الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

د. جوزيف رامز أمين‎ يكتب: تداعيات استمرار الحرب الأهلية فى إثيوبيا

صدى البلد

أشعر ومعى كثيرين بمشاعر الإحباط واليأس والحسرة  من جراء الحرب الأهلية  الضروس الممتدة منذ أكثر من شهر فيما بين الحكومة الاثيوبية المركزية وبين إقليم تيجراى الإثيوبى..  والتى لم ينتج عنها سوى إهدار آلاف الأرواح وأضعافهم من الجرحى والمصابين..وأعمال التصفية العرقية ..وتدمير الممتلكات والأبنية والعتاد العسكرى والمطارات  وإهدار أمن وسلامة المدنيين الأمنيين..وفرار الملايين من اللاجئين والمشردين عبر الحدود السودانية والإريترية...كما نجم عنها امتداد الصراع الداخلى ليمتد إلى قوميات أكثر ودول أخرى فى الإقليم كاريتريا وجنوب السودان والصومال وكينيا وغيرها وذلك ما بين مؤيد ومعارض..وما بين هذا وذاك يظل التصعيد العسكرى هو السمة السائدة..ويظل تفكيك دويلات القرن الأفريقى هو الخطر الجاسم الذى يشوب دوله المختلفة..مالم يتم احتواء النزاع ووقف سفك الدماء المستمر وغير المتوقف,والذ ى طال حتى الموظفين الدوليين وعاملى الإغاثة .    
                                                                                         
الخلفية التاريخية لصراع الحكم في إثيوبيا: وأبعاد الصراع: 

بدأ هذا الصراع مرتبطًا بالوضع السياسي القائم حاليًا في البلاد، كما له جذور تاريخية تعود إلى تشكّل الكيان السياسي لإثيوبيا الحديثة، ونماذج الحكم التي سادت منذ القرن والنصف الماضيين، بدءًا من حكم الملك منليك الثاني في الربع الأخير من القرن التاسع عشر، وبالتزامن مع فترة بداية الاستعمار الأوروبي للمنطقة. وقد استمر الحكم الإمبراطوري في إثيوبيا بزعامة الامبراطور"هيلاسلاسى "إلى أن جاء النظام الشيوعي بقيادة "منجستو هيلا مريام"، الذي قاد انقلابًا دمويًا في عام 1974، ثم قادت الجبهة الشعبية لتحرير تيجراي عملًا مسلحًا ضده، واستولت على الحكم في عام 1991، بقيادة مليس زيناوي,حيث حكم البلاد تحت ائتلاف تقوده جبهته، التى تُسمى بالجبهة الديمقراطية الثورية لشعوب إثيوبيا. لكن مع وفاة زيناوي في عام 2012، بدأ الائتلاف بالتصدّع؛ وهوما أدخل البلاد في انقسامات إثنية وعرقية جديدة...ولم يفلح خلفه:"هيلي مريام ديسالين"، في استعادة مصداقية الحزب الحاكم، واندلعت في فترته موجة اضطرابات شعبية في أنحاء البلادوهو ما أجبر حكومته على التنحي عن السلطة، ليترشّح بعدها آبي أحمد من المنظمة الديمقراطية لشعب أورومو من داخل الائتلاف الحاكم. وحين وصل آبي أحمد إلى السلطة في عام 2018، عمد إلى استهداف قادة التيجراي، وتطهيرهم من مؤسسات الدولة وملاحقتهم بتهم الفساد، واعتقل الكثير منهم أو أجبروا على الفرار من العاصمة.وهو ما اعتبرته جبهة تحرير شعب تيجراي بداية الصراع لها مع آبى أحمد خاصة بعد التصالح الاثيوبى _الاريترى  وتجاهلها فى عملية المصالحة... وفي أواخر عام 2019،  حلّ آبي أحمد الجبهة الديمقراطية الثورية لشعوب إثيوبيا، ودمج الكيانات الأربعة المكوّنة لها في حزب واحد، أطلق عليه اسم حزب الازدهار. ,وهو الأمر الذى كان بداية الاغتيالات وأعمال العنف التى شهدتها البلاد منذ ذلك الوقت.وزاد من تأجج الصراع تأجيل الانتخابات: في يونيو 2020، وفى أغسطس 2020.            
                                                                                      
وفي تحدّ واضح للحكومة الفيدرالية، أقدم الإقليم على إجراء انتخاباته الإقليمية في 9 سبتمبر، لكن حكومة إثيوبيا المركزية رفضت السماح للجنة الانتخابات المركزية بالإشراف عليها، ورفضت كذلك الاعتراف بنتائجها. وفى المقابل أوقف "آبى أحمد" عنهم عنهم التمويل المالي، ومنعت حكومته التحويلات البنكية بين إقليم تيجراي وبقية الأقاليم في إثيوبيا. ومن جانبها، ردت حكومة إقليم تيجراي بأنها ستعتبر حكم آبي أحمد غير شرعي اعتبارًا من 5 أكتوبرالماضى، وتوالت التطورات السلبية.       
                                               
إعلان الخيار العسكري وانعكاساته:
في هذه الأجواء المشحونة، أعلنت الحكومة الفدرالية الحرب على الاقليم ، في صباح الأربعاء 4 نوفمبر 2020، لكنّ من الواضح أن الحسم غير وارد؛ لأن الجبهة تمتلك صواريخ ومعدات عسكرية تمكنّها من الاستمرار في الحرب إلى أمد طويل، أو نقل المعركة إلى ساحات أخرى في الأقاليم المجاورة، أو حتى خارج حدود إثيوبيا. كما تُعدّ الجبهة الأفضل تسليحًا من كل القوى الإثيوبية المعارضة، ويقودها محاربون قدامى أو فُصلوا من الجيش الاتحادي في عملية التطهير التي قام بها آبي أحمد.   
                                 
ويعد الإقليم القاعدة الرئيسية لأقوى وحدات الجيش الإثيوبي "القيادة الشمالية"، التي يتجاوز عدد الجنود فيها نصف تعداد الجيش برمته، من ثم يصعّب الحسم السريع ما لم يتحدّد ولاء تلك القيادة في المعركة، خاصة أن حكومة إقليم تيجراي أعلنت أن القيادة الشمالية "ستقف إلى جانب شعب تيجراي والحكومة الإقليمية"، بحسب وكالة فرانس برس,وهو ما يعني احتمالية وقوع انشقاقات داخل الجيش في حال استمرار الصراع.               
عوامل حسم الصراع:
وثمة عاملان مهمان يمكن أن يؤثّرا في مستقبل الصراع خلال الفترة المقبلة,وهما:احتمالية تمدّد الحرب في أقاليم مجاورة أخرى: ومن ثمّ يطرح سيناريو الانزلاق إلى حرب أهلية شاملة. أما إذا استطاعت العمليات العسكرية الفيدرالية محاصرة جبهة تحرير شعب تيجراي، وإرغماها على تسليم سلاحها في وقت وجيز، فقد تتغير المعادلة. أما العامل الثانى فهو يتمثل فى دور أو تأثير الجيران أو التداعيات المحتملة على إثيوبيا وعلى المنطقة ...فلا شك في أن هناك أزمة داخلية كبيرة متفجرة في إثيوبيا لن تكون مقتصرة على داخل حدودها، بل سوف يكون لها امتداد في الخارج؛ نظرًا إلى مركزية إثيوبيا في دول القرن الأفريقي والمنطقة عمومًا. فهي الدولة الثانية من ناحية عدد السكان في أفريقيا (110 ملايين نسمة)، كما تعدّ واحدة من أكبر الدول المساهمة بقوات في بعثات حفظ السلام في القارة، حيث يوجد جنودها في السودان وجنوب السودان والصومال. وبالفعل، بدأت إثيوبيا بسحب 3000 جندي من قواتها العاملة فى الصومال، وأعادت نشرهم في المناطق الشمالية للمساعدة في هجوم تيجراي. ومن المحتمل أن تترك هذه الخطوة آثارًا سلبية على استقرار الصومال، خاصة أنه مقبل على فترة انتخابات رئاسية وبرلمانية؛ إذ من الممكن أن تستفيد حركة الشباب من هذا الفراغ لتكثيف نشاطها العسكري. وفي السياق نفسه، من الممكن أن يحدث اقتتال بين الجنود الاثيوبيين المتواجدين فى الصومال او غيرها من قوميات مختلفة.           
                                                                              
