الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

عاش هنا يوثق أسرار علاقة رياض السنباطي بـ أم كلثوم على مدار 40 عاما وكواليس القطيعة بينهما.. وقصة اختياره أستاذا أثناء اختباره كطالب

رياض السنباطى وأم
رياض السنباطى وأم كلثوم

فى محافظة الجيزة وتحديدًا في 61/ ا – طريق سقاره ( المريوطيه ) الهرم – الجيزة، عاش االملحن الراحل رياض السنباطى، الذى وثق جهاز التنسيق الحضارى منزله، من خلال وضع لافتة على باب العقار، توضح تاريخ الميلاد: 30/11/1906 مكان الميلاد:دمياط، وتاريخ الوفاة: 10/09/1980 .

يأتى ذلك فى إطار مواصلة مشروع "عاش هنا"، أحد أهم المشروعات التي يشرف عليها جهاز التنسيق الحضاري التابع لوزارة الثقافة، جهوده في توثيق المباني والأماكن التي عاش فيها الفنانين والسينمائيين وأشهر الكتاب والموسيقيين والشعراء وأهم الفنانين التشكيليين والشخصيات التاريخية، التي ساهمت في إثراء الحركة الثقافية والفنية في مصر عبر تاريخ مصر الحديث.

ولد الملحن رياض السنباطى فى مدينة فارسكور التابعة لمحافظة دمياط بشمال دلتا مصر، وكان والده مقرئا تعود الغناء فى الموالد والأفراح والأعياد الدينية فى القرى والبلدات الريفية المجاورة، واكتشف موهبة طفله حين بلغ التاسعة من عمره إذ تفتحت أذنا الفتى الصغير على أبيه وهو يعزف على العود، ويغنى الغناء الأصيل والتواشيح الدينية، فلما بلغ التاسعة ضبطه والده عند جارهم النجار هاربا من المدرسة، يضرب على العود ويغنى بصوته أغنية "الصهبجية" لسيد درويش فطرب لصوته، وقرر أن يصطحبه معه للغناء فى الأفراح.

أظهر‭ ‬رياض‭ ‬السنباطى استجابة‭ ‬سريعة‭ ‬وبراعة‭ ‬ملحوظة فى تعلم الموسيقى والغناء،‭ ‬فاستطاع‭ ‬أن‭ ‬يؤدي‭ ‬بنفسه‭ ‬وصلات‭ ‬غنائية‭ ‬كاملة،‭ ‬وأصبح‭ ‬فيما‭ ‬بعد‭ ‬نجم‭ ‬الفرقة‭ ‬التي‭ ‬انضم‭ ‬إليها‭ ‬ومطربها‭ ‬الأول،‭ ‬وعرف‭ ‬باسم‭ ‬بلبل‭ ‬المنصورة،‭ ‬وعندما‭ ‬استمع‭ ‬الفنان‭ ‬سيد‭ ‬درويش‭ ‬له‭ ‬أعجب‭ ‬به‭ ‬إعجابًا‭ ‬شديدًا،‭ ‬فأراد‭ ‬أن‭ ‬يصطحبه‭ ‬إلى‭ ‬الإسكندرية‭ ‬لتتاح‭ ‬له‭ ‬فرص‭ ‬أفضل،‭ ‬لكن‭ ‬والده‭ ‬رفض‭ ‬ذلك‭ ‬العرض‭ ‬بسبب‭ ‬اعتماده‭ ‬عليه‭ ‬بدرجة‭ ‬كبيرة‭ ‬في‭ ‬فرقته‭.‬

في‭ ‬عام‭ ‬1928‭ ‬كان‭ ‬قرر‭ ‬الشيخ‭ ‬السنباطي‭ ‬الأب‭ ‬بالانتقال‭ ‬إلى‭ ‬القاهرة‭ ‬مع‭ ‬ابنه،‭ ‬وتقدم‭ ‬بطلب‭ ‬لمعهد‭ ‬الموسيقى‭ ‬العربية‭ ‬ليدرس‭ ‬ابنه‭ ‬فيه،‭ ‬فاختبرته‭ ‬لجنة‭ ‬من‭ ‬جهابذة‭ ‬الموسيقى‭ ‬العربية‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الوقت،‭ ‬حينها‭ ‬أصيب‭ ‬أعضاؤها‭ ‬بنوع‭ ‬من‭ ‬الذهول،‭ ‬فقد‭ ‬كانت‭ ‬قدراته‭ ‬أكبر‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬طالبًا،‭ ‬فأصدروا‭ ‬قرارهم‭ ‬بتعيينه‭ ‬في‭ ‬المعهد‭ ‬أستاذًا‭ ‬لآلة‭ ‬العود‭ ‬والأداء،‭ ‬ومن‭ ‬هنا‭ ‬بدأت‭ ‬شهرته‭ ‬واسمه‭ ‬في‭ ‬البروز‭ ‬في‭ ‬ندوات‭ ‬وحفلات‭ ‬المعهد‭ ‬كعازف‭ ‬بارع‭.‬

