الحكم بسجن "ايلكر" نقطة تحول في تاريخ تركيا

تسبب قرار المدعي العام التركي في أسطنبول بسجن رئيس الأركان المتقاعد ايلكر باشبوغ، في حدوث استقطاب إعلامي غير مسبوق على الفضائيات وشبكة الانترنت في تركيا، لأنها المرة الأولى في تاريخ الجمهورية التركية التي يصدر فيها قرار سجن رئيس أركان.
وأصدرت المحكمة الجنائية في أسطنبول الليلة الماضية قرار سجن باشبوغ بتهمة "عضو منظمة إرهابية مسلحة والتخطيط لانقلاب بهدف الإطاحة بالحكومة"، والمعروف عنها بقضية (دعاية الانترنت)، التي تعتبر سلسلة من عدة تحقيقات تتعلق بمنظمة (ارجينكون) بهدف التخطيط للاطاحة بحكومة العدالة.
ووصفت العديد من الصحف المحلية الصادرة اليوم الجمعة ذلك بأنه "حلقة من مسلسل الصراع على السلطة بين العلمانيين والجيش من جهة .. والحكومة التركية من الجذور الإسلامية من جهة أخرى".
ومن المفارقة أن أول رئيس أركان بتاريخ الجمهورية التركية يمثل أمام مدع عام جمهوري مدني، الذي استمر بتحقيقاته لمدة 7 ساعات متواصلة مع باشبوغ وبصفته مشتبها به، بعد أن كان قبل عام يتولى السيطرة على الجيش التركي بأكمله.. وأشارت الصحف إلى أنه في حال ثبوت التهمة عليه قد يواجه السجن مدى الحياة.
وأكد المحللون السياسيون أن سجن رئيس الأركان الأسبق تعتبر "نقطة تحول بتاريخ الجمهورية التركية".
واعتبر الكاتب الصحفي إحسان داغي - في صحيفة (زمان) التركية - أن التحقيق مع باشبوغ من جانب المدعي العام يعد بمثابة "تطور تاريخي" يضع نهاية لحصانة رؤساء الأركان".
ووجه المعلقون السياسيون في التغطية الإعلامية المكثفة نداء إلى كافة المسؤولين والمواطنين على السواء بالتحلي بالمنطق والعقل السليم والتصرف بروح المسؤولية خاصة في الفترة التي تمر بها المنطقة.
أما الجنرال المتقاعد ايلكر باشبوغ، فقد قال للصحفيين بعد انتهاء التحقيق معه من قبل المدعي العام الجمهوري "إنه من الفائدة الإشارة إلى أنني الآن متهم بجريمة مع العلم أني أديت مهامي لمنصب رئيس الأركان رقم 26 للجمهورية التركية وترأست قيادة الجيش التركي من أقوى الجيوش بالعالم .. ومن الأمر المضحك والمؤلم أن يتهم قائد جيش بتهمة عضو منظمة إرهابية مسلحة من بعد مرور عام ونصف على إحالتي على التقاعد وهذه التهمة أكبر عقوبة لي، وأترك الموضوع لتقدير الشعب".
وتعود وقائع القضية إلى اتهامات بأن المواقع الإلكترونية على الانترنت، والتي دشنتها رئاسة الأركان عقب فوز حزب العدالة والتنمية في انتخابات عام 2002، كانت توجه حملات دعائية مغرضة ضد الحكومة .. ويواجه 29 متهما المحاكمة فيما يتعلق بتلك القضية، وقد زعم العديد من المتهمين بأن باشبوغ هو الذي أعطى الأوامر بتدشين تلك المواقع الإلكترونية.
وعاد الكاتب عصمت بيركان - فى صحيفة (حريت) التركية - إلى الوراء ليذكر بتفاصيل ما يسمى (مؤامرة الانترنت) في الجيش، قائلا "إنه في عام 2000 أصدر رئيس الوزراء التركى فى ذلك الوقت بولنت ايجيفت تعميما يطلب من جميع مؤسسات الدولة اتخاذ إجراء ضد الدعاية الأصولية".
ولكن رئاسة الأركان صورت التعميم على أنه أمر من الحكومة، وقامت بشراء عشرات من المواقع الإلكترونية للقيام بحملة ضد الدعاية الأصولية والانفصالية، وأطلقت العديد من مواقع الانترنت بإدارة وإشراف رئاسة الأركان لعدة سنوات أصدرت خلالها الآلاف من التقارير الإخبارية، ثم تبين لاحقا أن الأغلبية من هذه التقاريرالإخبارية تستند إلى أكاذيب.
وعقب اكتساح حزب العدالة للانتخابات في عام 2002، أصدرت المواقع الإلكترونية المناهضة للأصولية مئات من التقارير الإخبارية ضد "الأنشطة الأصولية" لحزب العدالة، وثبت أيضا أن المزاعم التي وردت في هذه التقارير ما هي إلا أكاذيب.
وفي عام 2007، رفع المدعي العام دعوى لحظر حزب العدالة، واستندت الاتهامات الموجهة للحزب على التقارير الإخبارية التي تم جمعها من المواقع الإلكترونية من ورئاسة الأركان، ولكن المحكمة الدستورية أسقطت الدعوى واصفة المزاعم الواردة في التقارير الإخبارية بأنها "أكاذيب".
وجاءت الخطوة التي حركت القضية من جديد من جانب صحيفة (طرف) في عام 2009 عندما نشرت وثيقة تظهر أن المواقع الإلكترونية المذكورة كانت تدار من جانب رئاسة الأركان وأنه تم تجديد بعض هذه المواقع الإلكترونية.
واعترفت رئاسة الأركان "بصحة الوثيقة"، بيد أنها أشارت إلى أنها كانت تطبق أوامر رئيس الأركان.. وبناء عليه بدأ المدعي العام، الذي عين خصيصا لهذه القضية، تحقيقا فيما يتعلق بالوثيقة واعتقل عددا من كبار المسؤولين في الجيش على خلفية تلك الاتهامات.
وقد تتجه الأنظار من بعد الآن إلى محاكمة العسكريين بمرحلة 28 فبراير التي تعتبر انقلابا عسكريا على السلطة المدنية في عهد حكومة (طريق الرفاه) الائتلافية بين رئيس الوزراء الراحل نجم الدين أربكان وتانسو تشيلر، إضافة إلى فتح ملفات مرحلة 27 أبريل التي وجهه بها الجيش إنذارا إلى حكومة العدالة بعهد رئيس الأركان الأسبق الجنرال المتقاعد يشار بويك انت.