الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

علي ناصر اليافعي يكتب: متى سيأفل نجم كورونا؟

صدى البلد

لقد أصبح  الفيروس  التاجي (كورونا) Coronavirus المستجد كوفيد 19 COVID جائحة Pandemic  وهذا المصطلح يستخدم عندما ينتشر الوباء عالميا ويصبح عابرا للقارات, فهذا الوباء ليس الأول عبر التاريخ البشري ولكنه قد يعتبر أخطر الأوبئة التي تفشت في القرن الواحد والعشرين وأشدها فتكا وأسرعها انتشارا.

لقد حول الفيروس مدن العالم التي كانت تعج بالحياة إلى مدن اشباح, وجعل أكثر من مليار ونصف المليار إنسان محبوسين في منازلهم وذلك بسبب إجراءات الحجر الصحي التي اتخذتها سلطات معظم دول العالم وذلك لمنع تفشي الفيروس.

إن أكثر الميكروبات رعبا على مدى القرون الماضية هي اليرسنية الطاعونية Yersinia pestis  التي تسبب مرض الطاعون plaque او ما يسمى بالموت الأسود Black death, والذي حصد ملايين الضحايا عبر قرون من التاريخ البشري, يليها الفيروس المسبب للأنفلونزا الاسبانية والذي تفشى بعد الحرب العالمية الأولى وتحديدا ما بين عامي  1918م -1919م حيث أصاب الوباء ثلث سكان العالم وأودى بحياة أكثر من خمسين مليون شخص وقد عرفها الباحثون على أنها أحد سلالات فيروس الأنفلونزا  Influenza A virus A , وهذا الفيروس عاود التفشي في الصين و هونج كونج، ما بين عامي 1957-1958م وسمي الوباء بالأنفلونزا الاسيوية وهي سلالة مختلف قليلا عن تلك التي تسببت في الأنفلونزا الأسبانية, ليظهر مجددا ما بين عامي 1968م-1968م وعرف المرض بأنفلونزا هونج كونج, وكل تلك الاوبئة حصدت ملايين الضحايا.

وقد تفشت عدد من الأوبئة في القرن الواحد والعشرين, وكان اولها احد سلالات فيروس كورونا الذي يسبب متلازمة الالتهاب التنفسي الحاد (السارس SARS) severe acute respiratory syndrome, حيث كانت بؤرة الوباء جنوب الصين ما بين عامي 2002-2003م , وكان عدد الاصابات الى 8 آلاف شخص والوفيات 800 شخص حول العالم, وفي العام 2003م  تفشى وباء انفلونزا الطيور Avian influenza وكان عدد الوفيات 400 شخص, وفي العام 2009م , ظهرت جائحة انفلونزا الخنازير Swine influenza او ما يعرف ب H1N1 في المكسيك وقد تسببت بوفاة اكثر من 18 ألف شخص في العالم, وفيروس الايبولا Ebola virus   الذي تفشى ما بين عامي 2013م-2015م في عدد من الدول الافريقية مثل: الكونغو وغينيا وليبيريا وسيراليون, والذي تسبب في وفاة أكثر من 8 آلاف شخص. 

وفي كل تلك الأوبئة والجوائح انفت الذكر , فقد انتهى معظمها على الأقل إلى يومنا هذا, أما ناتج عن الالتزام بالحجر الصحي أو باستخدام العلاج الفعال أو استخدام اللقاحات, أو أن هناك عوامل طبيعية وبيئية مثل الارتفاع في درجات الحرارة أو الرطوبة في فصل الصيف, بالإضافة إلى الاستجابة السريعة من قبل المنظمات الدولية واعلان حالة طوارئ عالميا قد ساهمت في ايقاف تفشي تلك الأمراض.

وفيما يخص الكوفيد 19 فقد وصل عدد الإصابات حول العالم حتى اللحظة ما يقارب الثلاثة ملايين وعدد الوفيات قد تجاوزت حاجز المائتي الف, وليس من السهل التكهن بموعد انتهاء الفيروس او افول نجمه الذي بات ساطعا في العالم, حيث ازداد سطوعه في تلك الدول الاكثر تطورا وتكنولوجيا, ونحن في الوطن العربي ولله الحمد لازالت الامور تحت السيطرة وبالرغم من ما نشاهده من ارتفاع في عدد الحالات  وهناك عدد من التصورات التي لعل وعسى ان تساهم في افول نجم كورونا , بالإضافة الى بعض المعوقات او التحديات التي ستواجه اي تصور وهي كالتالي:

اولا: العلاج: ايجاد علاج او دواء Drug جديد للفيروس قد يتطلب سنوات من البحث والتجارب السريرية حتى يتم الموافقة عليه, لان اي علاج لابد ان يكون فعال وامن بحيث يكون فعالا ضد الميكروب ويساهم في القضاء عليه وان لا يوثر على صحة الانسان الذي سيعطى له ذلك الدواء, والا لا قيمة ان يكون هناك علاج فعال ضد الفيروس ويتسبب في اعراض جانبية او مضاعفات والتي قد تهدد حياة المريض, وقد لاحظنا انه احيانا يتم الموافقة على علاج ما وعلى المدى البعيد او بعد عدة سنوات تظهر الاثار الجانبية على المرضى, فيتم بعدها سحبه من الاسواق, وبالتزامن مع التجارب للعلاجات الجديدة , فيمكن تجربة علاج او اكثر من تلك التي قد اثبتت فعاليتها ضد ميكروبات اخرى, حيث وانها قد اثبتت عدم تأثيرها على صحة الانسان من حيث المضاعفات والاعراض الجانبية وهي تعتبر طريقة اسرع مقارنة مع تلك التي يتم فيها استخدام علاج جديد.

ثانيا: اللقاح Vaccine: ان اللقاح يعتبر من الوسائل الناجعة في السيطرة والمكافحة للفيروس, وهو لا يعتبر علاج, حيث وانه يعطى للشخص السليم وليس المريض بهدف وقايته ضد ذلك الميكروب, وقد اثبتت نجاحها حيث ان فيروس الجدري   Smallpox virusالذي أعلنت منظمة الصحة العالمية عن استئصاله من على وجه البسيطة في العام 1979م  وكان السبب وراء ذلك هو استخدام اللقاح الفعال ضد ذلك الفيروس, كما اثبت نجاحة في التقليل من الاصابات والوفيات من بعض الامراض البكتيرية مثل: مرض الخناق  diphtheriaوالكزاز tetanus والسعال الديكي whooping cough , وبعض الامراض الفيروسية مثل مرض شلل الاطفال  poliomyelitisو التهاب  الكبد Hepatitis من النوع   B و A  وغيرها, وبالنسبة لسلالة  كوفيدا 19 فلازالت الابحاث مستمرة حول انتاج لقاح امن وفعال ضد الفيروس لاعتماده كإحدى وسائل الوقاية ضد الفيروس, وهناك ايضا بعض التحدياتٍ التي تواجه عملية انتاج اللقاح ومنها: احتمالية حدوث طفرات للفيروس وتحوره الى سلالات اخرى, او قد ربما يتسبب اللقاح في ظهور اعراض جانبية على الشخص الذي سيعطى له اللقاح, بالإضافة الى ان التجارب السريرية والموافقة عليه كلقاح عملي في السوق قد يحتاج وقت.

ثالثا: استخدام المصل Serumوهو الجزء السائل من الدم الخالي من الخلايا والذي قد يحوي اجسام مضادة ضد الفيروس ويتم اخذه من شخص اصيب بالفيروس وتعافى منه, بمعنى ان يتم نقل المصل الذي اخذ من الشخص المتبرع donor وهو الشخص الذي اصيب وشفي من فيروس كورونا واعطائه للشخص المصاب بالفيروس (المستقبل) recipient , ولكن هناك بعض العوائق واهما ضمان التأكد من خلو دم ذلك الشخص المتبرع من الامراض الميكروبية الاخرى والتي يمكن ان تنتقل عن طريق الدم واهما الايدز وبعض فيروسات الكبد وغيرها, فليس من المقبول ان نحاول معالجة المريض من مرض الكورونا وننقل له فيروسات قد تكون اكثر خطورة وربما يلازمه البعض منها مدى ما تبقى من حياته, والمصل هو عبارة عن علاج موقت بمعنى ان الاجسام المضادة لا تتضاعف لان يتم نقل اجسام مضادة وليس الخلايا التي تعمل على انتاجها, لذلك يمكن ان تستنفذ بسرعة وخصوصا مع وجود عدد كبير من الفيروسات في جسم المصاب, كما ان الشخص المريض الذي سيتبرع بالدم يمر بفترة نقاهة  convalescence والبعض منهم قد ربما يحتاجوا هم انفسهم الى التبرع بالدم جراء الاعياء الناجم عن المرض, بالإضافة الى ان الكثير قد لا يقبلوا بان يتبرعوا وخصوصا وانه يتم اخذ  كمية كبيرة من دم الشخص المتبرع (رطل) للحصول على كمية قليلة من الاجسام المضادة, حيث ان الدم يتم تحضيره بطريقة فصل الجزء السائل عن الخلايا, وايضا قد ربما تعطى لمريض واحد  وتزداد الصعوبة  بوجود عدد كبير من الاصابات الجديدة  في اليوم الواحد حول العالم مقابل ما نسمع عن شفاء مريض او اكثر خلال عدة اسابيع اذا لم تصل الى شهور, حيث ان مرحلة الشفاء لا تتم بالسرعة ذاتها التي ينتشر بها الفيروس على المستوى العالمي, بالإضافة الى ان الشخص المستقبل للمصل قد يحدث عنده استحثاث للجهاز المناعي, باعتبار المصل جسم غريب وهو ما سينتج عنه أجسام مضادة ضد مصل المتبرع او ما يسمى بداءُ المَصْل Serum sickness.

رابعا: لاحظنا في بعض الفيروسات مثل فيروس السارس ان هناك عوامل مثل ارتفاع درجة الحرارة او الرطوبة ساعدت الى حد كبير في توقف التفشي للفيروس, ونتمنى ان تساعد هذه العوامل ايضا في ايقاف تفشي كوفيد19 وخصوصا وانهما ينتميان الى نفس الجنس من الفيروسات, او ربما يحدث ان يتحول الفيروس الى فيروس موسمي, وخصوصا اذا تعرض الاشخاص الى جرعات خفيفة من الفيروس بحيث تكون قادرة على استحثاث الجهاز المناعي لإنتاج اجسام مضادة ضد الفيروس والتي قد تمكنهم من مقاومة الفيروس ولكن دون احداث مضاعفات خطيرة للمرض, حيث يمكن ان يتولد لدى الناس مناعة جماعية او ما تسمى مناعة القطيع Herd immunity.

خامسا: الاستمرار في الحجر الصحي والبقاء في المنازل وعدم الخروج الا للضرورة القصوى والالتزام بتدابير الوقاية الأساسية من الفيروس, كإجراءات ارتداء الكمامات والقفازات وترك مسافات بين الاشخاص بمترين على الاقل اثناء  الحصول على المتطلبات الضرورية من خارج المنزل, وهكذا اجراء قد يأخذ وقت, ولان الفيروس يمكن ان ينتقل من شخص دون ان تظهر عليه اي اعراض, لذلك نحتاج إلى البحث الدؤوب عن الإصابات وذلك من خلال الترصد الوبائي الفعال, فهي الطريقة المثلى للكشف عن الحالات المصابة, بحيث يتم عمل فحوصات لعدد كبير من الناس حتى اولئك الغير متوقع اصابتهم بالفيروس او اولئك الذين لا تظهر عليهم اعراض المرض, ليتم معالجتهم, بمعنى ان يتم  اجراء الاختبارات على الاشخاص كافة ودون استثناء وليس الحالات التي تصل الى المستشفيات او اولئك الذين خالطوا الشخص المصاب فقط.  وهذا الاجراء ليس بالأمر السهل وذلك لعدم وجود الامكانات لفحص كل الناس في كثير من الدول وخصوصا تلك ذات الكثافة السكانية العالية, بالإضافة الى انه قد يتطلب رصد ميزانيَّة كبيرة لتحقيقه, ولكن بالإمكان تطبيقه في المجتمعات ذات الكثافة السكانية الاقل.. ونسال الله تعالى ان تساهم  واحدة او اكثر من هذه التصورات في ايقاف فيروس كورونا.