المركب غرقت يا قبطان.. مشاهد حزينة من عبارة السلام 98 التي أبكت المصريين

ألقى الليل عباءته السوداء على تلك الأمواج المتلاحقة، وساد الهدوء في المكان، حيث لا صوت يعلو على صوت هدير الأمواج المتلاطمة التي يدفعها الريح لتصطدم بالسفينة.
تجاوزت الساعة منتصف الليل، لـ تقطع الأصوات التي تتناغم في هدوء المساء، وفجأة دب صوت صراخ وعويل يكسر هدوء الليل، نيران تتصاعد تلطخ السواد الذي ساد بالمكان، مشهد مرعب في مياه البحر الأحمر عاشه أكثر من ألف شخص على متن عبارة السلام 98 عام 2006.
"المركب غرقت يا قبطان"، كانت هذه هي آخر رسالة عثر عليها بعد تفريغ الصندوق الأسود للسفينة، ليعلو بعدها أصوات الشهادة، صراخ وعويل، استسلم الركاب لمصيرهم المجهول، متشبثين بآخر أنفاس لهم في الحياة، ولكن لم تنجح محاولاتهم للنجاة كثيرا، وفي حادث مشئوم راح ضحيته حوالي 1032 راكبا ونجا حوالي 388 آخرين، وآخرين فقدوا بين أمواج البحر التي انطوت عليهم.
ثلاثة عشر عاما مرت على غرق العبارة، ومازال المشهد عالقا بأذهان المصريين، سنوات مضت على الحادث المشئوم، وصم الشهر بفبراير الأسود، ففي اليوم الثاني منه، وأثناء عودة عبارة السلام 98 من السعودية لميناء سفاجا، في الرحلة التي كان على متنها حوالي 1415 راكبا مصريا وعربيا، نشبت النيران في غرفة محرك السفينة لتنتشر بسرعة في باقي الأجزاء، مما أحدث خللا بها، ومع محاولات إنقاذ السفينة، إلا أن النيران كانت دمرت المحركات وتوقفت عن العمل.
الدكتور سعيد، شجار نشب مع زوجته وأبنائه، جعل الزوجة في حالة ضجر وحزن منه، خاصة أنه بعيد عنها يقيم في السعودية، ليقرر الزوج المحب قطع إقامته والسفر لإرضاء زوجته وأبنائه كمفاجأة منه لهم، أيام مضت لا تعلم الزوجة شيئا عنه، تواصلت مع مقر عمله ليخبروها بسفره، وبعد الفحص والتمحيص تبين أنه على متن العبارة المشؤومة، تنتظر الزوجة خبر زوجها، ينبض قلبها بحرقة يبكيه، تتمنى لو قضت آخر مكالمة بينهما بانسجام كما اعتادت، تشاهد الأخبار وتمر بالميناء يوميا، ولكن يبدو أن الأمواج احتضنت زوجها وأبقته معها.
أهالي الركاب تابعوا نشرات الأخبار، محدقين أعينهم كالذي يتربص الموت أمامه، كل يوم يتم الإعلان عن جثة جديدة، ومع فرحة دفن الجثة لإكرام الميت، دموع وحسرة الأهالي تكسر قلوب المصريين، أسماء الضحايا تتصدر العناوين، مانشيتات الصحف تعلن عن العثور على ضحايا جدد، يتشبث الأهالي بأي أمل للعثور على ذويهم.
تبكي الجدة ابنتها التي ذهبت مع الموج برضيعتها، الأب المكلوم يحبس دموعه عن أسرته التي ذهبت بعيدا عنه، نكبة يتذكرها المصريون كل عام في نفس التوقيت مترحمين على ضحايا عبارة الموت، التي خلفت ذكرى مؤلمة لن تسقط من ذاكرة المصريين.