الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

بتهوفن العرب وأوتار شمة!


بالأمس القريب التقيت وصحب كرام بالموسيقار المتميز نصير شمة، صاحب الأنامل الذهبية، والرسالة القومية، الذي حمل على عاتقه إعادة الرونق إلى موسيقانا العربية، بعد أن غزتها في العشرين عامًا الماضية ألحانًا لا طعم لها ولا لون، وكستها النغمات الاليكترونية بعشوائية منفرة، وتقلصت الفرق الموسيقية العريقة كفرقة أم كلثوم للموسيقى العربية، والفرقة الماسية، وفرقة أحمد الحفناوي وغيرها بل وتلاشى معظمها، ليحل محلها فرقًا بالكاد تعزف ما تقرأه في النوتة الموسيقية دون تجويد، وبغض النظر عما سيصيب المستمع من حُسنٍ أو بلاءٍ.

جلسنا مع الموسيقار المتميز، وكلنا شوق لسبر أغواره ومعرفة أسراره، فكان سؤالنا المباشر له عن بيت العود المصري، الذي أنشأه في بيت الهراوي، من أين جاءت الفكرة؟ ومن الذي احتضنها؟.

كانت الإجابة مفاجأة لنا، حيث كان مقررًا لبيت العود أن يفتتح في لندن، وبالفعل تم تخصيص قطعة أرض له على أطراف العاصمة البريطانية. غير أن صديقا له عرَّفه في القاهرة بالدكتوره رتيبة الحفني، الموسيقية المعروفة، التي بادرته باقتراح: ولماذا لا تقيم بيت العود في القاهرة بدلًا من لندن أو تونس؟ أجابها: ولم لا! ومن هنا، كان لرتيبة الحفني الدور الأهم في أن يقرر نصير شمه اتخاذ القاهرة مقرًا لبيت العود، بل ومقامًا له أيضًا، ولم يستطع أن يبرحها منذ ما يزيد عن العشرين عامًا؛ أو لنقل أغوته القاهرة بفنها وجمالها، فكان صيبًا لمصر أن يسكن أرضها واحد من عباقرة الموسيقى العربية في القرن الحادي والعشرين.

بدأنا نستطلع آراء موسيقارنا حول عمالقة الموسيقى العربية فردًا فردًا، وناقشناه حول البنيوية والأسلوبية في الموسيقى العربية وغيرها، وأخذنا منه الكثير من الأراء المهمة، التي حرص على أن يؤكد أنها تشكل أراءً شخصية وليست ملزمة لأحد.

أعرب نصير عن إعجابه الشديد بالموسيقار محمد القصبجي، كملحن وعازف على العود، لا يباريه أحد، وتحدث عن الشيخ زكريا أحمد ودوره في الموسيقى العربية. أما رؤيته لعملاق الموسيقى العربية أو كما أسماه بتهوفن العرب فكان بلا منازع الموسيقار رياض السنباطي، الذي قال عنه أنه الملحن الوحيد الذي إذا عزفت له لحنًا لا أستطيع أن أضيف إليه شيئًا من التجويد، لكون ألحانه متكاملة الأركان لدرجة أن يعجز المرء عن أن يضيف إليها جملة واحدة أو حركة موسيقية جديدة على أوتار العود.

وماذا عن الموسيقار محمد عبد الوهاب؟ أجابنا أنه عملاق بلا شك، وكان مستمعًا جيدًا للموسيقى العالمية، التي تأثر بها ونقل عنها؛ غير أن قصائده وألحانه في الثلاثينات والأربعينات تبقى هي الأهم في ألحانه على الإطلاق، والتي تعبر عن قدراته الموسيقية الفائقة.

وسألته عن الموسيقار فريد الأطرش، أشهر من قدم لنا العود من خلال مقطوعاته الموسيقية ؛ فكان يرى أن فريد كعازف على العود تأثر كثيرًا بأستاذه فريد غصن، وهو عازف ماهر، وملحن جيد، غير أنه أهدر جزءًا كبيرًا من حياته في متاع الدنيا، التي لو انصرف عنها وركز في الموسيقى لكان من أعظم موسيقي العالم.

ولم يخل الحديث عن التعرف على حفلاته وجمهوره، فكان النصيب الأكبر للجمهور السوري، الذي يحرص على حضور حفلاته-رغم معاناة الشعب السوري الشقيق- بعشرات الآلاف، والحفل الذي يتقرر له ساعة قد يمتد إلى ثلاث ساعات؛ ولم لا، والعاشق والمعشوق يجتمعان على عشق الموسيقى على ضفاف بردى؛ ونفس المشهد يتكرر على أرض دجلة والفرات، وعلى ضفاف النيل.

انتهت سهرتنا وقد شعرنا جميعًا أنه موسيقار مرهف الحس، متميز بحق، صاحب رسالة إنسانية، نفخر أنها تنطلق من أرض مصر.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط