الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

وَآوَيْنَاهُمَا إِلَىٰ رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ


في الأول من يونيو من كل عام تحتفل الكنيسة المصرية بدخول العائلة المقدسة إلى مصر؛ وهي الرحلة المعروفة باسم "هروب العائلة المقدسة إلى مصر"، وقد شرفت بحضور الاحتفال الذي أقامته الكنيسة الأرثوذكسية تحت إشراف قداسة البابا تواضروس الثاني وبتنظيم د. إسحق عجبان، عميد معد الدراسات القبطية بالأنبا رويس.
وتبدأ القصة عندما أمر الملك هيرودوس بقتل كل الأطفال ببيت لحم، محل ميلاد المسيح (عليه السلام)، إثر نبوءة لبعض المجوس حين قالوا له:«أين المولود ملك اليهود فإننا رأينا نجمه في المشرق وأتينا لنسجد له (متى2:2).
وكان هذا يعني أن هناك من سيصبح ملكًا على اليهود ليس من صلبه. مما جعل هيرودوس يستشيط غضبًا. فأوصى المجوس أن يبحثوا بالتدقيق عن الصبي ومتى وجدوه يخبرونه لكي يذهب ويسجد له أيضًا. ولكن أُوحى للمجوس في حلم أن لا يرجعوا إلى هيرودس، فانصرفوا إلى طريق أخرى نحو كورتهم. ولما رأى هيرودوس أن المجوس سخروا به، غضب جدًا، فأرسل وقتل جميع الصبيان الذين في بيت لحم وفي كل تخومها من ابن سنتين فما دون بحسب الزمان الذي تحققه من المجوس».(متى 2، 7:17)
وهنا أرسل الله عز وجل الملاك ليُسر إلى يوسف النجار بقوله: «قم وخذ الصبي وأمه وأهرب إلى مصر»(متى 2)، ليدخلوا بعدها إلى مصر إن شاء الله آمنين.
وكما سبق وقال الله عز وجل لبني إسرائيل ﴿اهبطوا مِصْرًا فَإِنَّ لَكُمْ مَّا سَأَلْتُمْ﴾ فإن الأمر الإلهي نفسه تكرر مع العائلة المقدسة، التي خرجت من بيت لحم ليلاً، ومضى الركب بهدوء ليدخل أرض مصر بسلام عبر طريق الفرما الساحلي، وتصل إلى مدينة بوباسطس (تل بسطة) لتصبح أول محطة معلومة لهم على أرض مصر في الأول من يونيو.
لقد هربت العائلة المقدسة من أرض فلسطين، ولجأت إلى مصر، حيث نيلها الفياض الذي نشر السكينة والأمان في ربوعها، ولأنه لا يستطيع أحد أن يدخلها إلا بإذن الإمبراطور نفسه، فقد كانت ولاية إمبراطورية، لا يستطيع أي ملك أو قائد أو أمير دخولها إلا بإذنه. ومن ثم، لم يكن بمقدور هيرودوس أن يدخل أرض مصر ليتتبع الصبي وأمه.
وتتحرك العائلة المقدسة في ربوع مصر وقراها من شرقها إلى غربها ومن شمالها إلى جنوبها، لترسم بخط سيرها علامة عنخ وتهب الحياة لمصر، فتصبح مصر بلدًا عامرًا عبر تاريخها. ويبقى السؤال: أكانت صدفة أن تأوى العائلة المقدسة إلى مصر؟ ألم يقل القرآن الكريم في هذا الموضع: ﴿وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً وَآوَيْنَاهُمَا إِلَىٰ رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِين﴾ٍ.   
إنها مصر التي ميزها الله عن بقية المعمورة بأن جعلها أرض الأنبياء، وزادها بركة بخطى السيد المسيح على أرضها، التي شهدت أوليات معجزاته وهو لا يزال صبيًا، لتصبح مصر المباركة محروسة دومًا بعين الله، فهي من حمت رسول المحبة، حيث قال: ﴿وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا﴾، وهو من أعطاها البركة وجعلها أرضاً مباركة بتوكيد القرآن الكريم حين يقول السيد المسيح:﴿وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا﴾. 
ونقف قليلاً عند أهل مصر: ألم يفكر يومًا ما أحدهم أن يبلغ القادة الرومان في مصر عن العائلة-التي من ملامح أفرادها-غرباء عن مصر؟ لا، لم يحدث، بل العكس هو ما كان، فالمصريون أبناء هذا البلد المبارك من ساعدوهم وآووهم وأخفوهم عن أعين الرومان عبر سنوات أربع إلا قليلاً، وكان واجبًا عليهم أن يفعلوا ذلك ليس فقط بحكم طبائعهم اللينة العريكة وشهامتهم، بل لكرههم للرومان أيضًا، الذين أذاقوهم ألوان الذل والهوان. ولهذا، كرم الله بلادهم وجعل المسيح يجوب ربوعها ويجعلها أرضًا مباركة؛ ويتحقق قول أشعيا: مُبَارَكْ شَعبِي مِصر.

_________
*كاتب ومؤرخ

 

المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط