الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

ماذا وراء اتفاق الشراكة الصيني ـ الإيراني؟

حظي الاتفاق الاستراتيجي الذي وقعته إيران والصين مؤخرًا باهتمام دولي ملحوظ، حيث ينظر إليه الكثير من الخبراء والمتخصصين باعتباره إشارة على محور دولي جديد يتشكل في مواجهة النفوذ الأمريكي.

وقد تم توقيع الاتفاق في طهران بحضور وزير الخارجية الصيني وانغ يي بمناسبة الاحتفال بالذكرى الخمسين لتأسيس العلاقات الدبلوماسية بين إيران والصين، وأكدت الصين خلال هذه الزيارة على مواقفها بشأن القضايا التي تهم الجانب الايراني، و أوضح الرئيس حسن روحاني أن التعاون الإيراني الصيني بهدف "تنفيذ الاتفاق النووي وإلزام الدول الأوروبية بتعهداتها المنصوصة في الاتفاق، يحظى بأهمية كبيرة ومن شأنه أن يؤدي إلى تغيير في الظروف الراهنة للاتفاق النووي"، بينما أشار وزير الخارجية الصيني إلى ضرورة تنفيذ الاتفاق النووي "بكافة بنوده"، لكونه وثيقة متعددة الجوانب والأطراف؛ واصفًا انسحاب واشنطن من هذا الاتفاق بانه انتهاك للقوانين والضوابط الدولية، كما أكد الوزير الصيني على دعم بلاده لمباردة هرمز للسلام التي طرحتها إيران لترسيخ الاستقرار على صعيد المنطقة.

الاتفاق أو "خطة التعاون الشامل" التي تؤطر العلاقات الايرانية الصينية  للسنوات الخمسة والعشرين المقبلة، كما قال المسؤولون الايرانيون، ليس جديدًا كليًا إذا نظرنا إليه من زاوية علاقات الشراكة الاستراتيجية الشاملة التي تقيمها الصين مع الكثير من الدول ذات الثقل والتأثير المتنامي، ومن بينها دولة الإمارات والمملكة العربية السعودية وغيرهما، وبالتالي فإن بعض التحليلات التي تنظر للاتفاق باعتباره نسخة من صيغة التحالف الأمريكية ـ

 الإسرائيلية لا تطابق الواقع كثيرًا، سواء لأن الصين لن تقع مبكرًا في فخ التحالفات الحادة التي تضعها في عداء مع دول واقتصادات صاعدة، أو لأن هناك تباينات واختلافات كثيرة بين النموذجين تجعل التطابق بينهما مسألة غير واقعية بالمرة، لاسيما أن هذه التحليلات تنطلق من افتراض أن الاتفاق يتضمن جوانب شراكة أمنية وعسكرية بين إيران والصين، وهذا ما لم تؤكده التقارير والتصريحات الرسمية، فضلًا عن أن وجود مثل هذه الشراكة لا يعني أنها بقوة التحالف الأمريكي الاسرائيلي، خصوصًا ان الصين لن تجازف بإغضاب شركائها الشرق أوسطيين، ومنهم اسرائيل ذاتها ، ببناء تحالف عسكري مع العدو اللدود للأخيرة. ولكن من الضروري الإشارة إلى أن أهمية هذا الاتفاق الرئيسي.


 

من وجهة نظري ـ  لا تنطلق من مقارنته بالشراكات الصينية مع الدول الأخرى ولكن من أهميته بالنسبة لنظام الملالي الايراني، حيث يمنحهم "قبلة الحياة" التي يحتاجونها في ظل الضغوط الأمريكية الراهنة ويعزز موقفهم التفاوضي في أي جولات تفاوضية مقبلة، فالتقارير والتسريبات الاعلامية تشير إلى أرقام ضخمة في مستويات التعاون الثنائي المتفق عليها بين الصين وإيران، إذ تشير التقارير إلى أن بكين ستضخ 280 مليار دولار استثمارات في صناعة النفط والغاز الإيراني بالاضافة إلى 120 مليار دولار في قطاع النقل والبنية التحتية والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات ناهيك عن ضمان تصدير النفط الايراني ولو بأسعار مخفضة لمدة ربع قرن، وهذا كله ربما يفسر التشدد الايراني الملحوظ في رفض عروض الحوار الأمريكية حتى الآن ما لم ترفع إدارة الرئيس بايدن العقوبات المفروضة على إيران أولًا. 

