الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

هل يجوز تحويل آيا صوفيا لمسجد؟.. فِعل الخليفة عمر بن الخطاب يحسم الجدل

آيا صوفيا
آيا صوفيا

تشغل قضية تحويل متحف آيا صوفيا إلى مسجد أذهان العالم بأسره، وتظل آيا صوفيا أداة وسلاحًا دعائيًّا بيد مختلف السياسيين في حملاتهم لاستقطاب الناخبين في تركيا، لا سيما المتدينين منهم، وقد بُنيت آيا صوفيا، ككنيسة خلال العصر البيزنطي عام 537 ميلادية، وظلت لمدة 916 سنة حتى فتح العثمانيون إسطنبول عام 1453، فحولوا المبنى إلى مسجد، وفي عام 1934، تحولت آيا صوفيا إلى متحف بموجب مرسوم صدر في ظل الجمهورية التركية الحديثة.


هل يجوز تحويل الكنائس لمساجد؟
اختلف الفقهاء في جواز تحويل الكنائس إلى مساجد في البلاد التي فُتحت، فقد اختلف أهل العلم في جواز عقد الإمام الذمة لهم مع إبقاء معابدهم التي وجدت قبل الفتح بأيديهم، «فمنهم من قال: يجوز إقرارهم فيها إذا اقتضت المصلحة ذلك، كما أقر النبي صلى الله عليه وسلم أهل خيبر فيها، وكما أقر الخلفاء الراشدون الكفار على المساكن والمعابد التي كانت بأيديهم».


ومن المعروف تاريخيًّا أن القدس حينما فُتحت، امتنع أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن الصلاة في «كنيسة القيامة» لكي لا تتخذ مسجدًا من بعده ويأخذها المسلمون عنوة من أصحابها.


وقال ابن خلدون إن رفض عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- للصلاة فيكنيسة القيامة  خشية أن يتخذها المسلمون من بعده مسجدًا، وذكر ابن خلدون في كتابه «تاريخ ابن خلدون» ( 2 / 225 ): «ودخل عمر بن الخطاب بيت المقدس، وجاء كنيسة القمامة! فجلس في صحنها، وحان وقت الصلاة فقال للبترك: أريد الصلاة، فقال له: صلِّ موضعك، فامتنع وصلَّى على الدرجة التي على باب الكنيسة منفردًا، فلما قضى صلاته قال للبترك: لو صليتُ داخل الكنيسة أخذها المسلمون بعدي وقالوا هنا صلَّى عمر، وكتب لهم أن لا يجمع على الدرجة للصلاة ولا يؤذن عليها».


وأكد الدكتور أحمد كريمة، أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر، خلال لقاء تليفزيوني سابق، أن أمير المؤمنين سيدنا عمر بن الخطاب حافظ على كيان ووجود الكنيسة وليس هدمها، لكنه رفض الصلاة فى الكنيسة لأنه خشي أن يأتي المسلمون من بعده فيقولون «هنا صلى عمر فينتزعونها منكم».


الصلاة في آيا صوفيا
نبه الدكتور سعد الدين الهلالي، أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر، على أن قرار أردوغان بتحويل آيا صوفيا إلى مسجد، هو أمر يسيء للمسلمين وللإسلام، ولابد على كل مسلم أن يتبرأ من هذا الفعل، ولابد أن يعرف الجميع أن هذا هو حكم الإخوان، هذا هو طابع الإسلام السياسي الطامع في امتلاك مكاسب وعرق الآخرين، موجهًا رسالة للمسلمين الشرفاء في تركيا: «أنتم لا ترضون تلك الإساءة والفتنة وأنا أحسبكم بخير تبرأوا من هذا الفعل».


وأضاف، في حواره مع الإعلامي عمرو أديب، ببرنامج "الحكاية"، المُذاع عبر فضائية "mbc مصر": «أن الحكم الذي صدر بخصوص متحف آيا صوفيا، صدر يوم الجمعة، وهو يوم فيه عمل بعكس باقي دول المسلمين، وأطالب كافة المسلمين الأتراك أن يمتنعوا عن الذهاب إلى هذا المكان، حتى لا يتم تشجيع هؤلاء على مثل تلك الأفعال التي تسيء لسمعة الإسلام والمسلمين».


وأوضح الدكتور سعد الهلالي، أن السلطان التركي محمد الفاتح، صلى في آيا صوفيا بعد أسبوع من فتحه لها، وحولها كمال أتاتورك الذي رأى أن في ذلك ظلم للغير، وحولها إلى متحف لما تحمله من تراث معماري، مشيرًا إلى أن الله ابتلى تركيا بجماعة الإخوان الإرهابية، وهي جماعة لا تفكر إلا في مصلحتها، ولا تفكر في مصلحة الشعوب التي تحكمها، ولقد نجونا من بين أيديهم.


 تحويل آيا صوفيا لعبة سياسية
قال الدكتور إبراهيم نجم، مستشار مفتي الجمهورية والأمين العام لدور وهيئات الإفتاء في العالم، إن تحويل "آيا صوفيا" إلى مسجد إجراء يجب النظر به في سياق الهدف السياسي الذي حدده أردوغان، مشيرًا إلى أن قرار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، تحويل معلم آيا صوفيا التاريخي في إسطنبول إلى مسجد «لعبة سياسية خطيرة».


وأوضح «نجم» في تصريح له، أن توقيت وملابسات هذا الحدث تشير إلى أن هذا القرار يحمل فقط طابعًا سياسيًا ويمكن اعتباره محاولة من قبل أردوغان لعرض نفسه بطلًا يزعم أنه يحمي المقدسات الإسلامية ويحيي عظمتها.


وألمح إلى أن الكثيرين يتحدثون الآن حول الجوانب التاريخية والقانونية للخطوة التي اتخذها الرئيس التركي، لكن كل ذلك يمثل جدالًا تاريخيًا غير مجد لأنه يصرف الاهتمام عن "السياق الحقيقي لهذه اللعبة السياسية".


استخدام سلاح الفتاوى
وكانت دار الإفتاء المصرية، نبهت على أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يواصل استخدام سلاح الفتاوي لتثبيت استبداده في الداخل باسم الدين وتبرير أطماعه في الخارج باسم الخلافة المزعومة.


وأضافت دار الإفتاء في منشور عبر صفحتها على فيس بوك، أن ما يتعلق بفتح القسطنطينية فهو فتح إسلامي عظيم بشر به النبي صلى الله عليه وسلم وتم على يد السلطان العثماني الصوفي العظيم محمد الفاتح أما أردوغان فلا صلة له بمحمد الفاتح. 


وكان مؤشر الفتوى العالمي التابع لدار الإفتاء المصرية، رصد حال الخطاب الإفتائي في الداخل التركي، مشيرًا إلى أنه يرسِّخ للديكتاتورية المطلقة لأردوغان ومشروعه العثماني الذي يسعى جاهدًا لتنفيذه ولو على حساب شعبه وأبناء وطنه.




وأشار المؤشر إلى المعاملة الوحشية لكل المعارضين بلا استثناء، وذلك بعد إضافة الحكومة التركية إلى هيئات إنفاذ القانون عنصرًا جديدًا ذا خلفية دينية، وقضى هذا العنصر الجديد بأن تتعامل الجهات الأمنية مع معارضيهم والمشتبه بهم باعتبار أنهم "كفار" أو "أعداء الإسلام"، وقد أعطت حكومة أردوغان لتلك الجهات ذريعة ومبررًا باعتبار أن ما يقومون به من تنكيل لخصومها السياسيين هي أعمال مقبولة ينتظرون عليها الثواب في الآخرة.


كما أورد المؤشر فتوى أخرى لعالم الدين التركي "خير الدين كرمان"، وهو محسوب على نظام أردوغان، تقول تلك الفتوى: "إن الضرر الذي يلحق بجماعة صغيرة جائزٌ في مقابل تحقيق المصالح العامة للأمة"، مشيرًا إلى أن المعسكر الأردوغاني وحزب العدالة والتنمية كثيرًا ما يردِّدون مثل تلك الفتاوى التي تتنافى بشكل واضح مع مبادئ الشريعة الإسلامية وحقوق الإنسان على حدٍّ سواء.


خطاب ديني عنصري
وتابع المؤشر العالمي للفتوى أن الرئيس التركي تمكن من إقصاء كل من رفض مبايعته، كحركة فتح الله جولن، ولا يزال يستخدم خطاب الكراهية بشكل متعمد ضد خصومه السياسيين؛ بل ويصفهم أحيانًا بأنهم "كفار".


ولفت المؤشر إلى أن أردوغان أعلن في البداية تخليه عن حزبه القديم وهو حزب "الرفاه" بقيادة نجم الدين أربكان، الذي كان يمثِّل الإسلام السياسي هناك، وتعهَّد (آنذاك) بأنه لن يتبنى مشروعًا إسلاميًّا خلال حياته السياسية، غير أنه بعد تمكنه من السلطة، بدأت تظهر لديه نزعته التاريخية وهي "الاستئثار بالسلطة"، وبدأ يقترب من التنظيمات الإسلامية العنيفة ويبتعد عن الديمقراطيين والجماعات الإسلامية المعتدلة.


اللعب بورقة المساجد
ولفت المؤشر إلى ورقة المساجد التي يستخدمها أردوغان جيدًا في الداخل التركي، بهدف المكاسب السياسية وإنقاذ شعبيته المترنحة نتيجة وباء كورونا والانهيار الاقتصادي لبلاده؛ حيث كشف المؤشر أن مسئولي الشئون الدينية نشروا مؤخرًا رسائل جديدة تدعو الأتراك لانتظار قرار تحويل متحف "آيا صوفيا" إلى مسجد.


واعتبر مؤشر الفتوى أن تجديد الحديث الآن عن موضوع تحويل الكنيسة القديمة "آيا صوفيا" إلى مسجد، وما رافقه من نشر مقطع فيديو لأردوغان وهو يتلو القرآن في رمضان الماضي، هي موضوعات استهلاكية لكسب الطبقات المتدينة.


وأكد المؤشر أن قضية تحويل آيا صوفيا إلى مسجد طُرحت منذ عقود، بيد أنها ظلت أداة وسلاحًا دعائيًّا بيد مختلف السياسيين في حملاتهم لاستقطاب الناخبين، لا سيما المتدينين منهم، وقد بُنيت آيا صوفيا، ككنيسة خلال العصر البيزنطي عام 537 ميلادية، وظلت لمدة 916 سنة حتى فتح العثمانيون إسطنبول عام 1453، فحولوا المبنى إلى مسجد. وفي عام 1934، تحولت آيا صوفيا إلى متحف بموجب مرسوم صدر في ظل الجمهورية التركية الحديثة، ومع توظيف النظام التركي لشعارات تسييس الدين، عاد موضوع تحويل آيا صوفيا إلى مسجد ليصبح سلاحًا انتخابيًّا بيد أردوغان وجنوده يرفعونه كلما احتاجوا إلى أصوات العامة من الناس.