الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

50 عاما في الطيران أضاعها محمد رمضان.. كابتن أشرف أبو اليسر: «حكاية عمري ما ينفعش تخلص كده»

الطيار أشرف أبو اليسر
الطيار أشرف أبو اليسر ومحررة صدى البلد


 

لم يكن ذاك الطفل الحالم بفضاء جوي شاسع يتخيل أن موقفا صغيرا من الحياة لا يتجاوز مدته نصف دقيقة زمنية، قد يُمحي أثر قدميه الراكضتين بـ"فردة حذاء" واحدة فوق رمال أرض منطقة الجولف، ليُمتع نظره بلحظة مرور تلك الطائرة التي تهبط والأخرى التي تقلع بجوار منزله، وهو يُمني نفسه بحياة تضاهي في بهائها بياض السحاب.


 

"كابتن أشرف أبو اليسر".. منذ أن كان طفلا في السابعة من عمره، حلم دائما أن تذكر الحياة في سجل دفاترها يوما طياراَ جويا عاش هنا في صغره يراقب حركة الطائرات المُحلقة من بعيد فوق شرق القاهرة بمنطقة ألماظة، وهو ينتظر فرصة تهديها له الحياة ليحلق بها عاليا في السماء، وقد كان حتى طل الفنان محمد رمضان على متابعيه بمقطع فيديو لا يتجاوز مدته الثواني المعدودة من داخل قمرة قيادة طائرة خاصة كانت تقله في رحلة خارج البلاد قبل أيام، وبه تحول حلم هذا الطيار إلى كابوس لينهي مسيرة عمل في الطيران المدني عشرين عاما.

 


 

بتأوه شديد حبس أنفاسه لدقائق معدودات، أخذ يسرد تفاصيل الواقعة المشؤومة التي يعود تاريخها إلى أكتوبر الماضي، بعد زمن من الصمت ساد الأزمة لأشهر، بعيدًا عن أضواء الإعلام، كان يحاول خلالها الوصول إلى أقصر طريق يعوض فيها خسارته، ولكن من دون جدوى، ليجد شريط حياته يمر أمامه بلحظاته العصيبة قبل اليسيرة. 

 


 

 

فيردد "حكاية عمري من وأنا طفل عمره 13 سنة ما ينفعش تخلص كده".. بهذه الكلمات تذكر فرحة الطفل الذي التحق بالثانوية الجوية قبل نحو خمسين عامًا ليحقق حلم طفولته بالطيران، وتذكر أيضا أستاذ الكلية الجوية الذي خدم الوطن في تدريب مقاتلين جويين على قدر كبير من المسئولية والتضحية في سبيل الوطن.

 

"كان توقعي دائمًا وإحساسي تجاه عملي، أن تنتهي مسيرتي بالتكريم وليس بموقف يمحي تاريخًا وعمرًا من التعب ما بين خدمة الوطن وتدريب طيارين مدنيين، التحقت خلالها بالعمل في العديد من شركات الطيران المصرية، بعد خروجي عن القوات الجوية على خلفية أزمة صحية آلمتني وحالت دون أن استكمل خدمة بلدي بنيل شرف تعليم الطياريين الجويين".. عقب سرد تلك الكلمات هنا صمت قليلًا وهو يبكي متأثرًا بتلك الفترة، قائلا: "القوات الجوية هي عمري والمرحلة اللي أنت بتحس إنك خدمت فيها بلدك بفخر وشرف".

 


 

"كابتن أشرف أبواليسر" الذي التحق بالثانوية الجوية في عام 1971 وهو في عمر الثالثة عشرة وأعقبها التحاقه بالكلية الجوية في سن صغيرة، سجل في خانته آنذاك "ضم ولم يحضر" لصغر سنه، ولتفوقه فيها رشح بعد تخرجه للعمل مدرسا بالكلية الجوية خلال الفترة من 1977 حتى 1988 وظل حتى خرج معاشا طبيًا مبكرًا في سن الثاني والأربعين من عمره، حينما أصيب بقرحة شديدة في المعدة أجرى على أثرها عملية جراحية حالت دون استكمال مشواره تحت لواء الكلية الجوية، ليبدأ بعدها حياته بين الطائرات المدنية في أوائل الألفينات وتحديدا كان في عام 1999م.

 

ومنذ ذلك التاريخ، التحق بالعمل في العديد من شركات الطيران المصرية ما بين التجارية والخاصة، حتى استقر قبل 11 عاما في العمل بإحدى شركات تأجير الطائرات، والتي كانت لها واقعة الفنان محمد رمضان في أكتوبر من العام المنقضي، حينما كان يطير في رحلة إلى المملكة العربية السعودية كان الأخير ضيفها لعدة ساعات، فيقول "لم تكن رحلتي من البداية وكانت رحلة لزميل آخر، وأقلعت بها لارتباطي بسفر إلى أمريكا من أجل العمل، فكان يستوجب أن أطير رحلة قصيرة حتى أتمكن من العودة واللحاق برحلتي".

 


 

وتابع: "لينا طريقتنا في التعامل مع الناس بابتسامة دائمة تشعرهم بالألفة هكذا استقبلت "الفنان رمضان" يومها على متن الطائرة قبل إقلاع الرحلة، المتجهة إلى الرياض، إذ فوجئت بعد التحليق بنحو ساعة من الزمن، بمساعد الطيار المتواجد بجواري داخل قمرة القيادة على المعقد الأيمن، وهو تعرض للظلم بقرار وقفه لمدة عام، يستأذن للدخول إلى الحمام، فوجد "محمد رمضان" المقعد شاغرا خلالها، خاصة أنها طائرة خاصة ذات 8 مقاعد ولا يوجد أي حاجز حديدي بين كابتن الطائرة والركاب المتواجدين على متنها كالطائرات التجارية. 


 

فاستأذن لأخذ لقطة لأجل طفله، وسمحت له وديًا بذلك على اعتبار أنها صورة تذكارية عابرة كغيره من الشخصيات التي التقيت بهم على مدار مدة عملي بالطيران، وهم كُثر، وكثيرًا ما التقطنا صورا تذكارية على متن الطائرة مع أمراء ووزارء وكبار رجال دولة وفنانين أيضًا، لكنها إنصافا لم تكن داخل قمرة القيادة، ولكن حذرته بدعابة حينها، قائلا "إذا كنت بره نمبر وان.. فا انا هنا نمبر وان.. ما تحطش ايدك على حاجة". 


 

"وهو ما فعله وأخذ لقطته في غضون مدة لا تتجاوز الـ 40 ثانية، وأنا ملتزم بمعقدي الأيسر الذي يستحيل تركه تمامًا"، "وأما ادعاء أنه يطير بالطائرة وفقا لصوت صديقه بالفيديو الذي تم تداوله فهو أمر يستحيل نهائيا، فالطيار يسير في فضاء جوي مراقب بالردادر ويستحيل انحرافه عن مساره الجوي".

أثناء الواقعة لم يتخيل "كابتن أبو اليسر"، أن يقدم الفنان محمد رمضان على نشر تلك اللقطات على السوشيال ميديا وهو شخصية عامة يتابعها الملايين، وقد حدث فور وصولهم الرياض، فوجئ بنشر "رمضان" اللقطات التي ادعى أنه التقطها لأجل طفله على حسابه الرسمي على انستجرام وشاهدها ملايين المتابعين وتم تداولها بين آلاف الصفحات، لحظتها دار في ذهنه السيناريو الذي وقع فعليا بأن هذه الواقعة ستكون من شأنها أن تنهي مسيرته العملية بضغطة "بوست" واحدة، وستحول الواقعة إلى قضية رأي عام، هكذا أخبر مساعده عقب الواقعة.


 

وقال "وهو ما حدث بمجرد أن وصلنا الرياض أخبرت المساعد بأنه في حال نشرت اللقطات على الميديا سنواجه مشكلة كبيرة، وحدث ما كنت أخشاه ليلتها حينها تخيلت السيناريو الذي حدث، لأنه ليس بشخصية عادية وأن الموضوع سيتحول إلى رأي عام، فكنت متوقع السيناريو بنسبة 100%، وظللنا يومين هناك وأثناء العودة إلى القاهرة عاتبته، قائلا "قولتله عارف اللي عملته ده انت بتخرب بيوت ناس، قالي ازاي كل ده هيتشال من الميديا حالا.. قولتله فيه كذا مليون شافه يتشال ازاي.. وده وصل الوزارة"، 

 


 

 

وتابع: "بالفعل بمجرد رجوعنا إلى القاهرة تم تحويلنا إلى لتحقيق لنحو ثلاثة أيام، وأعقبها صدر قرار وزارة الطيران بسحب رخصة الطيران الخاصة بي مدى الحياة وإيقاف المساعد لمدة عام وهو ظلم للمساعد الذي ليس له يد في الواقعة برمتها".

