الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

منى زيدو تكتب: ليس دائماً «السكوت علامة الرضى»

صدى البلد

كثيرة هل العادات والتقاليد وحتى الحكم والمجتمعية التي تقيد الانسان وتجعله حبيس أو أسير لما هو مفروض عليه أو يتقبلها وكأنها من المسلمات والبديهيات. هكذا كانت معظم الأحيان حياتنا تسير وفق ما تم تربيتنا عليه منذ كنا صغاراً وكأنها قوانين لا يمكن الخروج عنها لأسباب كثيرة وأهمها العادات المجتمعية التي لطالما كانت أشد وطأة على الانسان من القوانين الوضعية.

لربما كانت هذه العادات والتقاليد هي من أحد الأسباب التي حافظت على وجود المجتمعات على قيد الحياة نوعاً ما ووصل إلى ما نحن فيه وعليه، لكن بكل تأكيد ليس كل ما وصلنا من الأجداد قابل للتطبيق في حاضرنا بكل حذافيره من غير تطويره أو حتى نقده. الحفاظ على تلك العادات أمر ربما يكون له حسناته وايجابياته ولكنه بنفس الوقت يحمل بين طياته السلبيات والمساوئ، التي قد تنقلب إلى آفة تهدد حتى كينونة المجتمع وماهيته، التي بالأصل تشكلت من أجل الحفاظ على أمن واستقرار العائلة ومنها المجتمع.

في عالمنا الذي نعيشه وبالنظر إلى التطور التقني والتكنولوجي وخاصة الرقمي منه، يفرض علينا الكثير من الأمور التي ينبغي إعادة النظر بها، وخاصة إن أهملنا تطويرها وفق التطور الذهني للإنسان. عملية التطور هذه مرتبطة بشكل وثيق بتطور الفكر الإنساني الذي هو غاية الحياة ومعناها. فما فائد أي تطور تكنولوجي ومعلوماتي إن أصر الانسان على الارتباط بمعلومات قديمة غير مناسبة لما نعيشه في وقتنا الراهن. وللاستفادة من هذه التطورات ينبغي علينا تطوير الكثير من الثقافات والموروثات الثقافية من عادات وتقاليد ورثناها من أجدادنا منذ مئات أو آلاف السنين، وعمل حالة من التوافقية أو المواءمة بينهما للاستفادة القصوى منها في حياتنا اليومية. وإلا، إذا قبلنا التطورات التقنية تلك والرقمية على وجه الخصوص وفق عقليتنا الدوغمائية المتحجرة التي لا زالت تعيش حالة الفترات والعصور القديمة، هنا تكون كافة سلوكياتنا متناقضة مع بعضها البعض وتتصارع فيما بينها ونعيش صراع القديم مع الجديد وربما يكون من نتائجه صراع الأجيال الذي نراه بكل تفاصيله في سلوكياتنا نحن كأمهات وبين أولادنا.

صراع الأجيال هذا إن لم يتم تجاوزه بالعقل والمنطق والصبر، ربما يخلق معه فجوة وهوة كبيرة سيؤدي في النتيجة إلى التفكك الأسري والعائلي وهو ما نعايشه في حياتنا الآن. هذا التفكك ربما بدأ من الأبوين بحدِ ذاتهما وصراعهما المستمر ما بين الزوج الذي يصر على الحفاظ على تفوقه وقوته وقوّامَته الذكورية المالية وبين الزوجة التي بدأت تفهم وتدرك الحياة نوعاً ما وأنه ليس هناك ملكية خاصة ضمن مؤسسة العائلة بقدر ما هي حياة ندية وتشاركية ما بين طرفين يكمل ويتمم بعضمها البعض. هذا الصراع ولو كان بأساليب مختلفة سينتقل للأولاد الذين يتعلمون في مدرستهم الأولى أي ضمن البيت تجارب الحياة التي ستعطيهم الدروس والعبر في حياتهم المستقبلية. صراع لا زال مستمراً وربما سيستمر ما دامت العقلية هي هي لم تتغير وجوهرها هو الصراع على السلطة ضمن العائلة الآيلة للتفكك والتشتت بكل الأحوال.

السكوت على الخطأ ليس دائماً يكون أحد علامات الرضى. فربما يكون تأجيل الصراع او الانفجار لحين ووقت لاحق ليس إلا. وهي بما معناه إدارة أزمة ضمن العائلة حفاظاً على تماسكها الشكلي على حساب سعادة العائلة بحدِ ذاتها. وقد تكون العادات والتقاليد من الأسباب المؤدية لهذا المنطق من سياسة إدارة الأزمة التي تقيد على الأكثر الزوجة أو الأم، لكثرة القوانين المجتمعية التي تقيدها والتي تربطها بمئات الأغلال، وباعتبار تلك العادات علَّمت المرأة السكوت والصمت على كل مساوئ الرجل، لأنها هي فقط المطلوب منها التضحية بكل شيء من أجل سعادة الرجل الأغا والبيه والأفندي و "ربّ" العائلة.

ليس دائما السكوت علامة الرضى والفرحة والسعادة. بل ربما يتحول هذا السكوت إلى طريق يتم تعبيده على مدار الأيام إلى يوصل صاحبه إلى جهنم ليس فقط عليه، بل على كافة أفراد الأسرة. ويتحول السكوت إلى تراكمات نفسية لدى الانسان تؤدي في النهاية إلى أن يأكل الانسان نفسه داخلياً ويتعايش مع أمراضه النفسية والبيولوجية وكأنها جزء من حياته، أو أن ينفجر في بعض الأحيان ليتحول إلى انسان منبوذ اجتماعياً يتم فرض الطاعة العمياء عليه ثانية من قبل الآباء حفاظاً على العادات والتقاليد المجتمعية، أو أن يتحرر من هذا السكوت ليعلن بركان الغضب على كل ما هو قميئ من عادات ويعيش في عالم لا يرحم ولا رحمة فيه سوى رحمة الله التي وسعت السموات والأرض، ربما.