بعد مضي 16 سنة بالتمام والكمال، هل تصور الكاتب المتميز مجدي صابر أن تتحول حكايته الدرامية لواقع ملموس على يد شاب مكافح؟! ففي عام 2004عرضت قنوات الشاشة الصغيرة مسلسلا من تأليفه اسمه "فريسكا"، يحكى عن فتاة ذكية، طموحة، تعيل أسرتها ببيع الفريسكا على شواطئ الإسكندرية، وأثناء عملها التقت بصحفي نشر حكايتها فتغيرت حياتها رأسًا على عقب، وأكملت تعليمها حتى حصلت على الدكتوراه وأصبحت واحدة من كبار سيدات الأعمال.
ربما لم يتوقع صابر رؤية أبطال أوراقه حقيقة واقعة أمام عينيه، لكن الأكيد أن الطالب إبراهيم عبد الناصر الحاصل على مجموع 99.6% في الثانوية العامة والمعروف إعلاميًا باسم "بائع الفريسكا" تسلل إلى قلب وعقل كل من شاهد الفيديو المتداول له ليس لتفوقه فحسب بل لتصالحه مع ذاته، وفخره بمساعدته لوالده خلال إجازاته الصيفية منذ أن كان في سن العاشرة وحتى اليوم.
رواية هذا الشاب تحمل تفاصيل كثيرة، وبين طيات كل من هوامشها دروس للكبير قبل الصغير حتى أنني وقعت في حيرة أيهما أبدأ منه، لن أتكلم عن شباب أوضاعهم الاجتماعية قد لا تختلف عن إبراهيم لكنهم استسلموا للحزن والإحباط فدخلوا بمحض وكامل إرادتهم متاهة الضياع مع أصدقاء السوء تارة ومحاولة الهجرة غير الشرعية تارة أخرى، ولن أتحدث عن أولاد وبنات من طبقات فوق المتوسطة أو من يطلق عليهم الطبقات العليا اللذين صرف أهاليهم مبالغ طائلة على تعليم أجنبي، وبدلًا من أن يسعى أحدهم ليكون مثل زويل أو مجدي يعقوب، تمردوا على معتقداتهم الشرقية، وقلدوا أسوأ ما في الغرب، والنتيجة، فقدان هوية ورفضهم في الخارج قبل الداخل!
وطبعًا لم ولن أسلط الضوء على آباء وأمهات ركزوا على المادة قبل المعنى، غافلين أو متغافلين أن أموال العالم ليست كافية لبناء إنسان ناجح.
وطبيعي لن أتوقف طويلًا عند "السوشيال ميديا" وحجم تأثيرها الذي أفاق الإعلام الحالي، أو أعيد مطلبي المتكرر دومًا بضرورة استعادة قطاع الإنتاج باتحاد الإذاعة والتليفزيون لدوره الرائد في تمويل الأعمال الدرامية الهادفة، وأصدق دليل على ترسيخ مفاهيمها في وجدان المتلقي مسلسل "فريسكا" الذي تنبأ بحكاية هذا النموذج المشرف لكل شبابنا.
وبعد، أعود لأهم درس تعلمناه جميعًا من بائع الفريسكا وهو همسة أضعها في أذن كل يأس فقد تتغير حياته بين ليلة وضحاها طالما أنه يسعى للخير ويرضي المولى عز وجل، فهذا الشاب خرج لكسب قوت يومه ولم يتخيل مقابلة مصطاف يعجب بقصته وينشرها على وسائل التواصل الاجتماعي فتلقى رواجا بين رواد فيسبوك وتوتير وتحقق أعلى تريند، وخلال ساعات معدودة تأتيه منحة دراسية تمكنه من الالتحاق بكلية طب الإسكندرية ليحقق حلم عمره، فضلًا عن المكافآت التي انهالت عليه من قبل رجال الأعمال المعروفين بوطنيتهم وتشجيعهم للشباب المتميز، الأمر الذي يمنحني أنا وأنت ونحن اليقين أن أرادة الله فوق كل شيء، فلو أراد رب العباد أمرًا هيأ له الأسباب وأزال عواقبه وأتمه، فقط، لو أراد الله، ففوض أمرك إليه واطمئن.