الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

حكم تقسيط الزكاة وإخراجها بعد الحول.. دار الإفتاء توضح

حكم تقسيط الزكاة
حكم تقسيط الزكاة واخراجها بعد الحول.. دار الإفتاء توضح

قالت دار الإفتاء المصرية إنه يجوز تقسيط الزكاة على من يستحقها إن كان دفعها مقدمًا قبل موعدها، وأما تقسيطها بعد مرور العام الهجري وحلول أجلها؛ فلا يجوز إلا لعذر أو ضرورة.

وأضافت « الإفتاء» في إجابتها عن سؤال: « ما حكم تقسيط الزكاة واخراجها بعد الحول؟» أنه لا مانع من ذلك، أما تقسيطها بعد وقتها لا يكون إلا لعذر كأن يكون المال غائبًا فيمهل إلى مُضي زمن يمكن فيه إحضاره، أو أن ينتظر بإخراجها قريبًا أو صالحًا أو جارًا يستحقها، أو أن يكون عليه مضرة في تعجيل الإخراج؛ كأن يخشى ضررًا في نفسه أو مالٍ له سواها.


وأوضحت دار الإفتاء: يقول  شهاب الدين الرملي في "نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج" : [(تَجِبُ) (الزَّكَاةُ) أَيْ أَدَاؤُهَا (عَلَى الْفَوْرِ)؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ لَزِمَهُ وَقَدَرَ عَلَى أَدَائِهِ... وَلَهُ تَأْخِيرُهَا لِانْتِظَارِ أَحْوَجَ أَوْ أَصْلَحَ أَوْ قَرِيبٍ أَوْ جَارٍ؛ لِأَنَّهُ تَأْخِيرٌ لِغَرَضٍ ظَاهِرٍ] ـ.

ولفتت أن ابن قدامة المقدسي ذكر في "الشرح الكبير على متن المقنع": [قال أحمد: لا يجزئ على أقاربه من الزكاة في كل شهر، يعني: لا يؤخر إخراجها حتى يدفعها إليهم مفرقة في كل شهر شيئًا، فأما إن عجَّلها فدفعها إليهم وإلى غيرهم مفرقة أو مجموعة جاز؛ لأنه لم يؤخرها عن وقتها].

حكم تعجيل الزكاة بسبب فيروس كورونا: 

أكد الدكتور شوقي علام، مفتي الجمهورية، أنه يشرع تعجيل الزكاة في هذه الآونة التي تمر بها مصر وبلاد العالم جراء الوباء المستجد؛ وقوفًا مع الفقراء، وسدًّا لفاقة المحتاجين، وعملًا بالمصلحة التي تستوجب التعجيل كما ورد في السنة النبوية المطهرة.

وبين " علام " عبر الموقع الرسمي لدار الإفتاء أن هذا  مذهب جماهير الفقهاء وعليه العمل والفتوى؛ إظهارًا للمروءات في أوقات الأزمات، وثواب الزكاة المعجلة في هذه الحالة أعظم؛ لما فيها من مزيد تفريج الكروب وإغاثة الملهوفين وسد حاجة المعوزين.


ونبه مفتى الجمهورية أن الشريعة الإسلامية جعلت كفاية الفقراء والمساكين والمحتاجين وكفالتهم هي أهم مقاصد الزكاة وآكدها؛ إذ جاءوا في صدارة مصارفها الثمانية للتأكيد على أولويتهم في استحقاقها؛ قال تعالى: ﴿إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾ [سورة التوبة: الآية 60].


واستشهد بقول النبي - صلى الله عليه وآله وسلم-  لمعاذ بن جبل - رضي الله عنه- حين بعثه إلى اليمن: «فَإن هم أَطاعُوا لَكَ بذلكَ فأَخبِرهم أَنَّ اللهَ قد فَرَضَ عليهم صَدَقةً تُؤخَذُ مِن أَغنِيائِهم فتُرَدُّ على فُقَرائِهم»، متفق عليه.

وأفاد أن الأصل في الزكاة ابتناؤها على مصلحة الفقراء وسدادُها لفاقة المحتاجين؛ حتى يتحقَّقَ المقصدُ التكافلي، ويحصلَ الاكتفاء الذاتي، وتظهرَ العدالة المجتمعية، وتَقِلَّ الفوارق الطبقية، وتُحَلَّ المشكلاتُ الاقتصادية، وتزدادَ وفرة وسائل الإنتاج وتَضعُفَ نسبة البطالة؛ فترتقِيَ بذلك أحوال الأمم والشعوب، وتتوطد أسباب الحضارة.

وأضاف أن ما يمر به العالم من كساد اقتصادي تبعًا للإجراءات الوقائية التي تتبعها الدول للحد من عدوى فيروس كورونا الوبائي ومنها مصر، أدى إلى ركود في معايش الناس وأرزاقهم، وزاد حالة الفقر ووسع هُوّة الفاقة وأكثر مظاهر الحاجة؛ فاشتدت حاجة الفقراء والمساكين إلى أموال الزكاة لمواساتهم ونجدتهم، وهذا أدعى لاستنفار الأغنياء والواجدين، إلى مد يد العون للفقراء والمحتاجين.


وتابع أن للشريعة الغراء قدَمُ السبق في إدارة الأزمات، وحل المشكلات، وسد الحاجات؛ فقد جعلت الزكاة في مال الغني مستحقة لمصارفها بمجرد حلول وقت أدائها؛ حتى لا يؤدي تأخيرها في يد المزكي إلى الإضرار بالفقير، لكنها في الوقت نفسه أجازت تعجيلها إذا اقتضت المصلحة ذلك؛ كما هو الحال في أزمنة المجاعات والأوبئة والحروب.


وواصل أن الشريعة أكدت في هذه الأحوال على زيادة ثواب النفقة وعظم أجر الصدقة ومضاعفة ثواب الزكاة؛ فإنه كلما عظمت الفاقة واشتدت الحاجة وقوي الكرب: كان العطاء أجدى لدفع البلاء وكانت النفقة أجلبَ لرضوان الرب؛ فأحب النفقة إلى الله تعالى ما كانت أسد لحاجة المحتاجين، وأثوب الزكاة ما كانت سببًا في تفريج كرب المكروبين، وإنما يعظم أجر الصدقة على قدر شدة الكرب والاحتياج للنفقة.

وأكمل أن الله جعل أحوال الأزمات وأوقات الكروب والفاقات: سببا في تجاوز العقبات ورفعة الدرجات؛ فقال سبحانه وتعالى: ﴿فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ ۞ وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ ۞ فَكُّ رَقَبَةٍ ۞ أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ ۞ يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ ۞ أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ ۞ ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ ۞ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ﴾، [سورة البلد: الآيات 11-18].

واسترسل أن النبيُّ - صلى الله عليه وآله وسلم- ذلك أحبَّ الأعمال إلى الله تعالى وجعل أصحابَه أحب الناس إليه سبحانه؛ فروى البخاري ومسلم في "صحيحيهما" من حديث ابن عمر رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «الْمُسلمُ أَخو الْمُسلِم، لا يَظلِمُه، ولا يُسْلِمُهُ، ومَنْ كَانَ فِي حاجةِ أَخِيهِ؛ كانَ اللهُ فِي حاجتِهِ، ومَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسلمٍ كُرْبةً؛ فَرَّجَ اللهُ عَنْهُ بها كُرْبةً مِنْ كُرَبِ يوم القيامةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلمًا؛ سَتَرَهُ اللهُ يَومَ الْقِيامَةِ».


وأردف: وعنه - رضي الله عنه'  أيضًا أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم-  قال: «أَحَبُّ النَّاسِ إلى اللهِ أَنْفَعُهُمْ لِلنَّاسِ، وَأَحَبُّ الأَعْمَالِ إِلَى اللهِ سُرُورٌ تُدْخِلُهُ عَلَى مُسْلِمٍ، أَوْ تَكَشِفُ عَنْهُ كُرْبَةً، أَوْ تَقْضِي عَنْهُ دَيْنًا، أَوْ تَطْرُدُ عَنْهُ جُوعًا، وَلأَنْ أَمْشِيَ مَعَ أَخٍ لي فِي حَاجَةٍ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَعْتَكِفَ فِي هَذَا الْمَسْجِدِ -يَعْنِي مَسْجِدَ الْمَدِينَةِ- شَهْرًا، وَمَنَ كَفَّ غَضَبَهُ سَتَرَ اللهُ عَوْرَتَهُ، وَمَنْ كَظَمَ غَيْظَهُ -وَلَوْ شَاءَ أَنْ يُمْضِيَهُ أَمْضَاهُ- مَلأَ اللهُ قَلْبَهُ أَمْنًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ مَشَى مَعَ أَخِيهِ فِي حَاجَةٍ حَتَّى أَثْبَتَها لَهُ أَثْبَتَ اللهُ قَدَمَهُ عَلَى الصِّرَاطِ يَوْمَ تَزِلُّ فِيهِ الْأَقْدَامُ» أخرجه الطبراني في معاجمه: "الكبير" و"الأوسط" و"الصغير".


ونوه أن الذي عليه الفتوى جواز تعجيل الزكاة في أزمنة الأزمات؛ كالقحط، والأوبئة، ونحوها، وذلك مأخوذ من فعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وبه أخذ جمهور الفقهاء: فعن علي بن أبي طالب-  كرم الله وجهه- : "أنَّ العبَّاس - رضي الله عنه-  سأل رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم،  في تعجيل صدقته قبل أن تحلَّ، فرخَّص له في ذلك" رواه الإمام أحمد في "المسند"، وأبو داود والترمذي وابن ماجه في "السنن"، وابن خزيمة في "صحيحه"، والحاكم في "المستدرك" وصححه.

واسترسل أنه في رواية عن علي - رضي الله عنه- : بعث رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم-  عمرَ - رضي الله عنه - على الصدقة، فأتى العباسَ - رضي الله عنه-  يسأله صدقة ماله، فقال: قد عجَّــلْتُ لرسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم-  صدقةَ سنتين، فرفعه عمر - رضي الله عنه-  إلى رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم- فقال: «صَدَقَ عَمِّي؛ قَدْ تَعَجَّلْنَا مِنْهُ صَدَقَةَ سَنَتَيْنِ»، أخرجها أبو عبيد في كتاب "الأموال".

وأشار أن جماهير الفقهاء أخذوا بهذا الحديث؛ فأجازوا للمزكِّي تعجيل إخراج زكاة ماله قبل أوان محلها؛ رعاية لمصلحة مصارفها، ومنهم من نص على مشروعية تعجيلها في أوقات الأزمات، وفرقوا بينها وبين بقية العبادات التي مبناها على التوقيف: بأن مبنى الزكاة على الإرفاق، ورعاية مصلحة المحتاجين.

وذكر قول الإمام الخطابي الشافعي في "معالم السنن" (2/ 54، ط. المطبعة العلمية): [وفي ذلك دليلٌ على جواز تعجيل الصدقة قبل محلها.. لأن الأجل إذا دخل في الشيء رفقًا بالإنسان فإن له أن يسوس من حقه ويترك الارتفاق به؛ كمن عجل حقًا مؤجلًا لآدمي؛ وكمن أدى زكاة مال غائب عنه وإن كان على غير يقين من وجوبها عليه؛ لأن من الجائز أن يكون ذلك المال تالفًا في ذلك الوقت] .

وأفاد أن الحنفيَّة أجازوا  للمزكِّي الذي يملك نصابًا أن يعجِّل زكاة نُصُبٍ كثيرةٍ؛ لأنَّ اللاحق تابع للحاصل، حتى قالوا: لو كان له ثلاثمائة درهم، فدفع منها مائة عن المائتين زكاةً لعشرين سنة مستقبلة جاز.

وأبان  كثيرٌ من متقدِّمي ذهبوا الشافعية إلى أنَّه يصح التعجيل لعامين فأكثر؛ حتى لو عجل أكثر من عشرة أعوام، إذا كان الباقي من المال بعد المُعجَّل نِصابًا فأكثر، ونصوا على أنه الأظهر، وصححه حجة الإسلام الغزالي، وفي وجه الجواز ولو لم يبق نصاب.

وألمح أن  الإمام الماوردي الشافعي قال في "الحاوي" (3/ 160، ط. دار الكتب العلمية): [فإن قيل: فتعجيل زكاة عامين عندكم لا يجوز. قلنا: فيه لأصحابنا وجهان؛ أحدهما: وهو الأظهر جواز تعجيلها أعوامًا إذا بقي بعد المعجَّل نصابٌ.. والثاني: لا يجوز تعجيل أكثر من عامٍ واحدٍ] .

وتابع أن الإمام النووي الشافعي في "المجموع شرح المهذب" (6/ 146، ط. دار الفكر): [ولو عجَّل صدقة عامين بعد انعقاد الحَوْل أو أكثر من عامين فوجهان: ذكرهما المصنِّف بدليلهما، وهما مشهوران؛ أحدهما: يجوز للحديث، والثاني: لا يجوز.. فصحَّحت طائفةٌ الجواز، وهو قول أبي إسحاق المروزي، وممن صححه: البندنيجي، والغزالي في "الوسيط"، والجرجاني، والشاشي، والعبدري.. فإذا قلنا بالجواز فاتفق أصحابنا على أنه لا فرق بين عامين وأكثر؛ حتى لو عجَّل عشرة أعوام أو أكثر جاز على هذا الوجه، بشرط أن يبقى بعد المعجَّل نصابٌ.. وحكى البغوي والسرخسي وجهًا شاذًّا: أنه يجوز؛ لأن المعجَّل كالباقي على ملكه].

وواصل أن ذهب الحنابلة رأوا إلى جواز تعجيل الزكاة إذا كمل النصاب لدى المزكي؛ قال العلامة المرداوي في "الإنصاف" (7/ 179، ط. دار هجر): [ويجوز تعجيل الزكاة عن الحول إذا كمل النصاب، هذا المذهب وعليه الأصحاب، وقطعوا به.. نقل الجماعة عن أحمد لا بأس به] .

واستكمل أن منهم من نص على جواز التعجيل للمصلحة وفي القحط والشدة، وقواه العلامة المرداوي؛ فقال في "تصحيح الفروع" (4/ 277، ط. مؤسسة الرسالة): [إذا حصل فائدة، أو قحط وحاجة شديدة: فإنه يجوز وإلا فلا، وهو أقوى] ـ.