بعض المراقبين اعتبروا أيضًا أن هذا الاتفاق، يمثل ردة فعل إيرانية على فشل الملالي في التوصل إلى اتفاق مع إدارة الرئيس بايدن بشأن العودة للاتفاق النووي ورفع العقوبات الصارمة، ولكن الواقع يؤكد أن هذه الاحتمالية ليست دقيقة لأسباب عدة أهمها أن هذا الاتفاق يجري التشاور بشأنه بين بكين وطهران منذ فترة طويلة، ولا علاقة له بأزمة الاتفاق النووي، وإن كان له علاقة وثيقة ومؤكد برسم التحالفات القائمة دوليًا، ورغبة ملالي إيران في توظيف تحالفهم مع الصين وروسيا من أجل التصدي للضغوط الأمريكية.

ولكن ماسبق لا ينفي أن الاتفاق قد يمثل "ركيزة" استراتيجية مهمة توفر الغطاء اللازم لحماية الملالي في مؤسسات الأمن الجماعي الدولية، وفي مقدمته بطبيعة الحال مجلس الأمن، كما أنه يمثل موضع قدم صيني مهمة في منطقة الخليج العربي، حيث يعتقد أن الصين لا تنظر إلى علاقاتها مع ملالي إيران بمعزل عن علاقاتها الاستراتيجية القوية مع دول الشاطئ الآخر من الخليج، بمعنى أن الصين ترى في مجمل علاقاتها عبر ضفتي الخليج ضمانة مهمة لتأمين مصادر الطاقة التي يحتاجها الاقتصاد الصيني بشدة، فضلًا عن عوائد التصدير والتجارة (طريق الحرير الجديد ودور دول مجلس التعاون فيه) التي تمثل أحد أهم مصادر القوة المتنامية للتنين الصيني.

الاتفاق في مجمله يعكس توجهًا استراتيجيًا صينيًا جديدًا، بالتخلي عن الحذر في التعامل مع شبكة تحالفاتها الدولية، وطي صفحة القلق من إغضاب القوى الغربية، إذ يجب أن نتذكر هنا أن الصين كانت ضمن الدول التي التزمت بالعقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة في السابق على إيران، وهذا عائد بالأساس إلى ارتفاع مستوى التحدى القادم من الغرب باتجاه تنامي النفوذ الصيني عالميًا، حيث باتت الولايات المتحدة تنظر بشكل أكثر جدية في التصدي لهذا النفوذ، مايدعو بكين بالتبعية إلى ضرورة مراكمة مصادر وموارد القوة والمكانة والنفوذ عالميًا، ومن ذلك شبكة التحالفات، والأمر لا يقتصر على إيران، فوزير الخارجية الصيني قام بجولة شملت ست دول شرق أوسطية، وتبني مبادرة غير مسبوقة بالنسبة للدور الصيني عالميًا بالاعلان عن نية بلاده دعوة الجانبين الفلسطيني والاسرائيلي لعقد مباحثات مباشرة في بكين، مايعكس رغبة صينية في ترجمة النفوذ والمكانة الاقتصادية إلى دور سياسي / استراتيجي ينخرط في البحث عن حلول لأزمات في منطقة وقضايا ظلت لعقود وسنوات طويلة حكرًا على النفوذ الأمريكي.

هذا الاتفاق الذي رأت فيه صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية، " نموذجًا يدل على اتحاد خصوم الولايات المتحدة لتعزيز طموحاتهم الاستراتيجية"، يجب أن يُدرس جيدًا من جانب دوائر الحكم والسياسة والمراكز البحثية في منطقتنا، فرغم أن من المبكر الحديث عن صراع مصالح ونفوذ بين الولايات المتحدة والصين في منطقة الشرق الأوسط تحديدًا، فإن هذا الاتفاق يوفر مؤشرات قوية بشأن توازنات القوى الدولية في مرحلة ما بعد كورونا وموقع الصين في هذه التوازنات، وهو مايجب الانتباه إليه، بحيث يؤخذ بالاعتبار في علاقات دول مجلس التعاون المهمة للغاية مع القوة الصينية الصاعدة.

المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط