الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

«التراث والتجديد مناقشات وردود».. الأزهر يسلط الضوء على كتاب الإمام الأكبر

شيخ الأزهر
شيخ الأزهر

 سلط مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية، الضوء على كتاب «التراث والتجديد مناقشات وردود» ، والذي صدرت طبعته الأولى عام 2013م، لفضيلة الإمام الأكبر الأستاذ الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر (1365هـ - 1946م).

 

مؤلف الكتاب في سطور 

▪️ولد فضيلة الإمام أحمد محمد أحمد الطيب الحسَّاني بقرية القُرنة غرب مدينة الأقصر في الثالث من صفر لعام: 1365هـ الموافق للسادس من يناير لعام: 1946م، لأسرة عريقة شريفة مشهورة بالعلم، والصلاح، وينتهي نسبه إلى سيدنا رسول الله ﷺ.

وتربَّى في ساحة والده الشيخ محمد الطيب -رحمه الله-، وحَفِظ القرآن الكريم في صغره، وأتقن العديد من المتون العلميَّة على الطريقة الأزهرية الأصيلة.

 

▪️التحق بعد ذلك -حفظه الله- بمعهد إسنا الديني، ثم بمعهد قنا الديني، ثم بشُعبة العقيدة والفلسفة بكلية أصول الدين بالقاهرة، وتخرَّج فيها بتفوق عام: 1969م، ثم عُيَّن معيدًا بالكلية.

وحصل فضيلته على درجة الماجستير شعبة العقيدة والفلسفة، عام: 1971م، ثم على الدكتوراه من الشعبة نفسها، عام: 1977م.

 

▪️في عام 1977م عام سافر إلى فرنسا وظل بها مدة ستة أشهر في مهمة علميَّةٍ إلى جامعة باريس، وهو يُجيد اللغةَ الفرنسية إجادةً تامَّةً، ويترجم منها إلى اللغة العربية.

▪️ثم حصل على درجة أستاذ بالكلية، عام: 1988م، وانتُدِب عميدًا لكلية الدراسات الإسلامية والعربية للبنين بمحافظة قنا، عام: 1990م، ثم عميدًا لكلية الدراسات الإسلامية بنين بأسوان، عام: 1995م.

 

▪️ودرَّس فضيلته في عددٍ من جامعات العالم الإسلامي في الرياض، والدوحة، والعين، وإسلام آباد، وعُيِّن عميدًا لكلية أصول الدين بالجامعة الإسلامية العالمية بباكستان، في العام الدراسي 1999/ 2000م.

▪️ثم عُيِّن مفتيًا لجمهورية مصر العربية من مارس 2002م، حتى سبتمبر 2003م، فرئيسًا لجامعة الأزهر، من سبتمبر 2003م، حتى مارس 2010م.

▪️وفي مارس 2010م تولى فضيلته إمامة مشيخة الأزهر الشريف.

 

▪️ولفضيلة الإمام مؤلفات عديدة، وأبحاث منشورة في مجلات علمية مُحكَّمَة، بالإضافة لتحقيقاته، وترجماته من الفرنسية للعربية.

▪️وقد نال فضيلته عددًا كبيرًا من الجوائز والأوسمة والدكتوراة الفخرية من عدد من دول العالم، واختير غير مرة كأفضل شخصية إسلامية مؤثرة؛ تقديرا لجهوده في خدمة الإسلام والمسلمين.

وما سبق ترجمة مختصرة لفضيلة الإمام الأكبر في سطور مضيئة، اكتفينا بها؛ لضيق المقام عن ذكر تفاصيل حياته ومنجزاته حفظه الله تعالى، وبارك فيه، ومتَّعه بالصحة والعافية.

 

بين يدي الكتاب

إنه في الخامس من ربيع الأول لعام 1434م، الموافق للسابع عشر من يناير لعام 2013م حرر فضيلة الإمام الأكبر مقدمة هذا الكتاب الرصين الذي بلغت صفحاته 140 صفحة.

في بداية الكتاب وضع المؤلفُ يدَ القارئ على أهم طرق التعامل الواقعي إزاء قضية التراث والتجديد، وبين الرؤية الوسط التي تبناها هو، وتبناها الأزهر الشريف على مدار عقود؛ مقررًا أن الوسطيين في هذا الشأن هم الذين آمنوا بثوابت التراث، ونادوا بالحفاظ عليها، ونظروا إلى متغيراته بعين الاحترام والتقدير، ولكن في إطار تبديلاتها وتحوّلاتها التاريخية حسب تطوّر الظروف، وتقدّم العصور، وطروء المُستجدات، دون تقييد عصرنا بمتغيرات عصور لا تُلبّي حاجاته، وإنما فتحوا لمواكبة العصر باب الاجتهاد.

 

ولخّص في هذا المقام أهم طرائق التعامل الخاطئة مع قضية التراث والتجديد، وقسمها إلى مدارس أربع:

▪️مدرسة جرّدت التراث من أخصّ خصائصه التي هي «قداسة النص»، واستبدلت ذلك بما يسمى عند أصحاب هذه المدرسة بـ«تفكيك المُقدّس».

▪️مدرسة حصرت التراث أصولًا وفروعًا في فترة تاريخية منتهية، وهم أصحاب مذهب «تاريخانية النص».

▪️ومدرسة أحالت التراث برمّته إلى أصول مادية، ليسلك به في درب المذاهب المادية، التي تتوقف عند حدود المحسوس، ولا تعترف بما وراء العالم المادي.

▪️ومدرسة لجأت إلى تطبيق علم «الهيرمينوطيقا» في تفسير النص القرآن وتأويله، ونادت بأن فهم النص غير ثابت ولا نهائي، لا فرق في ذلك بين النص الأدبي والنص الديني.

 

ثم سلط الضوء على الصراع الدائر والمفتعَل أحيانًا حول قضية التراث والتجديد باستخدام عناوين براقة جذابة لتزيين بدائل للتراث أحيانًا، أو مُنفّرة منه أحيانًا أخرى؛ كل ذلك بغرض حبسه -كلامًا وأمثلة ومنهجًا- داخل زمنه، وإهالة التراب على منهجه الذي واكب عصره، وكوّن حضارةَ زمنه، والذي يمكن الاستفادة منه -أعني المنهج- في التعاطي بإيجابية مع عصور جديدة سواء بالخطوات نفسها أو بخطوات جديدة تناسب الواقع الجديد ومُعطياته.

 

تعرض الإمام بعد ذلك إلى اتجاهات التجديد في التراث، وعرض طرفًا من تباينها، الذي ذهب من النقيض إلى نقيضه الآخر، لا بين الأيديولوجيات المتعارضة فحسب، بل بين التوجيهات المختلفة في النظرية الواحدة، بل في تناقضات الكاتب الواحد أحيانًا.

 

ثم عرَّج على المدرسة السورية ثم المغربية المنادية بتجديد التراث، ثم تعرض للمدرسة المصرية المنادية بالتجديد، والتي لا ترى التراث كتبًا ولا مخطوطات، ولا تراه حقائق مجردة مستقلة تُتلقّى من مصدر يتعالى على مستوى واقعنا، وإنما ترى أنه «المخزون النفسي للجماهير» وبهذا يتسع مفهوم التراث، ويستوي فيه الدين والفنون الشعبية، بهدف تحطيم الحواجز الفاصلة في نفوس الجماهير بين جانب مقدس، وجانب لا يحظى بأية صورة من التقديس، وإن حظي باهتمام الجماهير ولهوها ليل نهار.

 

وإذا نظرنا إلى علاقة التراث بالواقع عند هذه المدرسة لوجدنا أنها تقرر أصالة الواقع وتبعية التراث له، وهو تقرير يفرغ التراث من دلالة اسمه على معناه، أو بالأحرى تقول: إنه لا قيمة للتراث، وإنّ لكل واقع تراثه، هذا إنْ صح أن يُسمَّى نتاج واقعنا المعرفي تراثًا أصلًا.

ثم انتقل إلى ما قررته هذه المدرسة من إثارة الشبهات حول القرآن الكريم وأسباب نزوله بما يعضد قولها: إن الوحي تابع للواقع الذي نزل فيه.

 

عرض المُؤلّف تناقض هذا الرأي، وما بذله كُتَّاب هذه المدرسة من جهد مضنٍ في إثبات هذا بشكل يصيب القارئ المتتبع لعلاقة الوحي بالواقع -كما قرروها- بحالة من الدّوار، ثم تابع بيان تناقص الفكرة في نصوص صريحة تنفي بعد إثبات، ثم تثبت بعد نفي.

ثم تحدث عن أثر التراث القديم في حياتنا المعاصرة كما يراه دعاة تجديد التراث، وناقش أطروحاتهم، وبيَّن خلطهم، وخطأهم، وتنكّرهم للإيمان بالقضاء والقدر، والبعث، حينما وصفوا هذه المعتقدات بأنها الجراثيم الحقيقية للأمراض المعاصرة في المجتمع الإسلامي والجماهير المسلمة.

 

ثم تناول الإيمان والإلحاد في التراث والتجديد؛ مؤكدًا تأثير العقائد في النفوس والسلوك، وأنها هي باعث العمل، ورادًّا على الطرح المضاد لذلك ممن يقدمون أنفسهم على أنهم دعاة تجديد.

 

وانتقل بعد ذلك إلى الحديث عن تبرير الإلحاد وقبوله كأداة من أدوات التجديد ما دام يحقق مصالح الواقع من تحرير الأرض، أو تصنيعٍ، أو توفيرٍ للقمة العيش، في صورة فجّة لتشويه معاني الدين، والتَّنكر للإيمان، والابتعاد عن معنى التجديد بل وتشويهه.

 

وناقش العديد من الأفكار المطروحة كأدواتٍ من أدوات التجديد في طرف الغلو والإفراط، كتجاوز اللغة العربية، ومصطلحاتها الشرعية كالواجب والحلال والحرام.

 

وتحت عنوان «تعقيب» ختم الإمام الأكبر -حفظه الله- بحثه الماتع؛ مُقررًا العديد من النقاط التي تلخص قضية التجديد، وتُبين أهم معالهما.

 

اقتباسات

▪️إن ما ننشده اليوم من تحديث للعقل العربي، وتجديد للفكر الإسلامي يتوقف ليس فقط على مدى استيعابنا للمكتسبات العلمية والمنهجية المعاصرة، بل أيضًا -ولربما بالدرجة الأولى- على مدى قدرتنا على استعادة نقدية ابن حزم، وعقلانية ابن رشد، وأصولية الشاطبي، وتاريخية ابن خلدون.

 

▪️التراث يؤخذ منه ويرد عليه: يُؤخذ منه ما يكون ثقافة تقبل أن نعيشها الآن، ويُرد ما كان منه ثقافة لصيقة بالعصر الذي أنتجها وسوغها، وارتبطت به ارتباطا وثيقًا، ولم تعد الآن من هموم هذا العصر أو صوالحه.

 

▪️وسؤالنا الذي يفرض نفسه هنا هو: إذا كان التراث الإسلامي ينتج مجتمعًا عاجزًا منافقًا، أو يُبتلع فيه الفرد في علم التوحيد، أو يفنى في التصوف، ويُمحَق في الشريعة، ويُحاصَر في الفلسفة، فكيف غدا -في فترة لاحقة- عنصرًا مُكوِّنًا من عناصر الحضارة الغربية، ورافدًا من روافدها في إبداع الفلسفة والعلم.

 

▪️ويقتضي واجب الإنصاف أن نقول: إن طائفة من كبار مفكرينا الأصلاء نظروا إلى التراث نظرة شديدة التوازن، وتنبهوا إلى أن إغفال تراثنا العقلي والنقلي في مشروع النهضة بمثابة الانتحار أو الدمار الحضاري أو السقوط في هاوية لا قرار لها. 

FB_IMG_1619994149861
FB_IMG_1619994149861