رؤية مستقبلية:
عمومًا، في ظل صعوبة الحسم العسكري، فإن إيجاد حلول سياسية تجنّب البلاد صراعًا طويل الأمد هو الخيار الوحيد لإنقاذ إثيوبيا من التدهور إلى حرب أهلية شاملة، وهو سيناريو مدمّر لمنطقة القرن الأفريقي بأكملها في حال تحقّقه، أو خيار انفصال الإقليم، الذي يعني بلقنة إثيوبيا والمنطقة المجاورة. ويبقى خيار التباحث حول طاولة المفاوضات رهينًا بظروف الداخل ومدى استعداد الطرفين:الاقليمى والدولى لعمل التدخل المطلوب. 
   1. هذا ويقول بعض المحللين إن إخفاق آبي في إصلاح وضعه الأمني يقوض شرعيته ويلطخ اسمه كوسيط للسلام. لكن المدافعين عنه يؤكدون أن "بطشه" جزء ضروري في محاولته لتوحيد أمة تضم 110 ملايين شخص عرّفوا أنفسهم لعقود على أسس عرقية...ومابين الرأيين تظل الازمة الاثيوبية ومستقبلها فى علم الغيب.         
                                                                                            
ولعل المخاطر الحقيقية للحرب الأهلية فى اثيوبيا لا تنبع فقط من سقوط الآلاف من الأثيوبيين بين قتيل وجريح وتهدم أعمدة وركائز الدولة وإقليم تيجراى أحد أهم الأقاليم الإثيوبية..وتدفق اللاجئين والمشردين وغيرها من الخسائر المادية المحسوسة والتداعيات الانسانية ..لكن الخسارة الأكبر هى انهيار وحدة الدولة واندماجها الوطنى وليس فقط تنوعها الاثنى  لسنوات عديدة قادمة...ويصبح الرهان الوحيد على نجاح فكرة التعددية الاثنية وبكل تنوعها هى فكرة خاطئة؛وهو ما يمهد لتهدم أركان الدولة بأسرها وقد تنطلق لتصيب باقى الإقليم المتداخل؛كما يحدث فى إريتريا والسودان وجنوب السودان والصومال وغيرها حيث أنها فى معظمها كيانات هشة وليست دول  بالمعنى المعروف :إقليم وشعب وحكومة ...والحل فى رأيى يأتى من استيعاب تيجراى والمحافظة على وضعهم فى التركيبة السكانية الاثيوبية وليس تهميشهم أو اقصاءهم لأن  هذا الاقصاء  سيؤذى وحدة البلد الواحد ويمتد الصراع لسنوات وسنوات بدون فائز أو مهزوم ،وحيث لا تستطيع أى قوة مهما بلغت أن تبيد شعب أو قومية بأكملها...لم يحدث ذلك مع الفلسطينيين ولا مع الأفارقة السود فى جنوب أفريقيا ولا مع البوسنة والهرسك وغيرها...الكثير.                                                                                           
ولعل السؤال الآن هو: هل ستؤثر تلك الحرب على استقرار الدولة والاقليم ؟والجواب هو نعم بالطبع ستؤثر  وستتجه السياسة الاثيوبية فى مقابل التاثيرات السلبية التى حدثت لإظهار نفسها بمظهر القوة والمنتصر،وكل ذلك سيكون على حساب الاعتدال والوسطية فى العديد من الأمور،أهمها:العلاقات الحدودية المتأزمة مع دول الجوار, خاصة مع :السودان وجنوب السودان ومع إريتريا والصومال وكينيا وأوغندا  وغيرها ،وكذا فيما يخص قضية سد النهضة وأهمية التوصل لاتفاق قانونى ملزم مع كل من:مصر والسودان ،وذلك بوساطة إفريقية أو دولية ،المهم انها تراعى مصالح الأطراف الثلاثة وتحكم موضوع الملأ والتخزين بالنسبة لسد النهضة عبر السنوات الحرجة القادمة.                                                                                     
كما أن العلاقات المتوترة باثيوبيا مع دول الجوار لا يحمد عقباها خاصة مع السودان ومنطقة الحدود المشتركة مع "اقليم تيجراى"والتى كانت محل نزاع بل وحرب لسنوات عديدة ،ورغم الزيارات المتبادلة والود القائم لكن يزيد  التوتر من إرث الخصومة القائم بالأصل بين القوميات الإثيوبية كما حدث وتكرر بين قوميتى:الأمهرة والأورومو وهما أكبر وأهم القوميات فى اثيوبيا. كما أنه من الوارد تدهور العلاقات بين أطراف الاقليم من جراء تداعيات الصراع,ولقد قطعت اثيوبيا علاقاتها الدبلوماسية "مؤقتا"مع جنوب السودان من جراء الاتهامات المتبادلة بايواء قادة من قومية التيجراى لديها.              
                                                                                  
التأثيرات الاقتصادية والاجتماعية:
لاشك أنه توجد تاثيرات اقتصادية واجتماعية محلية وحتى اقليمية ودولية فلقد تأثرت حتى الصين وقد قالت بعض أجهزة الاعلام  إن النزاع السياسي-العرقي في إثيوبيا يشكل ضربة مؤلمة للمصالح الصينية في هذا البلد الإستراتيجي بشرق إفريقيا,والتى أصبحت في مهب الريح.المعروف أن  إثيوبيا قطبا أساسيا في إستراتيجية الصين المعروفة بـ: "الحزام والطريق"، أو "طريق الحرير"، الهادف إلى توسيع مجال نفوذ الصين عالميا بالاعتماد على تمويل الهياكل القاعدية في النصف الجنوبي من الكرة الأرضية وربط مصالح دول هذه الجهة من الكوكب بالمصالح الصينية. لذلك، استثمرت بكين أموالا ضخمة في إثيوبيا قبل أن تأتي التوترات المسلحة الأخيرة لتلقي بغموض كبير على آفاقها ومستقبل الإستراتيجية الصينية في هذا البلد.            
                                                                                        
وبشكل عام، تُقدَّر الأموال المستثمرة من طرف الصين في إثيوبيا إلى غاية الصيف الماضي بـ 2,7 مليار دولار، على الأقل، موزَّعة على 1500 مشروع، فضلا عن استيراد أديس أبابا معظم حاجاتها من الصين واقتراضها منها 16 مليار دولار، أى ما قيمته 50 بالمائة من الدَّين العام الإثيوبي.         
                    
لكل هذه الأسباب، فإن النزاع في إقليم تيجراي أضر بالصين أكثر من غيرها. وإذا كان اليأس من عودة الاستقرار قد يدفعها إلى تحويل وجهتها الاستثمارية نحو دول الجوار كجيبوتي، حيث تملك بكين قاعدة عسكرية كبيرة، وإريتريا، حيث تنجز مشروع طريق رئيسي، وأمهرة، وهي كلها محطات أخرى هامة في مشروع "الحزام والطريق" الصيني، إلا أن تمدد النزاعات المحلية لا يبشر بآفاق واعدة.  
                                   
ولقد طالت هذه الحرب ضمن ما طالت أيضا المستثمرين المصريين فى مدينة "ميكللى"عاصمة اقليم "تيجراى"وحيث أكد رئيس المنطقة الصناعية المصرية بإثيوبيا أن المستثمرين المصريين بمنطقة ميكللى في إقليم التيجراي بشمال إثيوبيا، يدرسون إقامة دعوى مؤقتة أمام التحكيم الدولي لحفظ حقوقهم من جراء الخسائر الفادحة التي لحقت بهم منذ اندلاع الحرب في ذلك الأقليم. وأدت الاضطرابات إلى توقف خطوط الإنتاج وبالتالي الإخلال بعقود التوريد الموقعة مع الموردين بالأسواق بالدول المجاورة، وهو ما يهدد بتحمل الشركاء المصريين خسائر عدم الالتزام بعقود التوريد..المعروف أن منطقة مكيلى بإقليم التيجراي بها العديد من المصانع الكبرى، منها استثمارات مصرية تقدر بنحو 10 ملايين دولار موزعة بين 10 مستثمرين مصريين، وأن المصنعين المصريين القائمين بتلك المنطقة أحدهما لإنتاج محولات الكهرباء والآخر لإنتاج الأثاث المكتبي، وأنهم يمتلكون عقود تخصيص الأرض موثقة من السلطات الأثيوبية..هذا وتبلغ الاستثمارات المصرية باثيوبيا عموما قرابة 2 بليون دولار.