الظهور الإعلامي في إحدى الفضائيات والبرامج أو كتابة المقالات بالصحف أو تولي المناصب العليا في المؤسسات الإعلامية الكبرى، فهؤلاء تحديدًا لا يقدروا على الاستغناء عن المكتسبات التي تعود عليهم وبالتالي تكون عقيدتهم التضحية، ورأينا كثير في هذا المجال من فعل ذلك حتي وصل الي أعلي المناصب بطرق غير شرعية، ودائما الهدف الرئيسي لهم الشهرة أمام المجتمع.

وفِي النهاية وليتها نهاية لتلك الشخصيات .. كم من أولئك الذين باعوا كرامتهم وشرفهم لأجل منصب أو مال أو نفوذ وسلطة لغرض دنيوي ومصالح وأغراض شخصية ومكاسب آخري، فيكون علي استعداد أن يبذل كل جهوده من أجل المنصب و المال والشهرة، ويبيع دينه أو شرفه أو أهله وناسه أو بلده ويتخلي عن وطنيته ولا يهمه في ذلك إلا تحقيق أحلامه وأغراضه الشخصية فقط دون النظر الي من حوله، في الوقت الذي يجب أن يتمسك بالقيم والأخلاق والشرف، ولكن للأسف غلبة المصالح الشخصية تفوق كل القيم.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط