الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

علي جمعة: القدس لا تباع ولا تشترى ولا يساوم عليها بسياسة

القدس لا تباع ولا
القدس لا تباع ولا تشترى ولا يساوم عليها بسياسة طاهرة أو نجسة

قال الدكتور علي جمعة مفتي الجمهورية السابق، إن الله سبحانه وتعالى أنبأنا أن بيت المقدس هو المسجد الأقصى، وأنه قد بارك فيما حوله، وأنه مسرى رسول الله ﷺ، قال تعالى : ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾ ، وقد كان أولى القبلتين، وأصبح ثالث الحرمين.

 

وأضاف علي جمعة عبر صفحته الرسمية على فيس بوك أن النبي ﷺ جعل الصلاة في مكة بمائة ألف صلاة، وفي المدينة بألف، وفي بيت المقدس بخمسمائة صلاة، وقال ﷺ: «لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مكة، والمدينة، والمسجد الأقصى» هذه المدينة كيلو متر في كيلو ونصف، فمساحتها كيلو ونصف مربع بقعةٌ صغيرة، لكن الأمر هنا ليس بالكم، بل بنظر الله سبحانه وتعالى إليها، فقد فضّل الأزمان بعضها على بعض، وجعل ليلة القدر خير ليالي السنة، والعشر الأوائل من ذي الحجة خير أيام السنة، وفضّل الأشخاص على بعض ﴿تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ﴾ [البقرة:253]، حتى درجة الرسالة والنبوة فضّل الله بها أشخاصٍ على أشخاص، فضّل الله أشخاص على أشخاص، وأزمانًا على أزمان، وأماكن على أماكن، ومن مفضلات الأماكن هذه البقعة الطاهرة.

وتابع أنه جاء فريدمن من أجل أن يقول إن كل شيءٍ في العالم له ثمن، والعبرة أن تعرف ثمنه، وكما نقول في العامية «من عرف دية رجلٍ قتله ودفع الدية»، ولكن هذه النظرية الخائبة، والتي أخذ عليها جائزة نوبل لا تصلح معنا، فالقدس لا تباع ولا تشترى، ولا يساوم عليها بسياسةٍ طاهرةٍ أو بسياسةٍ نجسة، #القدس في قلوب كل المسلمين، وإذا أراد العالم سلامًا فلابد أن يكون مبنيًا على رد الحقوق إلى أصحابها، وإلا فلا سلام، ليس لأننا لا نحب السلام، فديننا اسمه الإسلام من السلام، وتحيتنا هي السلام، ونُنهي صلاتنا بالسلام عليكم، نُسلّم على العالم، وعلى من بجوارنا، حتى إنا ونحن منفردين نُسلّم على الملائكة، والجنة اسمها دار السلام.

وأكمل:" فلا يزايد علينا أحدٌ في رغبتنا للسلام، لكن القدس مدينةٌ عربية أنشأها اليبوسيون من ستة آلاف سنة قبل سيدنا إبراهيم، وقبل العبرانيين، وقبل سيدنا موسى بمئات السنين، فهى من حق العرب، ولما دخل العرب مرةً أخرى مدينة القدس فإن سيدنا عمر بن الخطاب كتب وثيقةً، وعهدًا عُمريًا للمسيحيين بها، هذا العهد يُبيّن لكم تاريخكم، ويُبيّن لكم أنه يجب عليكم أن تعتزوا بإسلامكم، وأن ترفعوا رؤوسكم هكذا عاليًا في العالمين، وأن تسجدوا لرب العالمين فتشكروه أن هداكم إلى الإسلام، بالليل والنهار قولوا: «الحمد لله الذي جعلنا مسلمين»، نعم دينٌ تفخر به، دينٌ تعلو به، فالإسلام يعلو ولا يُعلى عليه.

وأضاف : دخل عمر وهو يقود ناقته، وخادمه يركب الناقة، فقال سفرنيوس مطران القدس: «أين عمر الواقف أو الراكب؟» يعني معنى هذا أنه لم يكن يلبس شيئًا يُميّزه في الفخامة وهو خليفة المسلمين، وهو المنتصر على الرومان، وعلى الفرس، وعلى المشركين، دخل فسأل سفرنيوس: «من عمر؟» قالوا له: «عمر الذي يُمسك بخطام الناقة، وخادمه الذي يجلس عليها»، فبكى قالوا: «لم تبكِ؟» قال: «هكذا مكتوبٌ عندنا في الكتب، أن خليفة المسلمين عندما يأتي لفتح بيت المقدس سيكون مُمسكًا بخطام ناقته وعليها خادمه»، ماذا يعني هذا؟ أن هذا من عند الله، ويعني أن عمر والخادم قد تساويا، ويعني أن سيدنا عمر الدنيا في يده وليست في قلبه، ويعني أن عمر رضي الله تعالى عنه وأرضاه معينٌ لا ينضب في تعليمنا، وإلى يوم الدين كيف نُسير في حياتنا، وكيف نُقيم العلاقة بين الحاكم والمحكوم، وبين القوي والضعيف، وبين الخادم والمخدوم، وبين العامل وصاحب العمل، وأن كل ذلك قد بُني في الإسلام على الرحمة، «إنما بُعثت رحمةً مهداة» ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾ [الأنبياء:107].

جلس عمر في كنيسة القيامة حتى يكتب للناس عهده فكتب عهدًا فريدًا، أظن أننا لم نصل إليه إلى اليوم، كتب عهدًا يقشعر بدني عندما أقرأه، وأتأمله، وأقف عند مفرداته، أردت أن أتلوه عليكم، لأنه مما يُتلى، وأن نقف عند كل جزءٍ منه، لأنه مما يُدرس؛ كتب «هذا ما أعطى عبد الله عمر أمير المؤمنين أهل إيلياء» -وهو اسمٌ من أسماء تلك المدينة المباركة، مدينة يبوس، ومدينة إيلياء، وأورشليم، وأورسليم، ودار السلام، ودار سالم، ودار سليم، ودار شليم، وبيت المقدس، والبيت المُقدّس، والمسجد الأقصى، والقدس، والقدس الشريف في نحو أكثر من ألف اسم لمدينة القدس، والعرب كانت إذا خافت شيئًا أو أحبته أكثرت من أسمائه، إذًا فإيلياء يعاهدها عمر- «من الأمان» -سيعطيهم الأمان- «أعطاهم أمانًا لأنفسهم، وأموالهم، ولكنائسهم، وصلبانهم سقيمُها وبريئُها» -وهذا جائزٌ في النحو بعد التقسيم أن ترفع ما بعده- «سقيمِها وبريئِها» -وهذا جائزٌ على البدلية، ما معنى هذا؟ الكنيسة السقيمة أي الآيلة للسقوط، أو التي ليس فيها خدمة، والبريئة هي البريئة من النقص، والبريئة من العيوب في المباني- «إنه لا يهدم لا تلك ولا هذه»، -السقيمة تحتاج إلى ترميم فلترممونها، وهذا عكس ما تقوله النابتة أنه لا يجوز للنصارى أن يرمموا كنائسهم، يبدو أنهم يظنون أنفسهم أفقه من عمر، ولكن رسول الله ﷺ عندما أمرنا قال: «فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي عضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور» ولم يقل لنا اتبعوا النابتة، سفهاء الأحلام، أحداث الأسنان، الذين يقولون من كلام خير البرية لا يجاوز إيمانهم تراقيهم. 

نعم سقيمها وبريِئها تركها لهم عمر- «وسائر ملتها» -وبعض الناس لم يفهم تلك العبارة، لكنهم نقلوها كما هي، وذلك أن كنيسة القيامة يُسطر عليها ثلاثة ملل من النصارى : "الروم، والأرمن، الأرثوذكس"، ولذلك هو لا يريد أن يدخل في نزاعٍ عقدي بينه، هو يريد أن يقرر مبدأ المواطنة، لكم ما تُدينون، وعليكم أن تفعلوا ما تعتقدون، حتى أن ترفعوا الصليب الذي قد أنكره القرآن الكريم، حتى أن ترفعوا الصليب الذي هو مدخل لكل العقائد التي بيننا وبينكم، لنا ديننا ولكم دينكم، لكننا ننظر إلى جانبٍ آخر وهو أننا نعيش سويًا فلنعش في أمان، وكلٌ منا يدرك الآخر، ويعرف الآخر، لكنه لا يعتدي عليه-

إذن «إنه لا تُسكن كنائسهم» -إياكم وأن تحتلوا كنائسهم، وأن تزاحموهم، وأن يبني أحدهم بيته بجوار الكنيسة يسد عليهم بابها، إياكم أن تعتدوا على الكنائس- «ولا تُهدّم، ولا يُنقص منها، ولا من خيرها» -الأوقاف التي تُدر الأموال على الكنائس لا تُعطلها، ولا تقف عقبةً بإزائها إلا أن تستبدلها بما هو مثلها، أو هو خيرٌ منها -«ولا من صُلُبهم» -إياكم أن تكسروا الصليب، وإياكم أن تعتدوا عليه، وإياكم وهل نعتقد نحن في الصلب والصليب؟ لا هذه قضية، وهذه قضيةٌ أخرى، قضية الحياة لها قواعدها، والاعتقاد له مبادئه، ونحن لا نتخلى عن عقائدنا الواضحة الجلية المبنية على التوحيد، المبنية على الإخلاص، المبنية على التنزيه، المبنية على التصديق لكتاب ربنا وسنة نبينا ﷺ ، ولكن التعايش له قواعده- «ولا يُكـرَهـون على دينهم»، «ولا من صُلُبهم، ولا من شيءٍ من أموالهم، ولا يُكـرهـون على دينهم، ولا يُضار أحدٌ منهم، ولا يسكن بإيليا معهم أحـدٌ من اليهود» -طلب النصارى من عمر أن يُجلي اليهود، لأنهم كانوا لصوصًا، وكانوا جبّارين في الأرض- فقال لهم: «تخلوا عن هذا الكيلو ونصف، اجلسوا في الخارج لا تضايقوا أهل البلد، ولكن لكم أن تدخلوا للعبادة» -فسمح لهم بالوجود، وأجلاهم عن السكن-.

رضي الله تعالى عنك يا عمر فقد رفعت رأسنا، وكنت خيرًا من الأمم المتحدة التي كتبت حقوق الإنسان على الحجر وحرمتها البشر، وكنت خيرًا من الولايات المتحدة التي تظلمنا ليل نهار بهذا الاعتراض التي تعترض عليه على كل خير، وكنت خيرًا يا عمر من هذا الكيان الصهيوني المُدّعى الذي احتل الأرض، وأراد أن يُهوّد القدس، كنت عادلًا يا عمر فرضي الله تعالى عنك وأرضاك، وأعلى شأنك في الدنيا والآخرة.

أما بالنسبة لأولئك الصهاينة فنقول لهم: «حسبنا الله ونعم الوكيل سيُغنينا الله من فضله ورسوله، تسيرون في طريقٍ مظلم مسدود، وستصطدمون بحائط القدر، لأن الله سبحانه وتعالى يُمهل ولا يُهمل» وفي التلمود بعد ما عبدوا الوثن في فلسطين طردهم من أرض فلسطين، وقال: «لو عدتم ستُذبحون كما تُذبح الغزلان في الغابة» هم الذين يقولون على أنفسهم هذا، وهم يعلمون أنهم في طريق الدمار، والشنار، والعار، أما أنت أيها المسلم فلابد عليك من أن تهتم، وأن تُعلّم أبناءك قيمة القدس الشريف الذي كاد كثيرٌ من الناس أن ينساه.

وختم :"يا ربنا هذا حالنا لا يخفى عليك فاستعملنا فيما تريد، وأقمنا فيما تحب، ووفقنا إلى ما تحب وترضى، وألّف بين قلوبنا.. اللهم يا ربنا قدّر لنا في عيشنا أن نرى القدس قد رجعت إلى أصحابها، وسائر حقوق العرب والمسلمين".