من لحظة توقيع اتفاقية ترسيم الحدود البحريةبين مصر واليونان، أصيب الرئيس التركي بحالة من الجنان والهيجان والخبل لأنه بناءً علي أثر توقيع هذه الاتفاقيةسوف يتم حصار تركيا في مساحة صغيرة جدا من مياه شرق المتوسط لا يحتوي إلا علي كميات قليلة من الأسماك والمياه فقط، ولا توجد به أي ثروات طبيعية مثل الغاز والنفط.
وقد بدأت القنوات التابعةلتركيا والإخوان مثل الجزيرةوالشرق ومكملين بتوجيه الاتهاماتإلي مصر بأنها فرطت في حدودها البحريةوتنازلت عن ١١ ميلا بحريا من المياه الاقتصاديهالخالصة مكايدة في تركيا فقط، وهذا بالرغم من أن الإعلام اليوناني يتهم حكومته بأنها تنازلت عن ٧٪ من حقوقها في المياه الاقتصاديةلصالح مصر من أجل توقيع هذه الاتفاقية.
وبما أننا بصدد الكلام عن ترسيم الحدود البحريةفيجب أن نعرف أنه يوجد ٣ أنواع من المياه بناء علي قانون أعالي للبحار الذي تم وضعه عام ١٩٨٢ أولا المياه الإقليميةوهي تقدر ب١٢ ميلا بحريا من الشواطئالمملوكة للدولة وتخضع للسيطرةوالسيادة الكاملة مثلها مثل الأرض والحدود البريةلأي دولة.
ثانيا المياه الاقتصادية وهي تقدر ب٢٠٠ ميل بحري للصيد و٣٥٠ ميلا بحريا للتنقيب عن الغاز والبترول من حدود المياه الإقليميةوهذه تكون خارج سيادة الدولةوبالتالي لا يحق للدولةفرض ضرائب علي السفن التي تمر منها ولكن من حق الدولة أنها تستفيد بالثروات الطبيعيةمثل الغاز والنفط.
وثالثا المياه الدوليةوهي ما بعدحدود المياه الاقتصادية،وبالنسبةلمياه المتوسط فالمسافةبين جنوب المتوسط وشمال المتوسط فهي لا تتعدي مسافة ال٢٠٠ ميل بحري وبناء عليه فإنه لا يحق لأي دولةمطلةعلي المتوسط التنقيب عن أي ثروات إلا بعد ترسيم الحدود البحريةمع الدول الأخري المتشاطئة علي المتوسط وهذا ما فعلته مصر منذ عدة سنوات مع قبرص حينما رسمت حدودها البحرية معها ونتج عنه التنقيب واكتشاف حقل ظهر للغاز الذي يعد أكبر حقل غاز في المتوسط حتي الآن.
وإذا نظرنا إلي الإعلام اليوناني سنجد أنهيتحدث عن تنازل اليونان عن ٧٪ من حقوقها البحريةبسبب الضغوط التركية،وأن اليونان تريد أن تنهي هذه الاتفاقيةقبل أن يتحرك أردوغان عسكريا في البحر، إما بالنسبة لمصر فكانت تتفاوض بهدوء أعصاب لأنها تعتمد علي قوة الجيش المصري وخاصة قواته البحريةالذي لن يسمح بأي اختراق وتعدي علي حقوقه ولكن الجيش اليوناني ليس بنفس القوة العسكرية والاقتصادية.
وبالتالي كانت تريد اليونان إنجاز هذه الاتفاقيةفي أسرع وقت ممكن لتتعمق مشاكل أردوغان وجراحه في شرق المتوسط بسبب قانون البحار والذي ينص علي أن الجزر المأهولةبالسكانلها مياه إقليميةواقتصاديةوتركيا محاصرةبالجزر من كل مكان مثل قبرص والجزر التابعة لليونان وبالتالي تنحصر اليونان في منطقة ضيقةجدا من مياه شرق المتوسط وبما أن كل تلك الاتفاقياتتتم بالتفاهم والتفاوض،كان في إمكان أردوغان أن يتفاوض مع اليونان ومصر ويتم عمل اتفاقيات ترسيم معهم ويكتسب بعض المساحات الأكبر نسبيا من الآن، ولكن غباء أردوغان وعناده بسبب إسقاط حكم الإخوان ومندوبهم في الرئاسة محمد مرسي عام ٢٠١٣، ووضعه شرطا سياسيا في أي تفاهمات مع مصر وهو رجوع الإخوان للحياة السياسية ورفض حكم السيسي، وطبعا هذا شرط يستحيل تقبله أو تنفيذه، وعليه رفض أردوغان التفاوض مع مصر أو قبرص أو اليونان أو إيطاليا بسبب تعاونهم مع مصر ونتيجة لذلك قامت كل تلك الدول بفرض الأمر الواقع بتوقيع اتفاقيات ثنائية لترسيم الحدود البحرية فيما بينها.
ليستمر أردوغان في عناده وغبائهويذهب للتحالف مع حكومة الوفاق المنتهيةولايتها في ليبيا ليمد خطا وهميا ويدعي أنها حدود مشتركة بين تركيا وليبيا في الوقت الذي يسيطر الجيش الليبي بقيادة خليفةحفتر علي تلك الحدود حليف الجيش المصري، ليتورط أردوغانفي معركة خاسرة بكل المقاييس وفي نفس الوقت يقف الاتحاد الأوروبي بالكامل خلف اليونان في صراعها مع تركيا، لتتدخل المستشارة الألمانيةميركل وتطالبه بسحب سفن التنقيب من شرق المتوسط حتي يتم التفاوض لاحقا ليفاجأ بعد انسحابهبتوقيع اتفاقية ترسيم حدود بحريةبينهم.
ويبلع أردوغانالطعم ويخرج من المعركة خالي الوفاض تماما، ومصطلح شرق المتوسط ظهر في ٢٠١٤ أصدرته القيادة الأمريكيةوقالت إنه طبقا للبحث هذه المنطقةعائمةعلي بحر من الغاز الطبيعي والبترول وتوضح خريطة شرق المتوسط فهي تبدأ من ليبيا ومصر وغزةوإسرائيل ولبنان وسورياوتنتهي بقبرص واليونان.
أماتركيا فليس بها أي ثروات طبيعيةوهنا يظهر منطق القوةفي حسم أي خلافات أو نزاعات فبجانب الوضع القانوني في ترسيم الحدود لكن قوة الجيوش العسكريةتلقي بثقلها في تلك الاتفاقيات،وبناء عليه خسر أردوغان معركة شرق المتوسط لأنه رفض التفاهم مع الدولة المصرية القويةوبذلك يكون أردوغان قد ظلم الشعب التركي وحرمه من بعض المكاسب التي كان باستطاعته الحصول عليه لولا إعلاء هويته الإخوانيةعلي هويته التركية.
وأصبح الطريق مفتوحا أمام مصر للتفاهم والتفاوض مع اليونان ومن خلفها أوروبا وفرنسا وألمانيا وتمكنت مصر من إبرام صفقات عسكريةضخمةمع تلك الدول لدعم قواتها البحريةمثل حاملة الطائرات والغواصات الألمانية والرافال الفرنسية.
ورغم أهمية القانون الدولي ولكن الأهم هو أن تمتلك قوةعسكريةلحماية حقوقك في القانون الدولي، ورغم مطالبة المعارضةالتركيةلأردوغان بالاتفاقمع مصر وفتح السفارةالتركيةفي القاهرة،لأن تركيا أهم من الإخوان ولكن أردوغان رفض واتهم بعضهم بالخيانة وألقي القبض عليهم ووضعهم بالسجون وصرح بأن موضوع الإخوان هو أمن قومي لتركيا وبناء عليه تدخل في ليبيا لتهديد الجيش المصري.
وهنا رسم الزعيم للمصري الرئيس عبد الفتاح السيسي الخط الأحمر في سرت الجفره ليضع أردوغان بين حجري رحي، ليستمر أردوغان في تصريحاته الحنجورية والجعجعةالسياسيةدون أي تغيير علي الأرض بل الإستمرار في الهزائم السياسيةوالعسكرية.
وصرح بأنه الاتفاق المبرم بين مصر واليونان لترسيم الحدود لا قيمة له لأن ليس لليونان حدود بحريةمع مصر ويعلن عن استمرار أعمال التنقيب في شرق المتوسط بسبب عدم وفاء اليونان بوعودها.
وتنتصر مصر مجددا في معركةسياسيةأخري علي حساب السلطان العثماني الافتراضي وليصبح الصراع هو صراع تركي يوناني خالص وليس لمصر أي دخل بها وتصبح حدود مصر البحرية محسومة ولا تحتمل أي نقاش ومن يقترب منها فكأنه قد ألقي بنفسه في أتون من النار ولن تتنازل عن أي حقوق لها ألف تحية للإدارةالمصرية التي لاتفرط في حقوقها بل أيضا والانتصار في معارك جديدةو الفوزبحقوق جديدة ورائها الكثير من الخيرات والثروات الطبيعية.
وليعلم الجميع أن المكاسب التي حصلت عليها مصر من وراء اتفاقيةرسم الحدود البحريةمع اليونان لا تعد ولا تحصي وكذلك خسائر تركيا لا يمكن إغفالها لتكون مصر هي المركز الإقليمي العالمي المتحكم في الغاز في العالم علي غرار منظمة الأوبك التي تتحكم في النفط.
وقد أسستمصر سابقا منتدي الشرق الأوسط للغاز وقد انضمتإليه فرنسا وإيطاليا للاستفادة من إدارة ملف الغاز علي مستوي العالم وأخيرا هذا إنجاز جديد يضاف إلي إنجازات فخامة الرئيس عبد الفتاح السيسي الذي يدير جميع الملفات بمنتهي الحكمةوالخبرةوالقوةوالحسم حفظ الله مصر وحفظ شعبها.