ارتبط الموسيقار رياض السنباطي بعلاقة صداقة خاصة جدًا بكوكب الشرق أم كلثوم، تشكل الخط الأساسي في تجربته الفنية، وهي شراكة عمر، مكانة خاصة انفرد بها السنباطي وانتزع بها عرش الراحل الكبير محمد القصبجي داخل مملكة أم كلثوم، فقد تعامل السنباطي فنيا مع أم كلثوم فترة تزيد على 40 عاما، ولحن لها رصيدًا كبيرًا من الأغاني الهامة التي حصدا بها نجاحا ساحقا، وعلاقة الكبيرين أم كلثوم والسنباطي بدأت مبكرا منذ الصغر، عندما كان عمره 13 عاما، وعمرها لم يتجاوز الـ 17، كما كان والد أم كلثوم الشيخ إبراهيم البلتاجي، صديقا قديما للمنشد محمد السنباطي.

ومع‭ ‬تطور‭ ‬أسلوب‭ ‬السنباطي،‭ ‬وسطوع‭ ‬نجم‭ ‬أم‭ ‬كلثوم‭ ‬في‭ ‬منتصف‭ ‬الثلاثينيات،‭ ‬كان‭ ‬تلاقيهما‭ ‬سهلًا،‭ ‬وكانت‭ ‬البداية‭ ‬بأغنية‭ ‬‮«‬على‭ ‬بلد‭ ‬المحبوب‭ ‬وديني‮»‬،‭ ‬التي‭ ‬قدمت‭ ‬عام‭ ‬1935‭ ‬وحققت‭ ‬نجاحًا‭ ‬كبيرًا،‭ ‬لينضم‭ ‬السنباطي‭ ‬إلى‭ ‬جبهة‭ ‬الموسيقى‭ ‬الكلثومية،‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تضم‭ ‬القصبجي‭ ‬وزكريا‭ ‬أحمد،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬السنباطي‭ ‬كان‭ ‬مميزًا‭ ‬فيما‭ ‬قدمه‭ ‬من‭ ‬ألحان‭ ‬لأم‭ ‬كلثوم‭ ‬بلغ‭ ‬عددها‭ ‬نحو‭ ‬90‭ ‬لحنًا. إلى جانب تميزه فى تلحين القصيدة العربية ولذلك آثرته السيدة أم كلثوم من بين سائر ملحنيها بلقب العبقرى.

وروى رياض، فى أحد لقاءاته الصحفية، تفاصيل لقائه بأم كلثوم فقال: بعد سبعة عشر عاما من لقائنا الأول فى قرية "درينش" إحدى قرى الدقهلية، التقيت بالفتاة أم كلثوم مرة أخرى، بعد أن كان صيتها قد ملأ الآفاق فى القاهرة. وقتها كنت أحسد الذين يلحنون لها وكانت تتحرك فى أعماقى ملكة التلحين، تعبيرا عن عواطف جياشة يعيشها الشاب فى مثل سنى.. كنت أقيم فى شقة وحدى وطلبت تليفون كى يسهل علىّ أعمالى واتصالاتى، وفى اليوم الأول الذى دخل فيه التليفون إلى الشقة، سمعت أغنية لأم كلثوم من الراديو، فتذكرت تعارفنا فى محطة الدلتا، وكنت قد عرفت رقم تليفونها من الإذاعة فاتصلت بها، وعندما ذكرت لها اسمى تذكرت بأن والدها الشيخ إبراهيم كان يغنى مع والدى فى الأفراح، ودار بيننا حديث قصير قالت لى فى نهايته "ابقى خلينا نشوفك يا أستاذ رياض، مادام أنت فى مصر وأنا فى مصر".

وعلى الرغم من قوة العلاقة التي كانت بين أم كلثوم ورياض السنباطي، إلا أن تلك العلاقة مرت بأزمة وصلت إلى القطيعة بينهما لمدة 3 سنوات، بسبب اعتراض أم كلثوم على فقرة بأغنية «يا طول عذابي»، وطالبت السنباطي بتغييرها بعد أنا قالت له: "أنها تكرار للقصبجي"، فاستاء السنباطي ورفض تغيير المقطع، وتركها وانصرف وبدأت بينهما القطيعة التي استمرت حتى عاد التعاون بينهما من جديد في أغنيتها «فاكر لما كنت جنبي».

وصلت أعمال رياض السنباطى إلى 1000 لحن، كان رصيد أم كلثوم منها أكثر من 282 أغنية وقصيدة منها: "أراك عصى الدمع، ولسه فاكر، وحيرت قلبي معاك، وأقولك ايه عن الشوق، وليلى ونهاري، وطوف وشوف، والأطلال".

في صباح الأربعاء 9 سبتمبر 1981، توفي عملاق النغم الشرقي بعد معاناة طويلة مع مرض الربو، تاركًا خلفه ميراثًا ثريًا قادرًا على الصمود ألف عام.

جدير بالذكر أن مشروع "عاش هنا" يتم بالتعاون مع الجهات والمؤسسات الفنية، ويستعان خلالها بالمُهتمين بتوثيق التراث الثقافي والفني في مصر لتدقيق المعلومات والبيانات التي يتم تجميعها.