قبل ما يربو على العامين، نشرت صحيفة "الحياة" اللندنية خبرًا عن إحدى حفيدات الظاهر بيبرس، سلطان السلاطين عبر العصور.
الحفيدة التي تدعى إليينا، قررت بعد مرور نحو سبعة قرون ونصف القرن على عهد السلطان المملوكي الأشهر القيام برحلة بحث عن آثاره وما مثله من قيمة تاريخية وسياسية عسكرية رفيعة في زمنه، ومعها والدتها نزهة خان وشقيقها دانيال.
وقالت إليينا وقتئذ: "أبحث في الأماكن التي كان لجدي آثار فيها لأتقصى حقيقة بعض الوقائع التاريخية".
وأضافت الطالبة في الجامعة الكازاخية التي تعشق التاريخ وتستمتع بالبحث والتحليل: "في كازاخستان يمكننا التعرف على أصول أجدادنا حتى سابع جد، فمن خلال البحث والدراسة نتعرف على شجرة العائلة وجذورها بفضل حرص حكومتنا على توثيق أصول العائلات حفاظًا على التراث الكازاخي، وليتعرف الأحفاد الى أمجاد الأجداد".
وأوضحت: "أصدقائي يعلمون أنني من سلالة سلطان ويبدون تشوقًا للتعرف على سيرته، وأنا علمت عن السلطان الظاهر ركن الدين بيبرس العلائي البُنْدُقْدارِي الصالحي الكثير، وهو جدي لأمي، ولدينا معرفة وافية ببطولاته العسكرية في مصر وبلاد الشام، فهو تحدى فضاءات استثنائية فرضت حوله واستطاع أن يقود المجتمع الإسلامي في ظروف حالكة إلى دحر المغول".
وأشارت "إليينا" إلى أن معظم ما قرأته عن الظاهر بيبرس كان لمستشرقين، وأنها ترغب في التعرف إليه من وجهة نظر عربية إسلامية.
"إليينا".. هي حالة سقتها لتعرفوا أن الكازاخ ليسو كأي شعب آخر، فمن لم يزر كازاخستان لن يعرف إلى أي حد هي مختلفة في كل شيء عن كل بلاد الدنيا، وشعبها كذلك.
ومن أبرز ما ستعرفه وتلاحظه عند زيارتك ومعاشرتك بعض الأيام والليالي هذا الشعب، فلن تلحظ الكرم والمروءة واتقان الصنعة وحسب؛ بل أهم ما يميز الكازاخ في رأيي هو تمسكهم الشديد بماضيهم العريق، فلا زالوا على درجة كبيرة من التفاخر بالأجداد وفنونهم في الصيد وترويض الأحصنة والطيور الجارحة، واللعب على الدونبرا؛ ولكن الأبرز هو حفظ الأنساب والتمسك بأخلاق القبيلة.
إنهم ما زالوا يوقرون الكبير، ويرعونهم آباء وشيوخًا رجالًا كانوا أو نساءً.
من هنا أؤكد أن الكازاخ جادون ومهتمون جميعًا بتراث جدهم الأكبر السلطان بيبرس، هذا السلطان الذي لم يأخذ حقه في التأريخ له ولبطولاته، وتقواه وورعه وعشقه للأدب والفن وخاصة الزخرفة والمعمار.
فبيبرس قبل السلطنة كانت له أيادٍ بيضاء في معركة المنصورة ضد الصليبيين في مثل هذا الشهر، من 8-11 فبراير 1250 ميلادية، حيث كان من أبطالها ومن صانعي النصر فيها، وكانت له يد لا تنسى في معركة عين جالوت، فتولى السلطنة وسجله حافل بالبطولات والأمجاد.
إنه السلطان الذي جعل مصر عاصمة للخلافة العباسية الجديدة، ومنحها مجدًا يضاف إلى أمجادها وتاريخها الضارب في عمق الحضارة الإنسانية، وإن مصر وبيبرس كلاهما يشتركان أن الزمن لم يهزمهما، فسلطان السلاطين كان كخالد بن الوليد في كونه لم يهزم في أي معركة قط، وكذا مصر لم يهزمها عدو لها قط، فإما يكون جزءًا من تاريخها فتعليه أو يرفض فتبتلعه بأبنائها، وبيبرس اختار أن يكون ابنًا لها وبطلًا من أبطالها رغم أصوله الكازاخية.