الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

مصر وبريطانيا 2021.. شراكة استراتيجية شاملة وتحرير كامل للتجارة فى مرحلة ما بعد بريكست

صدى البلد

تستعد مصر والمملكة المتحدة لتدشين مرحلة جديدة من العلاقات فى مرحلة ما بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي أو ما يعرف بـ"بريكست" تبدأ أيضا مع أول أيام العام الجديد.


تعاون شامل في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، بالإضافة إلى تحرير كامل للتجارة تضمنتها اتفاقية تأسيس الشراكة بين البلديّن التى وقعتها مصر وبريطانيا مطلع الشهر الجارى بالقاهرة لترسمان من خلالها ملامح لعهد جديد من التعاون بين البلدين المرتبطين بشراكة استراتيجية طويلة الأمد، عهد يبدأ مع انفصال صعب لبريطانيا عن التكتل الأوروبى عقب المخاض العسير لمفاوضات استمرت ما يقرب من ٤ سنوات ونصف من تاريخ الاستفتاء الذى جرى فى ٢٠١٦.


وفي إطار العلاقات الاقتصادية الهامة التى تستند إلى تاريخ طويل من التعاون المشترك في مختلف المجالات التجارية والصناعية والاستثمارية، عكست الاتفاقية - التى وقعت بمقر وزارة الخارجية - اهتمام قيادتي البلدين بتعزيز التعاون الاقتصادي المشترك بهدف تحقيق نقلة نوعية في معدلات التجارة البينية والمشروعات الاستثمارية للشركات البريطانية في مرحلة ما بعد البريكسيت لاسيما وان المملكة المتحدة تحتل المرتبة الأولى، من حيث حجم المساهمة في الاستثمار الأجنبي المباشر بالسوق المصرية من خلال ١٦٣٠ شركة باستثمارات تبلغ ٥٫٤ مليار دولار تتركز غالبيتها في القطاع الصناعي.


وتحرص مصر على توطيد العلاقات مع بريطانيا، وهو ما أكد عليه الرئيس عبد الفتاح السيسي خلال جلسة المباحثات مع رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون بلندن فى يناير الماضى، حيث أشار إلى تطلع مصر لتعظيم التعاون الثنائي خلال الفترة المقبلة، وتعزيز التنسيق السياسي والأمني وتبادل الرؤى بشأن مختلف الملفات ذات الاهتمام المشترك، كما أعرب عن التطلع لمزيد من الانخراط لبريطانيا في أولويات خطط التنمية المصرية بمختلف المجالات، فضلًا عن العمل على مضاعفة حجم الاستثمارات البريطانية في مصر ودفع عجلة التعاون الاقتصادي بين الجانبين، خاصةً في ضوء الإصلاحات التي دشنتها الحكومة المصرية لتحسين مناخ الاستثمار والأعمال في مصر، وكذلك الفرص الواعدة المتاحة بالمشروعات القومية الكبرى.


حرص من جانب لندن على الارتقاء بالعلاقات الثنائية مع مصر وإدراكا وتقديرا لدور مصر المحوري والفاعل كمركز ثقل وحجر زاوية لاستقرار الشرق الأوسط والقارة الأفريقية عبر عنه جونسون خلال اللقاء مع الرئيس السيسي.


كما يحرص الجانبان على التنسيق المشترك فيما يتعلق بالقضايا الإقليمية والمحلية محل الاهتمام المشترك، وهو ما تعكسه الزيارات المتبادلة بين مسئولى البلدين والاتصالات المتواصلة بين قيادتى البلدين.


وعلى مستوى وزيرى الخارجية، تجرى اتصالات مكثفة بين الوزير سامح شكري ووزير الخارجية وشئون الكومنولث والتنمية البريطاني "دومينيك راب"، والتى تركز فى مجملها على المسارات المختلفة التي يمكن العمل عليها لتعزيز آفاق التعاون الثنائي، ولا سيما تكثيف التشاور السياسي والعمل على زيادة التبادل التجاري، وكذا التعاون في المجال الاقتصادي والقطاع السياحي، بما يخدم المصالح المُشتركة للدولتيّن الصديقتيّن بالإضافة إلى بحث العديد من الأزمات التى تشهدها منطقة الشرق الأوسط، فضلا عن قضيتى الإرهاب والمناخ.


وفى ظل ما يشهده العالم من تداعيات وباء جائحة "كورونا المستجد"، يؤكد الوزيران خلال اتصالاتهما أهمية التنسيق وتكثيف الجهود من أجل الحد من التداعيات الصحية والاقتصادية والاجتماعية للفيروس خلال الفترة المقبلة.


ووقعت حكومة جمهورية مصر العربية وحكومة المملكة المتحدة لبريطانيا العظمى وأيرلندا الشمالية، بمقر وزارة الخارجية في القاهرة فى الخامس من الشهر الجارى اتفاقية تأسيس الشراكة بين البلديّن (اتفاقية المشاركة المصرية البريطانية).


وتضع الاتفاقية - المتوقع أن تدخل حيز النفاذ اعتبارًا من أول يناير ٢٠٢١ عقب خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي - الإطار العام للعلاقات بين الدولتيّن في مختلف المجالات وتعكس الاهتمام بتعزيز جميع أوجه التعاون بينهما والارتقاء بها لآفاق أوسع بما يعظم من مصالحهما المُتبادلة.


وتشكل الاتفاقية الجديدة إطارًا هامًا لضمان استمرار المعاملة التجارية التفضيلية لمنتجات البلديّن، حيث تتضمن ذات المزايا التجارية التي توفرها اتفاقية المشاركة المصرية الأوروبية التي سيؤدي خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي إلى انتهاء أثرها بالنسبة للجانب البريطاني.


كما توفر الاتفاقية، ومن أجل هذا الغرض، المشاركة المصرية البريطانية تحريرًا كاملًا للتجارة بين الدولتيّن في المنتجات الصناعية ومعظم السلع الزراعية والمنتجات الغذائية والأسماك ومنتجاتها، مع استثناء بعض السلع الزراعية التي ستكون خاضعة لحصص كمية تحددها الاتفاقية وتعتبر كافية لاستيعاب نسبة كبيرة من صادرات الطرفين.


وتعهد الجانبان في إطار الاتفاقية الجديدة بالعمل سويًا لتحقيق قدر أكبر من التحرير للتجارة في السلع الزراعية خلال الفترة القصيرة القادمة، بالإضافة إلى تعزيز التعاون المُشترك بين السلطات الجمركية في البلديّن بهدف التخلص من الممارسات التي تعرقل حركة التجارة، وكذلك العمل على زيادة تدفق رؤوس الأموال والخبرات والتكنولوجيا البريطانية إلى مصر.


خطوات عدة تهدف إلى تعزيز التعاون الاقتصادي بين البلدين شهدها عام ٢٠٢٠ الذي أوشك على الرحيل، حيث اتفقت الدكتورة رانيا المشاط، وزيرة التعاون الدولى، وألوك شارما، وزير الدولة للتنمية الدولية للمملكة المتحدة، فى يناير الماضى، على بيان مشترك لتعزيز التعاون الاقتصادي بين البلدين، وذلك على هامش قمة الاستثمار البريطانية الأفريقية.


ونص البيان المشترك على دعم المملكة المتحدة لمصر في تعزيز الشراكات الثنائية ومتعددة الأطراف مع شركاء التنمية والحكومات وصانعي السياسات الاقتصادية الدوليين والقطاع الخاص والمجتمع المدني لتحقيق أجندة التنمية الوطنية 2030، اتساقا مع أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة.


وأكد البيان تطلع مصر والمملكة المتحدة، إلى الارتقاء بالتعاون الاقتصادي لتنفيذ رؤية مصر 2030، التي تتوافق مع أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة، حيث ستقدم المملكة المتحدة المساعدة الفنية في بناء القدرات اللازمة لمساندة الإصلاحات الهيكلية المطلوبة لفتح المجال أمام تنمية القطاع الخاص لتحقيق النمو الاقتصادي الشامل، وستسعى مصر والمملكة المتحدة إلى النهوض بالتعليم والرعاية الصحية وتعزيز التجارة والاستثمار.


ويشمل ذلك، إعلان المملكة المتحدة تقديم 13 مليون جنيه إسترليني لمصر بهدف تحقيق النمو الاقتصادي الشامل والتنمية الاجتماعية وتمكين الشباب، وذلك من خلال دعم الفئات الأكثر احتياجا وتطوير بيئة الأعمال، كما ستقدم المملكة المتحدة منحا بقيمة 3 ملايين جنيه إسترليني لدعم الشمول المالي، وبالإضافة إلى ما يقرب من 8 ملايين جنيه إسترليني لزيادة فرص العمل للشباب عبر دعم تطوير منظومة التعليم العالي واستحداث برامج بناء القدرات.


وسيعمل البلدان معًا على إعداد الدراسات الفنية ودراسات الجدوى لعدد من مشروعات البنية التحتية المستدامة بهدف زيادة مشاركة القطاع الخاص في تلك المشروعات، وستدعم المملكة المتحدة جهود جمهورية مصر العربية في تطوير برامج الربط الإقليمي مع الدول الأفريقية، والتي تهدف إلى تعزيز مكانة مصر كمركز إقليمي للتجارة الدولية والطاقة، وبهدف دعم التعاون الثلاثي بين جمهورية مصر العربية والمملكة المتحدة والدول الأفريقية، وترحب مصر والمملكة المتحدة بالمناقشات الجارية، والتى تهدف إلى إبرام اتفاق شراكة استراتيجية فى مجال التجارة، لتكون الاتفاقية حجر الأساس لتعزيز العلاقات التجارية المستقبلية بين البلدين، وتلتزم جمهورية مصر العربية والمملكة المتحدة بالعمل سويا على مواجهة التحديات التي تحد من تفعيل اليات السوق الحالية وفتح أسواق جديدة وزيادة الاستثمارات في مجالات الرعاية الصحية والتعليم بهدف زيادة وخلق فرص العمل وتوفير خدمات بجودة متميزة للمواطنين.


وأشار البيان إلى قيام مصر والمملكة المتحدة بتعزيز التعاون القائم بينهما في مجال التنمية المستدامة والبيئة، ويأتي ذلك في إطار تحقيق خطة التنمية المستدامة لعام 2030 والاتفاقية الإطارية المبرمة مع الأمم المتحدة بشأن تغير المناخ.


وأكد البيان اعتزاز مصر وبريطانيا بالشراكة الاقتصادية القوية واسعة النطاق، القائمة بينهما، حيث قدمت المملكة المتحدة أكثر من 50 مليون جنيه إسترليني خلال الفترة ما بين عامي 2016 و2020 لدعم التنمية الشاملة والمستدامة في مصر، بالإضافة إلى ضمانها تمويل من البنك الدولي مقدم لمصر بقيمة 150 مليون دولار أمريكى لدعم الاصلاحات الاقتصادية في مصر.


وتركز المساهمة البريطانية على تحقيق النمو الاقتصادي الشامل والتعليم وتمكين الشباب والتنمية الاجتماعية والتعاون الإقليمي، ويشمل ذلك 12 مليون جنيه إسترليني مخصصة لدعم إصلاحات التعليم الأساسي في مصر مع استهدف المناطق الأكثر احتياجا.


وقدم برنامج تشيفنينج للمنح الدراسية في المملكة المتحدة 50 منحة دراسية ممولة بالكامل سنويًا لأصحاب التخصصات المهنية من الشباب المصري للحصول على شهادات عليا من المملكة المتحدة، واستفاد من البرنامج أكثر من 1300 طالب مصري منذ تفعيلة في مصر، وتقدم مصر وبريطانيا تمويلًا مشتركًا لدعم الشراكات في مجال الابتكار والبحث العلمي، وذلك من خلال صندوق نيوتن، مشرفة البالغ تكلفته 50 مليون جنيه إسترليني، وتم تفعيل أكثر من 80 شراكة بين مؤسسات التعليم العالي البريطانية والمصرية، وأصدرت مصر سندات حكومية في بورصة لندن بقيمة 22 مليار دولار أمريكي.


وتعد المملكة المتحدة من أكبر الدول من حيث حجم الاستثمار المباشر فى مصر، حيث تبلغ قيمة استمارات الشركات البريطانية 48 مليار دولار أمريكي في جميع القطاعات الأقتصادية شاملة قطاعات النفط والغاز والاتصالات والأدوية والسلع الاستهلاكية سريعة التداول.


وقد أطلقت جمهورية مصر العربية والمملكة المتحدة منتدى المستثمرين البريطانيين لتشجيع الاستثمار في مصر، وأعلنت وكالة تمويل الصادرات البريطانية هذا العام – وهى الوكالة المسئولة عن قروض الصادرات البريطانية - عن زيادة حد الائتمان لجمهورية مصر العربية إلى مبلغ 1.25 مليار جنيه إسترليني، وتقوم المملكة المتحدة بتمويل برامج تدريب لأصحاب التخصصات الطبية ودعم التأمين الصحي الشامل في جمهورية مصر العربية، ونجحت في تأسيس أربع شراكات استراتيجية بين مؤسسات الرعاية الصحية المصرية والبريطانية.


وفى ظل التحديات والتطورات المتلاحقة التى يشهدها العالم جاء تدشين الشراكة المصرية البريطانية الجديدة ليرسم خطوط المستقبل ومرتكزاته فى علاقات البلدين بشكل تأمل القاهرة ولندن أن يصب فى مصلحة الشعبين والإسهام بشكل أكبر فى معالجة العديد من القضايا الاقتصادية والسياسية والصحية والبيئية التى تشهدها المنطقة والعالم.