 

رغم الضرر الجسيم الذي لحق بـ"كابتن أبو اليسر"، إلا أن طيارا عريقا مثله، يدرك تمامًا أن القرار الذي اتخذ تجاهه تم وفقا للوائح الدولية للطيران، فقال: "ما حدث هو مخالفة جسيمة للطيران المدني، والقانون يسري على الجميع والطائرة الكبيرة زي الصغيرة، ولا ألوم وزير الطيران السابق في قراره ولم أعترض وإن كنت أتمني أن أقدم التماسًا بتخفيض العقوبة قليلا فلديّ أطفال، حتى ليس شرطا أن أطير لمدة شهرين أو ثلاثة، لكن تاريخي لا يجب أن يمحي بهذه الطريقة.. هناك خطأ وقع واستحققت العقوبة، ولكن مساعد الطيار لم يكن له علاقة بالمرة بالموضوع، وقلت ذلك في التحقيق.. ولن أترك تاريخي يُمحى هكذا".

 

ومنذ اللحظة التي أعلنت فيها وزارة الطيران المدني، قرار الوقف حاول "كابتن أبو اليسر" الوصول إلى الفنان رمضان الذي افتعل الأزمة، ووعده بحلها للوصول إلى حل وسط والخروج بأقل الخسائر من هذا الموقف، ولكن وعود الفنان المراهق ذهبت مع الريح وكأن شيئًا لم يكن، واستمرت المراوغات هكذا لنحو 4 أشهر ولم يحاول الاتصال ولو لمرة أو الاعتذار لكابتن الطائرة عن ما حدث، حتى قرر الطيار الخروج عن صمته، بالظهور عبر فيديو مسجل لمدة 3 دقائق نشر على السوشيال ميديا خلال الساعات القليلة الماضية، فجذب كل عدسات الميديا تجاهه، لمعرفة تفاصيل الأزمة الصامتة التي أودت بتاريخ مهني لطيار عريق وإلحاق ضرر بالمساعد الآخر.

 


 

الضجة التي أحدثها فيديو الطيار على السوشيال ميديا، أعقبها تصريحات الفنان الهارب من تحمل مسئولية الأزمة، بخروجه في الإعلام معتذرا عن ما حدث ويعلن أنه سوف يفعل كل اللازم من محاولات لتعويض الطيار، ولكن هذا ما وعد به "رمضان" من قبل فترة اشتعال فتيل الأزمة ولكن من دون جدوى، ورغم ذلك لاقي اعتذار رمضان على الهواء للطيار، قبولا من جانب "كابتن أبو اليسر"، ليقول "أتمنى لو أننا نتقابل شخصيا.. ولو كان كلمني مكاملة واحدة على سبيل جبر الخاطر والتقدير أي كان كانت الأمور لم تصل لهذا المستوى، ولكنه كان يتجاهل اتصالاتي العديدة به رغم أني تعاملت مع الموضوع منذ البداية بود وأردت الحل دون الدخول في أمور رسمية بين مستشارينا حتى قبل أسابيع قليلة ولكن دون جدوى".

 

وتابع "عملت الفيديو لأني وصلت لأخرى، واستنفدتُ كل الطرق التي يمكن عملها لإصلاح الخطأ والضرر، وكنت متفهم لقرار الوزارة بعدما تحولت القضية لرأي عام، فكان لا بد أن يكون هناك ضحية من أجل رد الواقعة.. زي حادث القطار الذي يقال بعده وزير. فالموضوع اذا تم حله فلا يوجد طريق للقضايا ولا أحبذها واتمنى أن الامور تحل وديا وأن نتلافي جزء من الضرر الحادث".

 

خبرة الطيار "كابين أشرف أبواليسر"، صاحب الـ أحد عشر ألف ساعة طيران مدني، والخطأ الذي غير حياته وترك بصمة لا تحمى على سجله المهني والعملي، وجبت عليه بضرورة توجيه رسالة إلى الطياريين المدنيين في كل مواقعهم وأماكنهم، فقال:"احنا مصدر دخلنا وأكل عيشنا ابتسامتنا وتعاملنا مع الناس بالمجاملات.. تلاشوا المجاملات بدبلوماسية عشان تحافظ على مكانك وأكل عيشك.. الرزق بتاع ربنا ولكن لا تسمح لأحد بتجاوز أي خط من خطوطك".