الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

جمعتهما الإعاقة والدم ولقمة العيش.. قصة أخوين كفيفين بمدينة قوص يقطعان 10 كيلو مترات يوميا لبيع الخضراوات.. صور

صدى البلد

  • قصة تحدٍ سطرها شقيقان مكفوفان بمدينة قوص تحديا الإعاقة بالعمل فى مهنة شاقة
  • عطا الله.. يعمل فى بيع الخضراوات بالنهار ويجهز سحور المواطنين فى ليالى رمضان
  • عبد الراضى الابتسامة لا تفارق وجهه ولا يرى إلا التعليم لتأدية رسالته تجاه أبنائه


عطا الله وعبد الراضي، شقيقان تشاركا فقدان البصر منذ طفولتهما، لكنها لم ييأسا أو يستسلما للإعاقة ويجلسا في منزلهما انتظارًا لإعانات ومساعدات المتعاطفين، بل قررا منذ سنوات بعيدة أن يتشاركا مهنة بيع الخضراوات التي تجمعهما مثلما جمعهما فقدان البصر، لكى تكون عونًا لهما فى تلبية احتياجاتهما وأسرتيهما المكونة من 10 أفراد.

المهنة التى قرر الشقيقان العمل بها تمثل قمة التحدي لقدراتهما الصحية التى تستوجب ألا يغادرا منزلهما إلا بمرافقة ورعاية خاصة، لكنهما لم يهتما بهذا الأمر وقررا أن يعيشا حياتهما مثل الآخرين، ولا ينتظران أن تسقط عليهم السماء أموالًا بلا تعب أو عمل كما يفعل آلاف العاطلين القابعين على المقاهي يندبون حظهم أو ينتظرون مكافأة السماء التى لا تأتى للكسالى.

بيع الخضراوات بمختلف أنواعها هى المهنة التى قرر الشقيقان الكفيفان امتهانها، لتعودهما عليها منذ الصغر، لكن التحدى الحقيقى هو إصرارهما على شراء الخضراوات من المزارعين أو الشوادر بنفسيهما وعدم انتظار وصولها إليهما فى منزلهما، والتحدى الأكبر هو إصرارهما على بيع الخضراوات فى المنطقة المحيطة بقريتهما عبر "برويطة" يحملان عليها الخضراوات ويتجولان بها على طريق قنا - الأقصر الزراعى وبين الحارات والأزقة الواقعة على الطريق.

رحلتهما اليومية لبيع الخضراوات، ليست رحلة بسيطة أو يسيرة كما يتخيل البعض، لكنها رحلة تدور في مساحة ١٠ كيلو مترات ذهابًا وإيابًا، تبدأ من الصباح الباكر مع خروج الموظفين لأعمالهم، وتنتهي مع اقتراب أذان المغرب أو بعد الانتهاء من بيع كميات الخضار التي يقومان بشرائها يوميًا والتى تمثل حصيلتها مصدر الدخل الرئيس لهم ولأسرهم التى تنتظر عودتهم سالمين من صعوبة الطرق وتهور السائقين على الطرقات والجسور.

المعاناة في رحلتهما لا تتوقف عند المسافة التي تزيد على ١٠ كيلو مترات أو الفترة الزمنية، لكن تضاف لها معاناة أخرى تتمثل في سيرهما على طريق سريع ضيق تسير عليه سيارات بسرعات متفاوتة، وهو ما يعرضهما للخطر بشكل شبه دائم لدرجة أن أحدهما وقع في حفرة أو على جانب الطريق أكثر من مرة، وتمكن أهالي المنطقة من إنقاذه بصعوبة بالغة.

قصة التحدي التي سطرها عطا الله وعبد الراضي منذ أكثر من ٢٠ عامًا حتى الآن، جعلتهما علامة مميزة في القرى الواقعة شمال مدينة قوص، فالصغير يعرفهما قبل الكبير، وصوتهما الممزوج بحالة من الرضا والسعادة أثناء النداء لبيع الخضراوات أصبح مألوفًا على آذان الأهالى الذين يعتبرونهما من" أولياء الله الصالحين"، خاصة أن التهاون في أداء الصلوات لا يعرف لهما طريقا ولم يسمع منهما أحد كلمات تذمر أو غضب اعتراضًا على ابتلاء الله لهما.

كلماتهما خلال جلساتهما مع الأهالى تحمل حالة كبيرة من الرضا الذي يتجلى بوضوح على ملامح وجهيهما أثناء الكلام مع المحيطين، وهو ما أكسبهما حب الناس وجعلهما اجتماعيين لدرجة كبيرة رغم إعاقتهما الكفيلة بأن تحول الدنيا كلها إلى ظلام كالح، فرحلاتهما اليومية جعلتهما يرتبطان بعلاقات غير محدودة مع الكثير من أهالي المنطقة الذين يعتبرون كفاحهما قصة ملهمة تزرع فيهم الأمل.

الشقيق الأكبر عطا الله عبد السميع محمد، 54 عامًا، رزقه الله بولد وبنت، ابنه محمد البالغ من العمر 20 عامًا يساعده فى التنقل بين القرى لبيع ما تحمله عربته الصغيرة من خضراوات، لكن الابن يعانى أيضًا من ضعف فى الإبصار يجعله غير قادر على الرؤية بشكل صحيح طوال الوقت، وهو ما يستدعى تدخلا جراحيا لا تسمح الحالة المادية بإجرائها الآن.

عطا الله لم يقتصر كفاحه على العمل فى بيع الخضراوات فحسب، لكنه منذ سنوات قاربت من العشرين عامًا يتبرع بجزء من وقته وجهده مع قدوم شهر رمضان المبارك، لتسحير الصائمين وإيقاظهم لصلاة الفجر طوال أيام الشهر الكريم، وكل أمنيته أن توفر له الدولة سوبر ماركت أو محلا متواضعا يعينه.

أما شقيقه عبد الراضى، 49 عامًا، فلديه من الأبناء 4 "ولدان وبنتان"، لا يرى إلا التعليم طريقًا وحيدًا لمستقبل أفضل لأبنائها، ولكى يرى فيهم ما عجز عن تحقيقه بسبب فقدان البصر، لذلك لديه إصرار غير عادى على إلحاق أبنائه بالتعليم وبذل ما وسعه من أجل استكمال تعليمهم حتى دخول الجامعة.