الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

أوجلان.. وعشرون عامًا من الصداقة المزيفة


تتصدر الأحداث المرافقة للحرب العالمية الثالثة بعد دخولها مرحلتها الثانية، والتي ستشهد الكثير من الأحداث الدرامية والمأساوية، وربما تتجاوز ما رأيناه وعشناه إن كان في ليبيا واليمن والعراق وسوريا على وجه التحديد، والتي ستكون نتائجها هي المحددة لشكل المنطقة برمتها، حيث تتسابق القوى المهيمنة العالمية على عقد الاجتماعات المتكررة في عواصم عدة إن كانت في جنيف أو أستانة أو سوتشي أو الرياض، ولكل منها رمزيتها الخاصة بها والتي بنفس الوقت تتشارك في خاصية واحدة وهي أنه "لا حل قريب في الأفق".

الـ "لا حل" هي الشيفرة المخفية تحت قناع الآلهة المقنعة للحداثة الرأسمالية الجشعة والتي من خلالها تنشر الدمار والخراب بين الشعوب والدول بغية تحقيق أطماعها ومصالحها، وهذه السياسة التي تعتمد بشكل رئيس على القضاء على أي فكرة يحملا أي شخص واينما كان إن هو طرح مشروع حل للقضايا التي تعصف بالمجتمعات والدول.

لذا، يكمن جوهر استمرارية العقلية الاقصائية والاستبدادية والدكتاتورية والسلطة في عدم إيجاد أي حلول لما تعانيه المجتمعات من حالات ضياع واغتراب عن حقيقتها، لأن أساس الـ "لا حل" يكمن في خداع المجتمعات والشعوب بالحلول الوضعية التي تضعها القوى المهيمنة لهم على أساس أنها أفضل الحلول لكل ما تعانيه الشعوب من أمراض مجتمعية أو دولتية، لكن في حقيقة الأمر أنه ليس ثمة طرف يبحث عن حلول لكل ما تعانيه المجتمعات من ويلات، بل كل ما يجري الحديث عنه هو كيفية إزالة العوائق التي تصنعها المجتمعات أمام سلطوية الدولة والنظم الحاكمة والتي تدور في فلك القوى الرأسمالية التي لا همَّ لها سوى الربح الأعظمي على حساب القضاء على الشعوب.

الأزمة التي تعانيها قوى الحداثة الرأسمالية الجشعة فرضت عليها إجراء بعض التغييرات الشكلية على النظم الحاكمة في منطقتنا مع الاحتفاظ بحق الانتفاع الكامل من دون قيود والانقياد الأعمى لاسترضاء القوى الغربية منها والشرقية الرأسمالية بغية إبقاء الوضع على ما هو عليه من دون تغيير وأنهم –أي النظم السلطوية- مستعدين أن يخدموا أسيادهم بكل تفانٍ واخلاص.

أمريكا وأوروبا وكل من يدور في فلكهما من طرف وروسيا والصين وكل من يعقد الآمال عليهما، لا فرق بينهما لأن كل فريق وجبهة يبحث عن مناطق نفوذه وهيمنته واطماعه ومصالحه ولتذهب الشعوب والمجتمعات التي لا يعيرها أحد أي اهتمام لتذهب إلى الجحيم.

هنا في هذه النقطة بالذات يكمن أساس القضايا والمشاكل التي يعانيها الكل من دون استثناء، إن كانت أمريكا ومن معها أو روسيا ومن يقف خلفها وكذلك دولنا الشرق أوسطية ومعها الأفريقية، الكل يبحث عن صالحه وأطماعه الأنانية والفردانية والسلطوية على حساب الشعوب التي تعاني الأمرَّين من كِلا الطرفين، إن كان من قِبل القوى الرأسمالية أو النظم المتسلطة على رقابهم كـ "سيف ديموقليدس"، مع أنَّ الكل يتكلم باسم الشعب وأن السلطة هي للشعب وأنهم يمثلون إرادة الشعب، وإلى الآن ما زلنا نبحث عن الشعب الذي يمثلونه، لكن من دون جدوى.

ذاك الشعب الذي بالفعل يكون هو مصدر السلطات والإرادة الحقيقية والذي يبحث عن حقيقته الأخلاقية في زمن هيمنت فيه المصالح على الأخلاق والأنانية الفردانية على الروح الجماعية ومنطق السلطة الدولتية على المجتمعات.

في هذا الزمن ظهر أوجلان كي يقول "كفى"، للعقلية السلطوية أن تهيمن على الشعوب بخداعها مرات ومرات بشعارات قوموية زائفة أو دينوية منافقة، لأن كِلا المنطقين يكملان بعضهما البعض في اشغال المجتمعات بالأمور الثانوية وإبعادها عما تعانيه من أمراض فكرية حقيقية جعلتها تسير وتعيش في مجتمع نمطي كالقطيع.

أوجلان الذي استوعب التاريخ بكل معانيه وروحه السامية وراح يبحث عن الحقيقة فيه، علَّه يتوصل للحقيقة النسبية التي تعطي الإنسان إرادته وقيمته وترجعه لذاته كي يكون "هو" وليس "الآخر"، وأن الحل يكمن في العيش المشترك على أساس الاحترام المتبادل لأخوة الشعوب و"الكل مع الكل" والتي تعني "الديمقراطية"، بعكس العقلية الإقصائية والأنانية والجشع و"الكل يقتل الكل" والتي تعني "الديكتاتورية".

تكالب القوى الرأسمالية الدولية ومن معها من النظم الذيلية الاقليمية على اعتقال أوجلان قبل عشرين عامًا يأتي ضمن هذا السياق التاريخي والمجتمعي للحقيقة التي ما زلنا نبحث عنها، هذه القوى لا همَّ لها سوى حقيقة المصالح الأنانية على أوجلان الذي لا همَّ له سوى الحقيقة المجتمعية، في هذه النقطة بالذات بدأ التناقض بين المشروعين.

مشروع الشرق الأوسط الجديد والكبير وبين مشروع الشرق الأوسط الديمقراطي، وبين "الجديد" و"الديمقراطي" بدأ تحالف القوى الرأسمالية الجشعة مع زبانيتها الإقليميين في حبك المؤامرة على السيد أوجلان، علَّهم يبعدونه جسديًا عن المشهد المحتمل في المنطقة، لكنهم تناسوا أن أوجلان تم تقييده جسديًا، لكن أفكاره ما زالت تعوم بكل حرية بين الشعوب الباحثة عن حقيقتها المجتمعية، وأثبت أوجلان أنه لا يمكن حبس الأفكار مهما عظمت قوة القوى الرأسمالية.

بعد عشرين عامًا ربما على نفس القوى التي عملت على اعتقال أوجلان أن تراجع نفسها ولو قليلًا على أساس أنَّ مبدأ الأخلاق أهم من المصالح، وأنه على الأخلاق مسئولية مراقبة المصالح والسياسة والاقتصاد والثقافة... إلخ، وليس القضاء على الأخلاق من أجل المصالح الأنانية.

يقول أوجلان: "إن ما ساعد على اعتقالي هو "الصداقة المزيفة، والرفاقية الناقصة"، بعد عشرين عامًا هل على الكل ممن كانت له اليد في اعتقاله أن يراجع نفسه ولو قليلًا كي يريح ضميره على الأقل، ويعمل على حرية أوجلان، ونكون أصدقاء بكل ما للكلمة من معنى لهذا الانسان الذي ما زال يفكر بشعوب المنطقة بعيدًا عن الأنانية والمصلحة الذاتية، حينها يمكن أن يكون للحرية والحقيقة طعمٌ آخر.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط