الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

46 عامًا من السرية.. هكذا تجنبت المخابرات الأمريكية الحرب مع الاتحاد السوفيتي باستخدام "رد جلومار"

السفينة التي قامت
السفينة التي قامت بعملية رفع الغواصة النووية

على مدار 46 عامًا تمكنت وكالة المخابرات الأمريكية (CIA) من الحفاظ على جميع معلوماتها السرية بعيدًا عن أعين واستفسارات وسائل الإعلام، وذلك رغم فرض الرئيس الأمريكي الأسبق، ليندون جونسون، قانون حرية المعلومات الأمريكي والذي يتيح الحق لكل مواطن أمريكي التساؤل عن أي شيء يخص الولايات المتحدة ويجب على الهيئات الأمريكية المسئولة الرد على تلك التساؤلات.

وفرض جونسون هذا القانون عام 1966 وينص على أن لكل فرد الحق في طلب الوصول إلى سجلات الوكالات الفيدرالية الأمريكية وحرية طرح الأسئلة فيما عدا السجلات المحمية من الكشف الواقعة ضمن الإعفاءات التسعة الواردة في القانون والتي تشكل خطرًا عامًا على البلاد مثل شيفرات إطلاق الأسلحة النووية على سبيل المثال.

وعندما وجدت المخابرات الأمريكية أن هذا القانون المثير للجدل سيشكل خطرًا على عملها وسرية العمليات التي تقوم بها في الداخل أو الخارج، قررت عام 1974 اختراع مبدأ Glomar response أو كما يعرف بـ "رد جلومار".

في عام 2014 انشأت وكالة المخابرات الأمريكية أول حساب رسمي لها على موقع "تويتر" وكانت أول تغريدة تنشرها على الموقع كانت "لا يمكننا أن نؤكد أو ننكر أن تلك هي أول تغريدة لنا".

وهنا يتضح بالضبط مفهوم "رد جلومار" الذي ابتكرته الـ "سي آي ايه": "لا يمكننا تأكيد أو نفي أن وكالتنا لديها أي سجلات تطابق طلبك".

وبحسب رواية "السي.آي.ايه" نفسها، فإنه خلال الحرب الباردة التي كانت قائمة بين الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة، فقد الاتحاد السوفيتي في مارس عام 1968 الاتصال بالغواصة النووية "K-129" في المحيط الهادئ في ظروف غامضة، حيث كان على متن تلك الغواصة ما يسمى بـ "نظام التشفير" وقنابل نووية سوفيتية.

وأطلق الاتحاد السوفيتي فرقًا للبحث عن غواصته النووية خوفًا من أن تقع الغواصة في يد الولايات المتحدة، ولكن دون جدوى، حتى تمكنت الولايات المتحدة من العثور بعد فترة على الغواصة النووية السوفيتية على بعد 1500 ميل من جزر هاواي وعلى عمق 3 أميال تحت سطح المحيط الهادئ.

وبدأت المخابرات الأمريكية في العمل على رفع الغواصة لما تحتويه على كنز ثمين بالنسبة للجيش الأمريكي وأطلقت عملية تسمى بـ "Project Azorian" لرفع الغواصة من عمق المحيط.

وكلفت تلك العملية المخابرات الأمريكية وقتها 800 مليون دولار أمريكي، حيث استعانت المخابرات الأمريكية بالملياردير الأمريكي، هاورد هيوز، وشركته "جلوبال مارين" للذهاب إلى موقع الغواصة السوفيتية للتنقيب عن المنجنيز حتى لا يعلم السوفييت شيء عن خطط المخابرات الأمريكية بسحب الغواصة السوفيتية.

وفي يوليو 1974 دخلت العملية المرحلة النهائية لسحب الغواصة النووية السوفيتية، لكنها لم تكشف حتى اللحظة عما وجدته بداخل الغواصة النووية السوفيتية.

وبدأت الأنباء عن تلك العملية المعقدة تتسرب إلى الصحافة الأمريكية التي بدأت تطرح التساؤلات عما إذا كانت المخابرات الأمريكية عثرت على تلك الغواصة بالفعل أم لا.

وكان أمام المخابرات الأمريكية خيارين في تلك اللحظة، وهو أن تعترف بأنها وجدت الغواصة وعثرت على نظام التشفير السوفيتي والقنابل النووية السوفيتية، وهو ما كان سينذر بأزمة كبرى مع الاتحاد السوفيتي، والخيار الثاني هو الكذب على وسائل الإعلام والشعب الأمريكي ومخالفة قانون حرية المعلومات الأمريكي المذكور أعلاه، وهو ما يعد مأزقًا أكبر بالنسبة للمخابرات الأمريكية.

وهنا وجدت المخابرات الأمريكية مخرجًا لهذا المأذق وهو "رد جلومار" الذي ابتكرته تيمنًا باسم الملياردير الذي استعانت به في عمليتها، هاورد هيوز وشركته جلوبال مارين، فاستعانت بأول مقطعين من الشركة "جلومار" لتسمية المصطلح الجديد الذي سترد به على وسائل الإعلام الأمريكية.

وقالت المخابرات الأمريكية آنذاك: "لا يمكننا أن نؤكد أو ننكر وجود تلك المعلومات المطلوبة، ولكن على سبيل الافتراض إذا كان لهذه المعلومات وجودًا فعلًا فهي سرية ولا يمكن الكشف عنها".

وأثار هذا الرد سخط العديد من الصحف الأمريكية ورفعت العديد من المنظمات قضايا داخل المحاكم على المخابرات الأمريكية لكن في نهاية المطاف ساند القضاء الأمريكي حق المخابرات في الحفاظ على سرية تلك المعلومات لما لها من تهديد على الأمن القومي الأمريكي.