تشغل قضية تحويل متحف آيا صوفيا إلى مسجد أذهان العالم بأسره، وتظل آيا صوفيا أداة وسلاحًا دعائيًّا بيد مختلف السياسيين في حملاتهم لاستقطاب الناخبين في تركيا، لا سيما المتدينين منهم، وقد بُنيت آيا صوفيا، ككنيسة خلال العصر البيزنطي عام 537 ميلادية، وظلت لمدة 916 سنة حتى فتح العثمانيون إسطنبول عام 1453، فحولوا المبنى إلى مسجد، وفي عام 1934، تحولت آيا صوفيا إلى متحف بموجب مرسوم صدر في ظل الجمهورية التركية الحديثة.
هل يجوز تحويل الكنائس لمساجد؟
اختلف الفقهاء في جواز تحويل الكنائس إلى مساجد في البلاد التي فُتحت، فقد اختلف أهل العلم في جواز عقد الإمام الذمة لهم مع إبقاء معابدهم التي وجدت قبل الفتح بأيديهم، «فمنهم من قال: يجوز إقرارهم فيها إذا اقتضت المصلحة ذلك، كما أقر النبي صلى الله عليه وسلم أهل خيبر فيها، وكما أقر الخلفاء الراشدون الكفار على المساكن والمعابد التي كانت بأيديهم».
ومن المعروف تاريخيًّا أن القدس حينما فُتحت، امتنع أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن الصلاة في «كنيسة القيامة» لكي لا تتخذ مسجدًا من بعده ويأخذها المسلمون عنوة من أصحابها.
وقال ابن خلدون إن رفض عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- للصلاة فيكنيسة القيامة خشية أن يتخذها المسلمون من بعده مسجدًا، وذكر ابن خلدون في كتابه «تاريخ ابن خلدون» ( 2 / 225 ): «ودخل عمر بن الخطاب بيت المقدس، وجاء كنيسة القمامة! فجلس في صحنها، وحان وقت الصلاة فقال للبترك: أريد الصلاة، فقال له: صلِّ موضعك، فامتنع وصلَّى على الدرجة التي على باب الكنيسة منفردًا، فلما قضى صلاته قال للبترك: لو صليتُ داخل الكنيسة أخذها المسلمون بعدي وقالوا هنا صلَّى عمر، وكتب لهم أن لا يجمع على الدرجة للصلاة ولا يؤذن عليها».
وأكد الدكتور أحمد كريمة، أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر، خلال لقاء تليفزيوني سابق، أن أمير المؤمنين سيدنا عمر بن الخطاب حافظ على كيان ووجود الكنيسة وليس هدمها، لكنه رفض الصلاة فى الكنيسة لأنه خشي أن يأتي المسلمون من بعده فيقولون «هنا صلى عمر فينتزعونها منكم».
الصلاة في آيا صوفيا
نبه الدكتور سعد الدين الهلالي، أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر، على أن قرار أردوغان بتحويل آيا صوفيا إلى مسجد، هو أمر يسيء للمسلمين وللإسلام، ولابد على كل مسلم أن يتبرأ من هذا الفعل، ولابد أن يعرف الجميع أن هذا هو حكم الإخوان، هذا هو طابع الإسلام السياسي الطامع في امتلاك مكاسب وعرق الآخرين، موجهًا رسالة للمسلمين الشرفاء في تركيا: «أنتم لا ترضون تلك الإساءة والفتنة وأنا أحسبكم بخير تبرأوا من هذا الفعل».
وأضاف، في حواره مع الإعلامي عمرو أديب، ببرنامج "الحكاية"، المُذاع عبر فضائية "mbc مصر": «أن الحكم الذي صدر بخصوص متحف آيا صوفيا، صدر يوم الجمعة، وهو يوم فيه عمل بعكس باقي دول المسلمين، وأطالب كافة المسلمين الأتراك أن يمتنعوا عن الذهاب إلى هذا المكان، حتى لا يتم تشجيع هؤلاء على مثل تلك الأفعال التي تسيء لسمعة الإسلام والمسلمين».
وأوضح الدكتور سعد الهلالي، أن السلطان التركي محمد الفاتح، صلى في آيا صوفيا بعد أسبوع من فتحه لها، وحولها كمال أتاتورك الذي رأى أن في ذلك ظلم للغير، وحولها إلى متحف لما تحمله من تراث معماري، مشيرًا إلى أن الله ابتلى تركيا بجماعة الإخوان الإرهابية، وهي جماعة لا تفكر إلا في مصلحتها، ولا تفكر في مصلحة الشعوب التي تحكمها، ولقد نجونا من بين أيديهم.
تحويل آيا صوفيا لعبة سياسية