الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

المستشار سُليمان عبدالغفار يَكْتُب: مِنْ «دَفْتَرْ أحْوال» العَرَبْ والمُسْلمين ..!؟!

صدى البلد


يأْتي هذا المَقال في إطار الرَّد على الافْتِراءاتِ الغَرْبية المُتواصِلة ضِدَّ الإسلامِ والمُسْلمين بِدْءًا مِنِ ادِعاءِ انتِشارِ الإسلام بِالعُنْفِ والإكْراه، واتهامُهُ بِمُعاداةِ العَقْل وإهْدارِ الحُرِّيات – وصولًا إلى اتهامِ اتباعِهِ بِالتَطَرُّفِ والإرهاب والإساءات المُتَكَرِّرَة لِلِنَّبيِّ الكَريم، لَكِنْ وفي مواجَهة هذهِ الصورَة القائمة نَجِدُ عَدَدًا مِنَ المُفَكِّرينَ الغَرْبيين – مِمَّنْ يَتَّسِمونَ بِروْح نَقْدية عالية – يَرُّدونَ لِلإسْلام اعتبارَهُ، ويُشيدونَ بِحضارَتِهِ ويَضَعونَهُ مَحَل تَقْدير في إطارِ دَعْوَتِهِم إلى الحوار بَيْنَ الحَضارات والسلام بَيْنَ الأديان ...!؟!... وفي حَقيقة الأمْر – لَمْ يَكُنْ لِمِثْلِ هذهِ الافتِراءات أنْ تَتَجَدَّد أوْ تُثار مِنْ حينٍ لِآخَر – لَوْلا حالة العَجْزِ التي تَضْرِب أمَّةَ الإسْلام فَباتَتْ مَرْتَعًا لِلتَنازُع وَنَهْبًا لِلأزَمات مِنْ كُلِّ اتِجاه – فَمِنْ أزمةِ الثَقافة والحضارة إلى أزْمة الحُرِّية والديمُقراطية، وبَيْنَهُما أزْمَةِ الفَرْدِ والجَماعة – هذهِ الأزَمات التي أصابَتْ المُجْتَمَع الإسْلامي بِالجُمود والرُكود – فانْكَمَشَتْ إنْسانيَّتَهُ وفَقَدَ حَيَويَّتَهُ وقُدْرَتَهُ على المُقاوَمة والنُهوض ...!؟! – بِاستِثْناء نَماذِجْ قَليلة – نَذْكُر مِنْها "النَموذَج الماليزي" الذي تَمَكَّنَ مِنْ كَسْرِ حاجِز التَخَلُّف مَعَ الغَرْب – بِفَضْلِ إرادة التَغْيير لَدى قيادَتَهُ الواعية مُمَثَّلة في الدُّكْتور "مهاتير مُحَمَّد" وفِكْرَهُ الإسلامي المُسْتَنير – وقَدْ تَمَكَّنَ مِنْ تَقْديم "تَفْسيرًا حَضاريًا" لِلإسْلام، وانْتِهاجَهُ سَبيلَ التَعَلُّم والمَعْرِفة، في إطارٍ مِنَ التَسامُح مَعَ الآخَر، والقُدْرَة على التَعايُش بَيْنَ العِلْمِ والدِّين – اعْتِمادًا على التَخْطيط المُحْكَمْ والإدارة الواعية التي تَتَّصِف بِالكَفاءة والفَعالية.

وعَنْ رؤيَتِنا لِلتْعايُش بَيْنَ العِلْمِ والدِّين – فإنَّنا نَرى أنَّهُ لا يوجَدْ تَضاد بَيْنَهُما – والدِّينِ الإسلامي على وَجْهِ الخُصوص يَحُثُّ على بَذْلِ الجُهْدِ في تَحْصيل العِلْم، إنْطِلاقًا مِنْ دَعْوَتِهِ إلى إعْمالِ العَقْلِ والتَفْكير في مَلَكوتِ السَماوات والأرْضِ، والنَظَرْ في إبْداعاتِ الكَوْن بِما أوْدَعَ الله فيه مِنْ سُنَن وقوانين – كَما ارْتَفَعَ الإسْلام بِمَكانة العُلَماء، فَجَعَلَهُم وَرَثَةُ الأنْبياء – فَالإسْلام دَعْوة لِلتَوْحيد والإيمان عَنْ طَريق التَفَكُّر والمَعْرِفة والعِلْم – لَكِنَّهُ لَيْسَ مُخْتَبَرًا لِلْبَحْثِ والمُكْتَشَفات – يوَضِّحُ الأُسْتاذ "العَقَّاد" في كِتابِهِ "الفَلْسَفة القُرْآنية" العِلاقة بَيْنَ العِلْمِ والدِّين بِقَوْلِهِ: "القُرْآنِ الكَريم كِتاب عَقيدة يُخاطِبُ الضَمير – وخَيْرُ ما يُطْلَبْ مِنْ كِتابِ العَقيدة في مَجالِ العِلْمِ أنْ يَحُثُّ على التَفْكير ...!؟!..." – أمَّا عَنْ تَفْسير العِلْمِ بِالدِّين – فَهَذا مالا نَقْصُدَهُ أوْ نَدْعو إليْهِ ...!؟! – لأنَّ البَعْضِ يَسْعى إلى إثْباتِ مِصْداقية الدِّين بِما يأْتي بِهِ العِلْمِ مِنْ انْجازات – بَلْ يَذْهَب إلى تَبْرير حالَةِ الضَعْفِ والتَبَعية التي تَعيشَها الأمَّة المُسْلِمة في عِلاقَتِها بِالآخَرين !؟! – بِأنَّ هُناكَ مَنْ يَعْمَلونَ في خِدْمَتِهِم – فيَنْتُج ما يَسْتَهْلِكونَ وهُمْ مُسْتَريحون !؟! – هَذِهِ تَصَوُّرات بَعيدة عَنِ الصَواب، تؤَدِّي إلى وُجودِ "شُعور زائِف" بِالرِّضا لَدَى المُسْلمين عَنْ حالاتِ القُعودِ و العِجْزِ والتَقْصيرعَنِ المُشارَكة في ميادينِ البَحْثِ والعِلْم – ويَنْتُج عَنْ هذا "الفِهْمِ الفاسِد" تَزايُد واسْتِمْرار حالة التواكُل، واعتِمادِهِم على غَيْرِهِم في تَدْبير شُئونِ حياتِهِم – بِما يَجْعَلُ المُجْتَمَعَ الإسْلامي بَعيدًا كُلَّ البُعْد عَنْ حَقيقة الدِّين الذي يَدْعو الإنْسان إلى السَعْيِ والكِدِّ والاجْتِهاد في تَعْميرِ الارض.

المُفارَقة التي تَدْعو لِلحُزْنِ والأسى في حاضِرِ العَرَبِ والمُسْلمين – إذا نَظَرْنا إلى "دُروسِ التاريخ" نَجِدُ أنَّهُ في عُصورِ ازْدِهارِ "الحَضارة الإسْلامية" – كانَ العُلَماءُ مِنْ كافَّة أنْحاءِ المَعْمورة يَفِدونَ إلى الحَواضِرِ الإسْلامية لِتَقْديمِ عُلومَهُم ومَعارِفَهُم لِلمُسْلمين – وكانَتْ أنظارَهُم وآمالَهُم مُعَلَّقة على حاضِرة   الخِلافة الإسْلامية "بَغْداد" التي كانَتْ تُسَمَّى "دارِ السَّلام"!؟!... حَيْثُ يَجِدونَ رَغَدَ العَيْش، ويُلاقونَ الحَفاوَةَ والإكْرام – أيْنَ ذَلِكَ مِمَّا نَراهُ الآن !؟!... فالعُلَماء "عَرَبًا ومُسْلمين" يَفِرُّونَ مِنْ أوْطانِهِم – التي رُبَّما يَهْجُرونَها لِلأبَد "هِجرة أوْ نَزيفُ العُقول" إلى مَراكِز الحَضارة والعِلْم في عَواصِمِ الغَرْبِ التي تَتَوافَر فيها فُرَصِ العَمَل اللائِق بِهم، وتُهيئُ لَهُم إمْكاناتِ البَحْث، وما يَتَطَلَّعونَ إليْهِ مِنْ تَقْدير وتَكْريم – وها نَحْنُ نَرى دُوَلًا كَثيرة في الشَرْق بَدَأتْ تُفْسِحُ المَجال لإبْداعاتِ العِلْمِ وإنْجازات العُلَماء، وتَنْهَضْ بِالتَعْليم، وتُعيدُ الاعتِبار لِقيَمِ الجِدِّية وإتْقانِ العَمَل، وبادَرَتْ إلى إرْساءِ قواعِدِ التَنْظيمِ السياسي والاقتصادي والاجتِماعي – مِنْ حُرِّيات سياسية وشَفافية اقتِصادية وعَدالة اجتِماعية – وقَدْ تَحَرَّرَتْ مِنْ قيودِ التَخَلُّفِ والجُمود، وتَمَكَّنَتْ مِنَ السَيْر في الطَريقِ الحقيقي لِلإصْلاحِ والنُّهوض.

في شَهْرِ مارِس عام 2009م – أصْدَرْتُ كِتابي الأوَّل بِعُنوان "العِلاقات بَيْنَ الغَرْبِ والإسْلام" عَنْ "مَكْتَبةِ الشُّروق الدَوْلية" بِالقاهِرة – أهْدَيْتُهُ إلى روحِ المُفَكِّرِ الراحِل – "عِزَّتْ بيجوڤيتش" رَئيس دَوْلَة البوسنة الأسْبَق – لأنَّ أفْكارَهُ التي ضَمَنَها الكِتابِ الهام "الإسلام بَيْنَ الشَرْقِ والغَرْب" تُمَثِّلُ جِسْرًا لِلتْواصُل بَيْنَ الشَرْقِ و الغَرْب – مِثْلَما كانَتْ حياتَهُ – إبان مأْساةِ البوسْنة في تسْعينياتِ القَرْنِ الماضي – جِهادًا مُتواصِلًا في الحَرْبِ والسلام، ومِثالًا رائِعًا لِحَقيقةِ الإسْلام – حَتَّى أنَّهُ عِنْدَما لاحَتْ بَشائِرِ النَصْر على الصِرْبِ الذينَ ارْتَكَبوا أبْشَعِ الجَرائِمِ في حَقِّ مواطِنيه – أمَرَ جُنودَهُ بِالتَّسامُح وعَدَمِ الانْتِقامِ مِنْ أعْدائِهِمُ الصربيين، مؤكِّدًا على أخْلاقياتِ ووصايا النَبيِّ الكَريم لِلمُحارِبين، وكَيْفَ أنَّهُ توجَدْ أخْلاق إسْلامية رَفيعة تَحْكُم سُلوكَ المُحارِب أثْناءِ الحَرْب ...؟!! – خِلافًا لِما يَقْتَرِفَهُ غَيْرُهُم مِنْ جَرائِم وآثام ...!؟!!.
... دَعَوْتُ في "مُقَدِّمة كِتابي" إلى تَدْريس كِتاب "الدُّكْتور عِزَّتْ بيجوڤيتش" في الجامِعاتِ العَرَبية والإسْلامية – ولو استَمَعَ المَسْئولون إلى تِلْكَ الدَعْوة – وقاموا بِتَدْريس هذا "الكِتابِ النَّادر" ضِمْنَ مناهِجَ التَعْليم – لَما كانَتْ هُناكَ اتِّهامات بِالإرْهاب لِلمُسْلمين، ولا إرهابيين يَنْتَسِبونَ زورًا وبُهْتانًا إلى الإسْلام ..!؟! يَتَميَّز هذا الكِتاب بِثَرائِهِ الفِكْري، ويَهْدِف إلى تَقْديم الإسْلام كَمَنْهَج مُتكامِل يَشْتَمِلْ على كافَّة مَجالاتِ الحياة في الثقافة والحضارة والعُلوم والفُنون والآداب – بَعْدَ فَشَلِ النُظُمِ والأيديولوچيات شَرْقًا وغَرْبًا – في عِلاجِ مُشْكِلات الإنْسان – داعيًا في ذاتِ الوَقْت إلى الحوار بَيْنَ مُخْتَلَف الفَلْسَفات والثقافات والأديان – لأنَّ الإسلام عِنْدَ "بيجوڤيتش"هوَ قَرينَ "التَحَضُّر" – فَفي اللحظة التي يَتِمَّ فيها التَطْبيقِ الحقيقي لِلإسْلام في أيِّ مُجْتَمَع – يَبْدأ ذَلِكَ المُجْتَمَع في التَخَلِّي عَنْ حالة التَخَلُّف، والدُّخول في مَجالِ الحضارة والارتِقاء.

إنَّ دَعْوَتِنا لِإصْلاح المُجْتَمَعات العَرَبية والإسْلامية – بِقيَمِ وأخْلاقِ الإسْلام – لا تَنْطَلِقْ مِنَ الانتِماء لِأيِّ حِزْب سياسي أو ديني – لأنَّ "المُثَقَّفِ الحقيقي" يَجِبْ أنْ يَكونَ مُسْتَقِلًَّا إنْ لَمْ يَكُنْ مُعارِضًا – ليَتَمَكَّن مِنْ تَقْديم رؤيَتَهُ دونَ تَحَيُّز لِهذا او ذاكَ مِنْ قَريبٍ أو مِنْ بَعيد – إنَّما تَنْبُعُ دَعْوَتُنا هذهِ عَنْ "قناعة فِكْرية" تَكَوَّنَتْ عَبْرَ سَنَواتٍ مِنَ التأمُّل في أحْوالِ العَرَبِ والمُسْلمين – بِأنَّهُ لا مَجالَ لِلإصْلاح دونَ تَفْعيل قيَمِ وأخْلاقِ الإسْلام في حياةِ الناَّس ...!؟... فِالدوَلِ الأسْيَوية – على سَبيلِ المِثال – في كوريا وسِنْغافورة والصين والهِند وڤيتنام – لَمْ تَتَقَدَّم بِاستيرادِ التُكْنولوچيا مِنَ الغَرْبِ وتوْطينَها فَقَط !؟!... وإنَّما قامَتْ حُكومات تِلْكَ الدُوَل بِتَفْعيل "القيَمِ الأسْيَوية – Asian values" في حياة شُعوبِها – مِنْ تَقْديسِ العَمَل وانضِباطِ المواعيد والاجْتِهاد والصِدْق والجِدِّية والوَلاء لِلوَطَنْ هذهِ القيَم الإيجابية هي التي أخَذَتْ بِها تِلْكَ المُجْتَمَعات مَعَ نِظام عَصْري ومُتَطَّور لِلتَعْليم فَتَقَدَّمَتْ لِلأمام ...!؟!.


"... لَنْ يَتَمَكَّنَ العَرَبُ والمُسْلمون مِنْ إدْراك إصْلاح أو نُهوض – مالَم يُدْرِكوا – عَنْ فِهْمٍ وعِلْم – أنَّ رِسالة الإسْلام في جَوْهرِها "رِسالة حضارية وأخْلاقية"على الرَغْمِ مِنْ كَوْنِها "رِسالة دينية" فَهيَ تَجْمَع بَيْنَ "الدين والدُّنيا" في كيانٍ واحدٍ مُتوازِن – يُعَبِّرُ أصْدَقَ تَعْبيرٍ عَنْ إنْسانية الإنسان!!... وعلَيْهِم أنْ يُشارِكوا كَفاعِلينَ في الحَضارة الإنْسانية – وعَدَمِ الاكتِفاءِ بِكَوْنِهِم مُسْتَهْلكين لِمُنْتَجات وإبْداعات تِلْكَ الحضارة – وأنْ يَكونوا أنْدادًا لِغَيْرِهِم في كافَّةِ الميادين – ألَيْسَتْ هذه دَعْوةِ الإسْلام لِلعَرَب والمُسْلمين ...!!؟!!!