الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

أسرار الله فى مملكة الإنسان


عزيزي القارئ توقفنا في المقال السابق عند سؤال  وهو من هو الإنسان؟  الإنسان  هو أكرم الكائنات وأشرف المخلوقات وصاحب أعظم مملكة في عالم التكوين، فهو الصورة المصغرة الجامعة لكل  مظاهر عوالم الخلق ففيه انطوى العالم الأكبر.. ومملكة الإنسان تدور حول خمس وهي الجسد والنفس والقلب والعقل والروح وقد حوت هذه الخماسية كل آيات الله تعالى وأسراره في عالم الخلق وقد تمضي حياة الكثير من الناس وتنتهي بوفاتهم  دون أن يتعرفوا على أسرار الله تعالى في أنفسهم ونحن من خلال هذا المقال والمقالات التالية سوف نلقى الضوء على بعض أسرار الله تعالى في مملكة الإنسان ولنبدأ حديثنا عن النفس.

النفس البشرية هي جوهر ذات الإنسان ومحل الأنا وهي أيضا أسمى وأجل مظهر في عالم الخلق فهي الجامعة لكل الأضداد  الخير والشر، فنراها في صورة الملك ونراها في صورة الشيطان نراها في النور والكمال، ونراها في الظلمة والنقصان ومكمن سر ذلك  تلك القابلية للسمو والارتقاء والانحطاط والتدني التي أودعها الله تعالى فيها، وهذه القابلية وهذا الاستعداد أشار إليه عزوجل بقوله، ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها، فالنفس قابلة للفجور والتقوى، قابلة للسمو والارتقاء إلى مصاف الملائكة وبنفس القدر قابلة للانحطاط والتدني تحت مرتبة البهائم كما جاء في قوله تعالى: "كالأنعام بل هم أضل سبيلا".

هذا والنفس أودع الحق سبحانه وتعالى فيها الغرائز والشهوات وركب فيها الميل والهوى وهي أعدى أعداء الإنسان كما أخبر النبي الكريم عليه الصلاة والسلام حيث قال، أعدى عدو لك نفسك التي بين جنبيك إنها أقوى من سبعين شيطانا، ولخطورة النفس وقوتها جعل الرسول صلى الله عليه وسلم مجاهدتها ومخالفتها أعظم صور الجهاد وسماه بالجهاد الأكبر كما جاء في الخبر أن جماعة من الصحابة رضي الله عنهم أقبلوا على رسول الله بعد عودتهم من الجهاد بالسيف فرحب بهم عليه الصلاة والسلام وقال لهم، جئتم من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر، فتعجبوا وقالوا أهناك جهاد أكبر من القتال يارسول الله، قال: بلى جهاد النفس،، وجهاد النفس يكن بمخالفة هواها وكسر شهوتها وإقامتها في ميادين الطاعة وإدخالها في حظيرة العبودية ومما يعين على ذلك، مصاحبة أهل الله وعباده الصالحين ومودتهم والاستماع إلى نصحهم والأخذ به، وقلة الطعام لكسر شهوتها وإضعافها، وقلة الكلام إلا فيما يرضي الله، وقلة المنام لتقوية الإرادة وصهر النفس وتقوية الروح.

هذا وإذا أراد الله تعالى بعبده خيرا جمعه على رجلين يصاحباه، رجل صالح صاحب نور بصيرة وهو الشيخ الطبيب المعالج للنفس، يدله على الله بأقواله وأفعاله وأحواله، وهو ذلك الرجل الذي أشار اليه العارف بالله أحمد ابن عطاء الله بقوله، شيخك من يرقى بك حاله ويدلك على الله بمقاله، هذا هو الرجل الأول وهو الشيخ المربي الذي يعلم كوامن النفس وأمراضها وعللها، والرجل الثاني هو الخل والصديق الصالح  الذي يحبه في الله وهو الذي يعينه على طاعة الله عزوجل وهو الذي إذا ذكر الله أعانه وإن غفل ذكره بالله، وكلاهما أصبح وجوده ندرة في عصرنا هذا  ذلك العصر الذي طغت فيه الماديات وإنقاد غالبية أهله خلف  أهواء الأنفس  والشهوات.

وأصبح نادرا وجود الشيخ المربي والعالم الرباني، صاحب البصيرة الذي يعلم داء النفس ودواءها وللأسف الشديد أن معظم من ينتسبون للعلم  ويقدمون أنفسهم على أنهم علماء قلوبهم مرضى بحب الدنيا، والمريض لا يطبب مريض، والأعمى لا يستطيع أن يقود أعمى بل لا يستطيع أن يقود نفسه، هذا ويجب أن ننتبه إلى حقيقة ألا وهي أن الإنسان مهما حصل من علوم الدين لا يستطيع أن يخلص نفسه بنفسه، وأن يطببها ويعالجها من الأمراض المبطونة فيها وما أكثرها، فلابد له من معين ولعل في قول الله تعالى: "الرحمن فسأل به خبيرا"، وقوله عزوجل، ولا ينبئك مثل خبير، إشارة إلى الشيخ المربي والطبيب المعالج لأمراض النفس والتي هي غائبة عن الكثير من الناس.

هذا وأما عن أمراض النفس والتي منها الكبر والتعالى وحب الشهوات والبخل والحرص والحقد والحسد والغيرة والأنانية وحب الجاه والسلطان والشهرة وغيرها مما هو مبطون في النفس،، هذا ما سوف نتناوله في المقالات التالية، وفي الختام اللهم اجمعنا على من يدلنا بك عليك ويكن لنا عونا في تزكية أنفسنا ويهاجر فينا ابتغاء وجهك الكريم.

المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط