الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

رمضان البيه يكتب: تأملات في القرآن الكريم (4)

صدى البلد

عزيزي القارئ توقفنا في المقال السابق عند نقطة الباء الأولية التي تشير كما يقول العارفين بالله تعالى إلى الذات المحمدية . فما هي حقيقة الذات المحمدية ولماذا ينكرها علماء الظاهر الواقفون عند ظاهر علوم الشريعة؟ وهل هي أول ما فتق الله تعالى بها رتق عوالم الخلق ومنها خلق الله عز وجل جميع عوالم الخلق؟ .

في البداية  لا بد أن نشير إلى علم الشريعة وعلم الحقيقة ..علم الشريعة هو العلم المتعلق بفقه العبادات والمعاملات والغاية منه استقامة الأبدان وحركة الإنسان في رحلة الحياة وتأهيل القلب على أثر التقوى والصلاح إلى استقبال النور الإلهي والفتح الرباني والذي يرتقي العبد على أثره من إيمان الاعتقاد الإيمان بالغيب إلى إيمان الشهود والتحقيق . يقول تعالى( إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون ) .. وعلم الحقيقة أو العلم الخاص الذي يخص الله تعالى به من يشاء من أهل الاجتباء والاصطفاء الإلهي وهو العلم اللدني الذي أي يفيض به الحق سبحانه وتعالى على قلب من يشاء من عباده وهو العلم الذي أشار إليه سبحانه في تعريف العبد الصالح سيدنا الخضر عليه السلام لسيدنا موسى عليه السلام  بقوله ( فوجدا عبدا من عبادنا آتيناه رحمة من عندنا وعلمنا من  لدنا علما )  ..

وهذا العلم لا يكتسب وإنما هو منحة إلاهية وعطاء رباني وهو عبارة عن إشراقات وتجليات بأنوار المعارف والحقائق والعلوم والأسرار والمكاشفات من الله عز وجل على قلب من يصطفي من عباده وصاحب هذا العلم يشار إليه بكلمة العارف بالله .هذا ومعلوم أنه علم خاص بالقلوب . هذا وعن ما يتعلق بالحقيقة المحمدية النورانية ليس كما يقول البعض أنها قبضة من نور الحق عز وجل قبضها منه وقال لها كوني محمدا .

لا شك أن هذا القول خطأ فإن الله تعالى لا يتجزء ولا يحل في شئ ولا يسري في شئ إذ أنه تعالى ليس كمثله شئ .وهو الإله الخالق وما سواه مخلوق له سبحانه وتعالى.. ولقد ذكرنا في المقال السابق أن الله تعالى موجود بذاته وأنه تعالى محب بذاته لذاته فأراد وأحب سبحانه أن يعرف  لقوله تعالى في الحديث القدسي ( كنت كنزا مخفيا فأحببت أن أعرف فخلقت الخلق فبي عرفوني ) .فتجلى جل جلاله  قديما قبل القدم حيث كان ولا شئ معه بذاته على ذاته بلا كيف فإنبثق  على أثر هذا التجلي نور . هذا النور هو جوهر الذات المحمدية وأصلها ومعدنها . وقلنا أنه تعالى أقام هذا النور بين يديه وتجلى عليه بأنوار حضرة ربوبيته تلك الحضرة الجامعة للأسماء الحسنى والصفات العليا وبدأ سبحانه في الصلاة عليه . ولقد أشار الله عز وجل إلى هذا النور في كتابه الكريم حيث قال تعالى مخاطبا عباده المؤمنين ( يا أيها الذين آمنوا قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين ) .وقلنا أن سر تقديم النور في الآية على الكتاب الكريم وهو القرآن كلام الله تعالى أن النور ذاتي والكتاب هو كلام الله تعالى والكلام صفة للمتكلم ولا تقدم الصفة على الذات فالصفة نعت والذات جوهر .نعود إلى الحديث عن الحقيقة المحمدية ..

سأل الصحابي الجليل سيدنا جابر رضي الله عنه سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله عن أول ما خلق الله تعالى فأجابه صلى الله عليه وسلم وعلى آله ( نور نبيك يا جابر ..وقال ( أنا نبي وآدم منجدل في طينته .. أنا نبي وآدم بين الماء والطين ولا فخر . أنا نبي ولا آدم ولا ماء ولا طين ولا فخر ) .من هنا نعرف أن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم وعلى آله له مظهر نوري له وجود مسبق قبل خلق أبو البشر سيدنا آدم عليه السلام  وأنه له صوره ومظهر بشري منسوبة لأبو البشر سيدنا آدم  عليه السلام.  هذا والنور المحمدي هو أعلى مظاهر عالم اللطيف وهو مظهر جامع لكل الأنوار ومنه وبه ظهر كل الأنوار في عالم الخلق فما من نور في الكون إلا وهو الأصل فيه . وهذا لا يتنافى من كون الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم وعلى آله عبد لله تعالى ولكنه ليس له نظير بين خلق الله تعالى..