الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

الشهامة والمروءة في الإسلام .. كنز الأنبياء والأولياء به ترتقي الأمم

الشهامة في الإسلام
الشهامة في الإسلام

الشهامة في الإسلام .. الشهامة من أخلاق الإسلام التي ينبغي أن يتصف بها المسلم، والشهامة خُلق من أخلاق الأنبياء والأولياء، ويعد وتقديم العون والنصرة لمن يحتاج إليها سلوكا إسلاميا أصيلا، وخلقا رفيعا تقتضيه الأخوة الصادقة، وتدفع إليه المروءة ومكارم الأخلاق.

 

وكانت حياة النبي محمد صلى الله عليه وسلم خير مثال يحتذى في كل شيء، ولا سيما إغاثة الملهوف، وتقديم العون لكل من يحتاج إليه، حتى لقد عرف بذلك قبل بعثته صلى الله عليه وسلم، فعند نزول الوحي عليه أول مرة رجع إلى خديجة فأخبرها الخبر ثم قال: «لقد خشيت على نفسي» عندئذ أجابته أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها: كلا والله! ما يخزيك ا لله أبدًا، إنك لتصل الرحم، وتحمل الكلَّ، وتكسب المعدوم، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق».

 

 هكذا استدلت أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها على حفظ الله له، وعدم تضييعه إياه بصنائع المعروف التي كان يصنعها، وبإغاثة الملهوف؛ فالجزاء من جنس العمل.

 

وفي الإسلام رأينا كيف أن الإغاثة أصبحت واجبًا ينهض به القادرون، وعملاً من أعمال الخير يتنافس فيه المتنافسون، وأصبح من الحقائق المسلمة عند المسلمين أن: «من كان في حاجة الناس كان الله في حاجته»، كما أخبرهم نبيهم صلى الله عليه وسلم، بل رأينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر المسلمين بإغاثة الملهوفين، فحين نهاهم عن الجلوس في الطرقات، إلا إذا أعطوا الطريق حقها، بيَّن لهم أن من حق الطريق: إغاثة الملهوف: "وتعينوا الملهوف، وتهدوا الضال».

 

وعند أحمد من حديث البراء بن عازب رضي الله عنه قال: مرَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوم جلوس في الطريق. قال: «إن كنتم لابد فاعلين فاهدوا السبيل، وردوا السلام، وأغيثوا المظلوم».

 

 

فضل إغاثة الملهوف

وإغاثة الملهوف صدقة من العبد له أجرها وبرها.. فعن أبي موسى رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «على كلِّ نفسٍ في كلِّ يومٍ طلعتْ عليه الشمسُ صدقةٌ مِنهُ على نفسِهِ، من أبوابِ الصدقةِ: التَّكبيرُ، وسبحانَ اللهِ، والحمدُ للهِ، ولا إلهَ إلَّا اللهُ، وأستغفِرُ اللهَ، ويأمُرُ بالمعروفِ ، وينْهى عنِ المنكَرِ، ويَعزِلُ الشَّوكَ عن طريقِ الناسِ، والعظْمَ والحجَرَ، وتَهدِي الأعْمَى، وتُسمِعُ الأصَمَّ والأبْكمَ حتى يَفقَهَ، وتُدِلُّ المستدِلَّ على حاجةٍ لهُ قدْ علِمتَ مكانَها، وتَسعَى بِشدَّةِ ساقَيْكَ إلى اللَّهْفَانِ المستغيثِ، وترفعُ بشِدَّةِ ذِراعيْكَ مع الضعيفِ، كلُّ ذلكَ من أبوابِ الصدَقةِ مِنْكَ على نفسِكَ».
 

 

إن الذي يطلب العون قد يكون مظلومًا أو عاجزًا أو مكروبًا، وفي كل الأحوال فإن إعانته وقضاء حاجته فيها تفريج لكربته، وفي مقابل ذلك تكفل الله لمن فرج كربة الملهوف أن يفرج عنه كربة من كربات يوم القيامة: «... ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه كربة من كربات يوم القيامة…».

 

مروءة الصِّدِّيقِ يوسفَ والكليمِ موسى

وما أكرم وأنبل موقف سيدنا يوسف الصدِّيقِ عليه السلام الذي سارع بتأويل منامِ الملكِ وبلا أجرةٍ ولم يساوم في حريته من السجن وهو المظلوم منذ بضع سنين، وكان رده فورياً للعبد الذي وفد من الملكِ يسألهُ بقوله: «يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعِ سُنْبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ لَعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ * قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا فَمَا حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تَأْكُلُونَ  ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تُحْصِنُونَ * ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ» (يوسف 46 :49)

 

 

لقد كان تأويل الصدِّيق يوسف عليه السلام كطوق النجاة للبلاد والعباد، ويعد من باب إغاثة الملهوف في باب التعبير والرؤيا، ويُدْهَشُ الملك من التأويل ويطلب يوسف عليه السلام لكنه أبى أن يخرج من باب العفو الملكي وطلب تحقيقاً جديداً في قصة امرأة العزيز ونسوة الوزراء، قال الله تعالى: «وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ فَلَمَّا جَاءَهُ الرَّسُولُ قَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ» (يوسف:50)، ولهذا قال النبي الكريم صلى الله عليه وسلم قوله: «نحن أحق بالشك من إبراهيم إذ قال: "رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي» (البقرة جزء الآية 260)، ويرحم الله أخي لوطاً لقد كان يأوي إلى ركنٍ شديدٍ، ولو لبثت في السجن طول ما لبث يوسف لأجبت الداعي» (صحيح البخاري 3192 عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه).

 

وانظر إلى الشهم الكريم نبي الله موسى عليه السلام، حين فرَّ هاربًا من بطش فرعون، وقد أصابه الإعياء والتعب، فلما ورد ماء مدين ووجد الناس يسقون، وجد امرأتين قد تنحيتا جانبًا تنتظران أن يفرغ الرجال حتى تسقيا، فلما عرف حاجتهما لم ينتظر منهما طلبًا، بل تقدم بنفسه وسقى لهما: «وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنْ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمْ امْرَأتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ» (القصص: 23، 24).