الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

الزمن الروسي

 

عندما وقفت المستشارة الألمانية انجيلا ميركل، والرئيس الأمريكي جو بايدن، قبل ساعات في البيت الأبيض ليعلنا معًا تشكيل جبهة لمواجهة روسيا والصين، ويزيد بايدن: "سنقف ضد العدوان الروسي على الخاصرة الشرقية لحلف شمال الأطلسي "الناتو"، فإن رئيس أمريكا - أقوى اقتصاد في العالم ومستشارة ألمانيا - صاحبة أقوى اقتصاد في أوروبا والرابع عالميًا- يعترفان معا بـ مجىء الزمن الروسي بقوة.
والحاصل إنه منذ سقوط الاتحاد السوفيتي عام 1991، وروسيا ولنحو 25 عامًا مضت، تعاني تبعات السقوط المدوي، وتفتت دول الاتحاد السوفيتي، لكن في عام 2015 وفي خطاب شهير للرئيس الروسي بوتين في الأمم المتحدة، قال: إنه على الدول الغربية أن تحسب حساب روسيا فيما بعد وألا تعتقد إنه سيكون عالم أحادي القوة.
وخلال ال6 سنوات الماضية، استطاعت روسيا أن تعيد بناء قوتها ومواطن نفوذها وانتشارها في أماكن عدة من العالم. ولعل تصريحات وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف، قبل ساعات تعليقًا على الوضع المتدهور في أفغانستان بعد الانسحاب الأمريكي والأوروبي السريع بقوله: إن مهمة الولايات المتحدة الأمريكية في أفغانستان فشلت، يؤكد أن المعركة تستعر بين روسيا والولايات المتحدة وحلف الناتو من جديد، وأن روسيا تسارع اليوةم للقفز في ميدان جديد هو أفغانستان أخلته واشنطن.
والتركيز في المواجهة الروسية الصينية من جانب والولايات المتحدة الأمريكية وحلف الناتو من جانب آخر تشغل العالم كله اليوم، وهى موضع دراسات استراتيجية عليا وعبر مراكز أبحاث ودراسات ذائعة الصيت، وإذا سارت الأمور على النحو الذي تخطط له كلا من موسكو وبكين خلال السنوات القليلة المقبلة، وتعاظمت مقدرات القوة الروسية وزاد النفوذ الروسي والصيني "الزاحفين" معا عبر مناطق عدة من العالم فإن "تغييرات ضخمة" في مواطن القوة العالمية ستحدث خلال العشر سنوات القادمة.
ومن واقع الخبرات والعلاقات السابقة بين الاتحاد السوفيتي السابق والدول العربية في خمسينيات وستينيات وسبعينيات القرن العشرين، فقد كانت هذه القوة الشرقية مناصرة في كثير من الأحيان للحقوق العربية، أمام الأطماع الغربية والأمريكية ليس من باب العطف ولكن من باب التنافس وحدة العداء بين القوتين وتعزيز أماكن النفوذ.
وإذا كان بايدن يقول علانية، أن الولايات المتحدة الأمريكية وألمانيا سيتصديان للعدوان الروسي وبالخصوص في "الخاصرة الشرقية" للناتو أو دول شرق أوروبا، فإن واشنطن تواجه عدوان روسيا أو بالأحرى تهديدًا روسيًا واسع المدى في مناطق وأماكن نفوذ المصالح الأمريكية العليا، ومنها شمال أفريقيا وقارة أفريقيا ومنطقة الشرق الأوسط برمتها، وهو ما يبشر بأوضاع متغيرة خلال الفترة المقبلة، وفي الغالب ستكون لها انعكاسات على القضايا العربية.
وما يجدر النظر إليه، أن روسيا اليوم متواجدة بشكل يمثل تهديدًا للمصالح الأمريكية والغربية، في سوريا، كما أن روسيا متواجدة بشكل يمثل تهديدًا حادًا للمصالح الأمريكية والناتو في شمال أفريقيا، كما تخترق روسيا دول شرق أوروبا بخطوط الغاز والطاقة الروسية، ومنها خط نورد ستريم 2 الذي يُجرى مده من روسيا إلى ألمانيا تحت بحر البلطيق.
"الزمن الروسي".. الذي نشير إليه في هذا المقال قادم وبقوة وهو ما ينبغي الانتباه اليه جيدًا من جانب الكثير من الدول العربية وعمل حسابه، وإعادة ترتيب الأوراق، خصوصا وأن الدول العربية وبعد عقد أسود من فوضى الربيع العربي، بحاجة ماسة إلى إعادة الحسابات، والاستناد إلى قوى مغايرة روسية أو أمريكية لدفع التوجه الغربي بعيدًا أو بالأحرى استعادة الدول العربية المفقودة.
.. صحيح أن الإمبراطورية الأمريكية باقية ولعقود طويلة ممتدة، ربما حتى نهاية القرن ال21، ومن الصعب تخيل غروب شمس الإمبراطورية الأمريكية الآن وهى في عز قوتها، ولا تزال تمثل الاقتصاد الأول والأكبر على مستوى العالم، لكن التنين الصيني والدب الروسي العملاقين يرسمان ملامح.. ويضعان صخور ضخمة لمستقبل مغاير أيضا.

المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط