الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

حكاية السهرة.. كيف بدأت قصة أغنية قل للمليحة في الخمار الأسود؟

صدى البلد

"قل للمليحة ذي الخمار الأسود.. ماذا فعلتٍ بزاهد متعبد.. قد كان شمّر للصلاة إزاره.. حتى قعدتٍ له بباب المسجد".. كلمات أغنية عشقها الكثيرون وظلوا يرددون كلماتها بعد أن غناها عدد من جيل الرواد في الأغنية العربية، منهم صباح فخري وناظم الغزالي، وعرفتها الأجيال الجديدة في مصر من خلال المنشد علي الهلباوي، لكن من كاتب تلك القصيدة وما سر السحر العجيب في مضمونها؟.

قصة الأغنية في الأدب العربي

منظم أبيات تلك القصيدة، هو "ربيعة بن عامر التميمي"، الشهير بــ"مسكين الدَّارمي"، وهو شاعر عربي من العصر الأموي، وسبب تلقيبه بالمسكين هو بيت شعر قاله: "أنا مسكين لمَن أنكرني.. ولِمَنْ يعرفني جدٌّ نَطِق.. لا أبيع الناس عرضي إنني.. لو أبيع الناس عرضي لنفق"، ولقب الدارمي نسبة إلى جده الأكبر دارم، وهو أحد سادات قبيلة "بني دارم" الّتي كانت تعيش في العراق في عهد الدولة الأمويّة، وبرز فيها شعراء مُجيدون، أشهرهم على الإطلاق: الفرزدق.

 

مولد الشاعر المسكين

من المرجّح أنّه وُلد في عصر الخلافة الراشدة، وتُوفّي سنة 89 للهجرة، المصادفة للسنة 708 من الميلاد، وكانت له صلات وثيقة مع "معاوية بن أبي سفيان" وابنه "يزيد"؛ فكان يفِدُ بين الفينة والفينة إلى دمشق مادحًا خلفائها، وشمل شِعره كافّة أغراض الشعر المعروفة في عصره، من فخر وحماسة وهجاء ورثاء ومدح وغزل، وتحققت شهرة مسكين الدارمي بكتابته قصيدة "قُلْ للمليحة في الخمار الأسود".

 

سبب كـتابـة هــذه القصيدة

بن حجة الحموي

حسب روايتيْ ابن حجّة الحموي في كتابه "ثمرات الأوراق"، وأبو الفرج الأصفهاني في كتابه الشهير "الأغاني"، أن تاجرا عراقيا قَدِمَ إلى المدينة المنورة يَحمِلُ خُمُرِ العراق، "جمع خمار" ذات ألوان مختلفة، فَباعها كُلَّها إلا ذات اللون الاسود، وغضب التاجر وشكا إلى الدارِمي ذلك، وتعاطف معه الدارمي، وكان قَد نَسكَ وتَعبَّدَ، فَعمل أبيات وأُمِرَ مَن يملك صوتًا رائعًا، يُغَنِّي بِهما في المدينة: "قُلْ للمَليحَةِ في الخِمارِ الأسودِ ماذا فَعَلتِ بِزاهِدٍ مُتَعبِّدِ، قَد كان شَمَّرَ للصـلاةِ إزارَهُ، حَتى قَعَدتِ لَه بِبابِ المَسجدِ، فسلبتِ منه دينه ويقينه، وتركته في حيرة لا يهتدي، رُدِّي عَلَيهِ صَلاتَهُ وصيامَهُ، لا تَقتُليهِ بِحَقِّ دِيــنِ مُحـمَّدِ"، وقال أيضا "بلغوها إذا اتيتم حماها أنني، مت في الغرام فداها، واذكروني لها بكل جميل، عساها أن تحن عليا عساها، وأصحبوها لتربتي فإن عظامي تشتاق أن تدوسها قدماها، فشاعَ الخبرُ في المدينة أنَّ الدارِمي رَجعَ عَن زُهدِه وعشقَ صاحِبةَ الخِمارِ الأسود، فَلم يَبقَ في المدينة المنوّرة فتاة أو سيّدة، إلّا اشترت لها خماراً أسود، فكلهن أردن أن تكون تلك المليحة.
فلمّا باع التاجر ما كان معه رَجعَ الدارمي إلى تَعَبُّدِه وعَمدَ إلى ثِيابِ نُسكِه فَلَبِسَها.

سر تجدد القصيدة في القرن العشرين

اشتهرت القصيدة بصوت المطرب الأسطورة صباح فخري، المعروف بولعه وعشقه للأدب القديم، إلى درجة اقترانها به، إلّا أنّه لم يغنّي قصيدة الدارمي كما هي، بل غنّى النسخة المنقّحة، بعد أن غير بعض مفرداتها لتتناسب مع العصر الحديث، محافظا على اللون الغنائي.

 

تطور الأغنية وصولا لشكلها الحالي

أحمد الخليل وشعوبي ابراهيم

تعود الأغنية في صيغتها المعاصرة، إلى عمل جمع بين الفنّانيْن العراقيّيْن احمد الخليل، وشعوبي ابراهيم، حيث أراد أحمد أن يلحّنها من جديد، وطلب من شعوبي أن يضيف إليها بعض الأبيات، فعمل الأخير على تخميسها "الخماسيات لون شعري" فأصبحت بُنية القصيدة وكلماتها على هذا النحو: يا داعياً لِلّهِ مرفوع اليدِ
متضرّعًا متوسّلاً بالمُنجد
يا طالبًا منه الشفاعة في غدِ
قُلْ للمليحة في الخمار الأسودِ.. ماذا فعلتِ بناسكٍ متعبّدِ.

أحمد الخليل
شعوبي ابراهيم

وبعد هذا التخميس وزيادة أبيات القصيدة، أضاف عليها الملحّن أحمد الخليل نكهة صوفيّة خالصة من مقام "السيكا العراقي" لتتناسب مع كلمات القصيدة، وغنّاها مُطربون كُثرٌ، كلّ بطريقته الخاصّة، لعلّ أبرزهم صباح فخري، وسلاطين الطرب ناظم الغزالي، وهيام يونس، وآخرهم علي الهلباوي.

هيام يونس
علي الهلباوي