الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

طه حسين.. المفكر لا يموت

ابراهيم شعبان
ابراهيم شعبان

كنت ولا أزال سعيدًا للغاية، بحالة الاحتفاء الشديدة بالذكرى الـ48 لرحيل عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين. فقد توالت المقالات والدراسات والرؤى، عن "العميد" خلال الساعات الماضية، وهو شىء مفرح، لمن قرأوا طه حسين ولمن عرفوا قيمة طه حسين.


ولا يمكن لأمة عربية حديثة، أن تنافسنا برجل يساوي قامة طه حسين في الفكر العربي، فنحن نفخر به ووصفه بعميد الأدب العربي لم يكن أبدًا، عن مديح يستحقه أو قيمة يزنها، ولكن أقل ما يوصف به، رجل كتب "الشيخان" والفتنة الكبرى وعلى هامش السيرة وفي الشعر الجاهلي، ومستقبل الثقافة في مصر وعشرات المؤلفات التي لا تزال تقرأ وستظل كذلك لقرون.


ففكر طه حسين لا يموت وآراؤه لا تزال تلقى كل تقدير عند من يقدرون "قيمة طه حسين".


ومنذ سنوات كانت قد خصصت جريدة القاهرة، وقتما كان الصحفي الكبير الراحل صلاح عيسى، يرأس تحريرها ملفا ضخمًا في ذكرى وفاة العميد. لا زلت أتذكر العنوان الذي تصدره، قبل أكثر من 15 عامًا، وهو "تعظيم سلام للوطن الذي أنجبك"، وأراه التحية الأفضل للمفكر والأديب وعميد الأدب العربي طه حسين.


وإذا كنت أسجل في هذا المقال، بعضا من الرؤى حول فكر طه حسين رحمه الله في ذكرى وفاته. فإنها ليست سوى نقطة في بحر رجل هزّ الفكر العربي والثقافة العربية طوال أربعة وثمانين عاما عاشها، وبعد وفاته بمعارك لم تنته وبأفكار لا تزال شديدة الحيوية.


ومن بين الكتب الكثيرة القيمة التي كتبها طه حسين، توقفت لسنوات ولا زلت أمام كتابيه عن الفتنة الكبرى "عثمان" والفتنة الكبرى علي وبنوه، وأعتقد أن من لم يقرأها قد فاته الكثير في فكر وجرأة طه حسين. فقد اقترب الرجل من منطقة كانت لا تزال "شائكة" في التاريخ الإسلامي والإنساني، وأبحر فيها بمهارة وقدم فيها معلومات ورؤى عن "الصحابة" الأجلاء وعن شخصيات دينية عظيمة بـ "مشرط طه حسين". كلامًا لا يجرؤ ولا يستطيع أن يقترب منه أحد، إلا "طه حسين"، وخصوصا أن الفتنة الكبرى في التاريخ الإسلامي كانت ولا تزال واحدة من أكبر "لحظات المحنة"، التي فرقت المسلمين شيعًا وقبائل ولا تزال محطة خطيرة للغاية في التاريخ الإسلامي.


طه حسين هو الرجل الذي نادي بـ مجانية التعليم- التي يتندر عليها البعض اليوم- في زمن كان التعليم يقتصر فيه على أولاد "الباشوات والبكوات والأعيان"، وكانت الأمية مشاعا. وقال عبارته الشهيرة المسجلة، أن التعليم كالماء والهواء. وأعقتد أن صرخته تظل حية، ومنحازة للعلم والفقراء على مر العصور، سواء سقطت أنظمة أو جاءت أخرى فمجانية التعليم وبالخصوص في المجتمعات "النامية والمتخلفة" فرض عين. وإلا ستبقى هذه المجتمعات على حالها والعالم يتطور. أما من حيث "محتوى التعليم" وما يقدم فيه ووسائله، فهذه قصة أخرة ليس هذا مجالها. لكن التعليم  كـ"تعليم" هو هدف في حد ذاته ومجانيته ونشره رسالة إنسانية ووطنية على مستوى الجامعات.


طه حسين الذي نعاه توفيق الحكيم يوم وفاته بعبارة خالدة قال فيها "اللسان العربى منذ نطق أدبا سوف ينطق إلى آخر الدهر باسم طه حسين وفضله على لغة العرب". ونعاه لويس عوض بقوله "لولا طه حسين لما وجد الملايين من أبناء الفقراء طريقهم إلى العلم "أول حقوق الإنسان"، يوزع عليهم بالمجان كما يوزع الماء والهواء، من الكّتاب إلى درجة الدكتوراه،  ولولا طه حسين لما بقيت للعقل والثقافة هيبة ولا احترام"..


هو طه حسين في دعاء الكروان وحديث الأربعاء وصوت أبي العلاء، الكفيف الذي أضاء نور العلم للملايين بعده.


هو طه حسين، الذي خرجت جامعة القاهرة في حشد من أساتذتها وطلابها يوم وفاته، تودعه لمثواه الأخير وتحتفي بما قدمها على منبر الجامعة من أفكار ودروس في الحضارة والتاريخ الإنساني.


هو المفكر والأديب، الذي قال علانية في عز وجود الاحتلال البريطاني لمصر، علينا ان نسير سيرة الأوروبيين، ونسلك طريقهم، لنكون لهم أنداداً، ولنكون لهم شركاء في الحضارة، خيرها وشرها حلوها ومرها. فهو رجل فطر على حب الحضارة والمدنية واحتقر الجهل، وعاش ومات يحلم بمصر دولة أوروبية تودع الجهل وتخطو للحضارة الجديدة بكل قوة.


.. طه حسين مفكر بحجم وطن. تذكّره يؤجج مشاعر الثقافة والعلم في نفوس الملايين، واسمه يثير في الجميع الاحترام والحنين إلى زمن ظهر فيه طه حسين وتكلم ونشر كتبه.


رحمة الله عليك واسعة سيادة العميد، جراء ما قدمته للأدب العربي من درر ومؤلفات خالدة باقية.