الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

نورهان البطريق تكتب: إلى متى سيستمر نزيف حوادث الانتحار ؟!‎

صدى البلد

تتزايد حوادث الانتحار بشكل مفزع وبصورة فجة، صرنا نسمع كل يوم عن حوادث انتحار لشباب في مقتبل العمر، فقد كانت حادثة انتحار طالب كلية الهندسة بمثابة صاعقة، أصيب بها رواد السوشيال ميديا ،فمنذ أن تداولت صفحات الفيسبوك الخبر ،وانهالت له الدعوات بالرحمة والمغفرة ، تأثرًا بالخبر ونظرًا لصغر سنه ،وما تناقلته الصحف حول ما كان يعانيه ذلك الشاب من ظروف نفسية سيئة، دفعت به جميعها للاقدام على هذه الخطوة والتي أوجعت قلوب الجميع أمس وليس أهله فحسب ، فقد كانت رغبته في التخلص من الحياة ،وعدم عدوله عن فكرة الانتحار سببًا لكي نحزن عليه جميعًا وأن تنصب كل المنشورات حول الترحم عليه وطلب العفو والغفران له.

نحن نفتقر ثقافة الرفق بالآخر ، فأحيانا نستهين بمشاعر الآخر ،نأخذها على محمل السخرية، ونظن أن الشخص الذي يردد كلمات من نوعية "عايز أموت "،"عندي اكتئاب " أنه شخص لا يستحق الالتفات له ،فقد ينعته البعض بانعدام الرجولة ، وقد نجد آخر يقارنه بأحدهم ، فيخبره أنه مر بنفس ظروفه واستطاع أن يتجاوزها ،و لذلك ليس من حقه أن يشكو طالما أن هناك أفرادا يعيشون حياة مشابهة لحياته ، وهناك من يرمقه بنظرة المرفهة الذي يملك الكثير ولا يقدر ما يملك بدليل كثرة أحاديثه عن الموت. وهنا يكمن الخطأ الذي يقع فيه الجميع دون استثناء، لأننا لا نعي أن الشخص الذي يردد كثيرًا رغبته الملحة بالانتحار لا يملك من القوة ما يملكها غيره حين نقارنه بأحد، وأحيانا كل ما يحتاجه هو أن يسمع منك كلاما يشعره بأهمية وجوده عند البعض حتى يعدل عن فكرته تمامًا، وأحيانا يحتاج أن يبوح، يصرخ ،يبكي ،وكل ما يرغب فيه أن يجد شخصًا واحدًا يسمعه..يسمعه وحسب دون تعقيب أو تأنيب أو تلقين دروس . أحيانا يشارك البعض في عملية الانتحار بصورة غير مباشرة من خلال أن يصدر للآخر حالة من الصد والنفور ،فلا يصبح أمامه سوى الكتمان والانعزال عن العالم الخارجي ، إلى أن تأتي خطوة الإقدام على الانتحار كخطوة أخيرة لتكتمل أركان الجريمة ،والتي يصبح بعض البشر ضلع أساسي بها ولكنهم للأسف لايشعرون بهذا الجرم حيال المنتحر ولا يظنون أنفسهم طرفا فيه.

يأتي دور الأهل المتمثل في الآباء و الأمهات ،حيث أنهم من أوائل الأفراد الذين يقع عليهم العبء الأكبر في تكوين شخصية أبنائهم، و أنهم أحق الناس بالقرب من فلذات أكبادهم ،ولايصح أن يتركون أدوارهم لصديق الدراسة او لزميل العمل . و أنه من أهم واجباتهم نحو أبنائهم هو السماع لهم، و أن يحرصون على معالجة ما يشعرون به ،وأن يمدوا لهم يد العون حين تتعثر بهم الحياة، و أن يشد ازرهم متى طلبوا منهم الدعم و المساعدة ،أن يتجاوزوا معهم صعابهم دون التقليل من شأنهم أو النقص من قدرهم ، فلنقتلع من رؤوس أولياء الامور فكرة أن ننظر للابن على أن كل ما يحتاجه مأكل وملبس ومصروف شهري ،وأن نختزله في خندق المقارنة بأبناء جيله ، وأن نحاصره بأن مستواه الاجتماعي الذي ينضم إليه حلم كل شاب ،وأن أنه لايستحق أن يعيش وسط هذه العائلة ،فكثيرا ما نقتل أبناءنا بألسنتنا وكلامنا المحبط و آلياتنا المخزية التي نتبعها في تربيتهم، كثيرًا ما نقتل أحلامهم وطموحاتهم ،ولا نترك لهم إلا أجسادهم التي ينالها الموت حين يوسوس الشيطان بفكرة الانتحار بعقول هؤلاء الشباب.

الوازع الديني له دور كبير في أن يقتل فكرة الانتحار في مهدها ،فكرة أن ينبت داخل كل شاب اليقين وحسن الظن بالله ليس بسهلة، ولا تولد بين ليلة وضحاها ،إنما تحتاج إلى قدر وفير من التدريب وجهاد النفس ، أن نسعى جاهدين بأن نرسخ فكرة أن نلوذ بالصلوات ونحمي أنفسنا من هوى النفس بالورد القرآني ، وأن نحصن أنفسنا بأذكار الصباح والمساء كلما ضاقت بنا دنيانا وتمكن منا الخوف وتسلل إلينا فكرة الخلاص من الحياة ،فإنها جميعًا عوامل كفيلة أن تجعل النور ينبعث من جديد داخل كل شاب وأن يدب فيه الأمل مرة أخرى ،وأن ينظر إلى أمور الدنيا بنظرة أعمق بها قدر أكبر من التدبر والتفكر. ولن يحدث ذلك إلا بفضل أهل هؤلاء الشباب الذين يتمتعون بقدر الوافر من التعقل والتفهم لمشاعر أبنائهم، وصحبة طيبة تجذب بعضها نحو الطريق المستقيم.

كانت حادثة اليوم بمثابة ناقوس الخطر الذي استطاع أن يدق على أبواب الأسر المصرية كافة، فلتكن حادثة طالب كلية الهندسة عبرة لنا ،لنتعلم منها أن نسمع بعضنا البعض ، وأن نرفق بحال من حولنا ،وألا نستهين بمشاعر أحد والأهم من كل هذا وذاك ألا نصدر حكمنا على شخص ،طالما أننا لا نمر بنفس حالته ، ولأننا أيضا نجهل ما يشعر به ، ولا يمكنا ان نتفهم ما يدور بداخله ،لذلك مرارًا وتكرارًا لا تستهينوا بمشاكل البعض ،فقط كل ما عليكم فعله أن تسمحوا لهم أن يفضوا لكم بمكنون صدورهم ،لعل احتضنكم لهم في لحظة ضعف ،تكون سببًا في إنقاذ حياة أحدهم من الموت.