تحدثنا في المقال السابق عن من له حق الإفتاء ونستكمل الحديث في هذا المقال ولنتحدث أولا عن مصادر التشريع التي تؤخذ منها أحكام وحدود وتعاليم الدين وهي خمس..أولها كتاب الله تعالى وهو المصدر الأول للتشريع ثم السنة النبوية المطهرة وهي المصدر الثاني للتشريع لقوله تعالى..وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فأنتهوا ..ولقوله عز وجل..قل أطيعوا الله والرسول.. وقوله عز وجل.. يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شئ فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خيروأحسن تأويلا..
ولقول صلى الله عليه وسلم..تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي.كتاب الله وسنتي ..ثم رأي الصحابة وخاصة الخلفاء الراشدين الأربعة وهم سيدنا أبو بكر الصديق وسيدنا عمر إبن الخطاب وسيدنا عثمان إبن عفان وسيدنا الإمام علي إبن أبي طالب رضي الله تعالى عنهم لقول النبي الكريم صلى الله عليه وسلم وعلى آله..عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي وعضوا عليها بالنواجز.. وقوله..أصحابي كالنجوم بأيهم أقتديتم إهتديتم ..ثم الإجماع وهو ما أجمع عليه أهل العلم والإستنباط الذين أشار الله تعالى إليهم بقوله تعالى .. وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولوا الأمر منهم لعلمه الذين يستبطونه منهم..ثم القياس الذي جاء به الإمام أبا حنيفة النعمان رضي الله عنه .
هذه هي المصادر التي يؤخذ بها ومنها التشريع..هذا وكنا قد أشرنا إلى الشروط التي يجب أن تتوافر في أهل الفتوى الذين لهم حق الإفتاء وهذه تذكرة سريعة بها..أولا أن يكن عالما عملا بعمله فقيها في الأحكام الشرعية يعلم علوم القرآن والتي منها علم الآيات المحكمة والآيات المتشابهة وإن يعلم الناسخ والمنسوخ من آيات القرآن وأن يكن عالما بأسباب نزول الآيات القرآنية وأن يكن عالما فقيها في السنة النبوية المطهرة بأقسامها الثلاثة وهي السنة القول وهو ما قاله الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم وعلى آله. والسنة الفعلية وهي ما فعله صلى الله عليه وسلم والسنة التقريرية وهي ما لم يقل به ولم يفعله النبي صلى الله عليه وسلم وعلى آله وقال به أو فعله أحد الصحابة وأقره رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم ينكره عليه ..وإن يكن عارفا بمناسبات الأحاديث وأسبابها وهو ما يقابل معرفة أسباب التنزيل لآيات القرآن..وذلك حتى يضع كل حكم في نصابه ومحله الصحيح..هذا بالإضافة إلى علمه ومعرفته بأقوال من سبقه من أهل العلم والفتوى مع معرفته لأعراف الأقوام في البلدان وحال البلاد والعباد وذلك لأنه هناك فقه يسمى بفقه الضرورة وأخذها في الإعتبار شريطة أن لا تخالف ولا تتعارض مع أصول الدين .
هذا كله من ناحية ومن ناحية أخرى هناك صفات للمفتي يجب أن تتوافر فيه وهي أن يشهد له بالعلم والصلاح والتقوى وجرأته في الحق وعدم خشيته في الله تعالى لومة لائم وأن يكن من أهل النور والحكمة والبصيرة وأن يراه الناس أهلا للفتوى وأن يرى نفسه أهلا لها .هذا وأما عن الحديث بإستفتاء القلب الذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله..إستفتي قلبك وإن أفتوك..هذا الحديث لا يؤخذ على إطلاقه كما يقول البعض الآن بل هو قاصر على أصحاب القلوب السليمة النقية الطاهرة المستنيرة بنور البصيرة وهم فرادى وقلة قليلة وهم أولياء الله وخاصة عباده الصالحين..هذا ولابد لمن أراد أن يسأل عن أمر الدين وأحكامه أن يرجع إلى أهل العلم والفقه المتخصصين لقوله تعالى..فأسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون..