الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

مصطفى الشيمى يكتب: سياسة الأتراك وإثيوبيا بين الزيت والماء

صدى البلد

تركيا بلد التناقض والعجب، فوسط إبداع الأذان وحشمة المنظر تجد نفسك ضيفًا على كأس مرخصًا فى أبهى الحانات الليلية .. فهى دولة تتمنى التخلص من المخاض الأوروبى والإتساق بالمظهر الإسلامى .. ولكن واقعيًا تركيا لم تخدم الدين يومًا ولكن تنفذ مخططًا للبقاء على الساحة الدولية أكبر وقت ممكن .. فاليوم هنا تركي مؤيد وبعد أيام تركى معارض وبعد لحظات تركى ضد الانقلاب لتعيش أقوى صور التعارض جنبًا إلى جنب فى زجاجة واحدة بين الزيت والماء فمهما رُجت لن يختلطا أبدًا ... السياسة التركية في السنوات الأخيرة لم تعد تلقى رواجًا في العالم العربي، بل أثارت الكثير من الاستياء والاستهجان، فالمتابع يلمس حالة الارتباك التي تلف النهج السياسي التركي ، فضلًا عن التحول في المواقف والأسلوب النفعي الانتهازي مما جرى ويجري. لسنا ضد أن تبحث أنقرة عما يحقق لها مصالحها، فهو أمر مشروع لها ولغيرها. ولكن يفترض ألا يكون على حساب استقرار المنطقة أو بإثارة الفتن في دول الجوار  ، ولا ننسى هنا دور سياسة تصفير المشكلات المنسوبة لأحمد داوود أوغلو  التي ساهمت في ردم البؤرة بين العرب والأتراك آنذاك . حيث رحب العرب بالانفتاح التركي وقتها وتفاءلوا وتصوروا أنهم وجدوا نصيرًا لهم ولقضاياهم خصوصًا في مواجهة التمدد الإيراني أو حتى للدفاع عن القضايا العربية المشروعة قبل أن يتبين لهم لاحقًا أنه ما هو إلا مشروع تركي توسعي إقليمي يسعى لفرض هيمنته، وأن الخطابات ما هي سوى إلا رسائل دعائية وإعلامية استهلاكية للعوام والدهماء في الشارع العربي لكسب التعاطف وإبراز الجانب الديني المفقود منذ انهيار الخلافة . فنجد الآن محاولة تحويل كنيسة آيا صوفيا إلى مسجد ما هي الا ستارًا لكسب أصوات الناخبين المحافظين وسط أزمة اقتصادية ناجمة عن وباء كوفيد-19 .

والآن تعد تركيا ضمن قائمة الداعمين لسد النهضة كما أكد ذلك في السابق جمادا سوتي المتحدث بإسم جبهة تحرير الأورومو الإثيوبية، الذي أكد أن تركيا تمول سد النهضة من خلال مشروع استثماري وزراعي ضخم لزراعة مليون ومائتي ألف فدان في منطقة السد ، وهو ما أسهم في زيادة وتيرة إنشاء السد، بالإضافة إلى مشاريع أخرى كتطوير السكك الحديدية  ، وأن تركيا قد عرضت تمويل السد ب 5 مليارات دولار، بالإضافة إلى الاتفاق على صفقات عسكرية تشمل مضادات للصواريخ لحماية السد .

مصر تمر الآن بأصعب أزمة تعرضت لها منذ حرب 1967 لأن ملء سد النهضة بالمياه بدون مراعاة حقوق مصر المائية سيؤدي إلى فقدان مصر لجزء كبير من أراضيها المزروعة و بالإضافة إلى الضرر البالغ بالكهرباء التي ينتجها السد العالي وكما هو واضح أن إثيوبيا تتهرب من المفاوضات ومن المحتمل أن كل ما يجرى الآن من اتصالات مع أديس أبابا لا يخرج عن كونه مجرد تضييع للوقت . ولكن تعامل مصر مع أزمة سد النهضة كتعامل الأخ الأكبر المحسوب علية كل تصرفاته تجاه أشقائه الصغار الذى يحاول عدم المساس بحقوقهم مهما بلغ الخلاف ، وأن الصمود والصبر الذي تعيشه الدولة ليس تذبذب ولا ضعف ولكن هي محاولة لتجنب العنف الذى لم يجلب النفع على كل الأطراف سواء مصر وأثيوبيا وكذلك السودان التى قد تتعرض للغرق في حال هدم السد.

مصر تعلم  حقيقة الموقف الإثيوبى طوال السنوات الأخيرة منذ 2011 ، وهى محاولة كسب الوقت وتنفيذ مخططها كما رسمته دون أدنى تغيير ، فنجد تصريحات التفاؤل و الاعتصام بالصبر والتحرك الحذر لعدم قطع الحبال مع إثيوبيا أو لكسب دول حوض النيل  ، حيث يؤكد الخبراء أن كل ما ستجنيه أثيوبيا من سد النهضة كان الحصول عليه ممكنًا بدون الاعتداء على حقوق مصر التي يعتبر النيل بالنسبة إليها شريان الحياة الوحيد لأنها تعتمد عليه تمامًا في الزراعة بينما تعتمد أثيوبيا على مياه الأمطار،  أضف إلى ذلك وجود أنهار عديدة أخرى في إثيوبيا ووسائل أخرى لتوليد الكهرباء بكميات أكبر بكثير من التي سيوفرها سد النهضة. كل هذه الحقائق تؤكد أن سد النهضة مشروع سياسي في المقام الأول والهدف منه وضع مصر تحت السيطرة الكاملة للقوى الكبرى التي تقف خلف بناء السد ،  وأنه مشروع سياسي من أجل اخضاع مصر والتحكم في موارها المائية في معركة تهدد وجودها ، مصر تقف وحدها تمامًا في هذه الأزمة لأن الحكومة السودانية قد اتخذت موقفًا غامضًا متأرجحًا لا يُعول عليه ، فى ظل الاغراءات التى سوف تمنحها إثيوبيا لها ، فالسد سوف يحجز جزءًا كبيرًا من كميات الطمي الضخمة التي يحملها النيل الأزرق كل عام إليها والتي تفوق كميتها خمسين مليون طن. وتسببت هذه الكميات الضخمة عبر السنين في فقدان خزاني سنار والروصيرص لأكثر من نصف الطاقة التخزينية للمياه وعجز فى توليد الكهرباء وعليه فسوف يحجز السدّ الطمي ويترك ما يفيد السودان في الوصول  إلى مشاريعها  ومزارعها ، بالإضافة إلى  عدم قدرة قنوات الري المنهكة في حمل ما تبقى من ذلك الطمي . كما وعدت اثيوبيا السودان ببيع كهرباء سد النهضة بسعر التكلفة.

قد تكون الدبلوماسية المصرية أهملت لون بشرتها السمراء لأعوام و لكن علينا مساندة مصر في معركتها ضد إثيوبيا . وأننا سوف نتذكر في المستقبل القريب مع أصدقاء جيلنا ، مِن أين وكيف دُبرت المؤامرات واجتاحت الأوبئة الكوكب وأيضًا كيف نجونا من حروب الماء ومظلات الأبواب الخلفية والخفية .