الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

أشهر الفلاسفة المسلمين

أبو الوليد بن رشد.. هل كان فيلسوفا موسوعيا أم مترجما لأرسطو؟

ذكرى رحيل ابن رشد
ذكرى رحيل ابن رشد

ابن رشد.. فيسلوف وطبيب وفقية وقاضي وفلكي وفيزيائي مسلم، يعد أحد أقطاب الفلسفة الإسلامية علي مر العصور، دافع عن الفلسفة وصحح للعلماء وفلاسفة سابقين له كابن سينا والفارابي، فهم بعض نظريات أفلاطون وأرسطو، قدمه ابن طفيل لأبي يعقوب خليفة الموحدين فعينه طبيباً له ثم قاضياً. 

تمر، اليوم، الذكرى الـ 823 على رحيل أحد أشهر الفلاسفة المسلمين، أبو الوليد محمد بن أحمد بن رشد القرطبى، إذ رحل فى 10 ديسمبر عام من عام 1198.

 

مولد فيلسوف العرب 

ولد في 14 إبريل عام 1126 في قرطبة، ودرس الفقه على يدي الفقيه "الحافظ أبي محمد بن رزق"، واستظهر كتاب الموطأ حفظا للأمام مالك على يدي أبيه الفقيه" أبي القاسم"، ودرس أيضا، على أيدي الفقيه «أبي مروان عبد الملك بن مسرة»، والفقيه «ابن بشكوال» و«أبي بكر بن سمحون»، و«أبي جعفر بن عبد العزيز»، الذي أجاز له أن يفتي في الفقه مع الفقيه «أبي عبد الله المازري»، كما درس على يد «أبي جعفر هارون»، و«أبي مروان بن جبرول» من بلنسية، وكان أقرب من أبي بكر بن زاهر، وفي الفلسفة تأثر بـ«ابن باجة»، كما كان صديقا لابن طفيل.

 

مغرم بالفلك من الصغر

كان ابن رشد مغرماً بعلوم الفلك منذ صغره، فكان يلاحظ الفلكيين حوله يتكاتفون لمعرفة بعض أسرار هذه السماء في وقت الظلام، وحين بلغ الخامسة والعشرين من عمره بدأ ابن رشد يتفحص سماء المغرب من مدينته مراكش، التي من خلالها قدم للعالم اكتشافات وملاحظات فلكية جديدة، واكتشف نجماً لم يكتشفه الفلكيون الأوائل.

وكان ابن رشد يتمتع بملكة عقلية باهرة، فكان يناقش نظريات بطليموس بل إنه نبذها من أصلها وأبدلها بنماذج جديدة تعطي تفسيرات أفضل لحقيقة الكون، وقدم للعالم تفسيراً جديداً لنظرية رشدية جديدة سميت «اتحاد الكون النموذجي»، ومن بعض انتقاداته لنظريات بطليموس حول حركة الكواكب أن قال: «من التناقض للطبيعة أن نحاول تأكيد وجود المجالات الغريبة والمجالات التدويرية، فعلم الفلك في عصرنا لا يقدم حقائق ولكنه يتفق مع حسابات لا تنطبق مع ما هو موجود في الحقيقة».

 

 

قاضي إشبيلية

 

تولى ابن رشد القضاء عام 1169، في إشبيلية، ثم في قرطبة، وحين استقال ابن طفيل من طبابة الخليفة، اقترح اسم ابن رشد ليخلفه في منصبه، فاستدعاه الخليفة الموحدي أبو يعقوب يوسف، إلى مراكش سنة 578هـ وجعله طبيبه الخاص، وقربه منه، وقضى في مراكش عشر سنوات، وكان الخليفة أبو يعقوب يستعين بابن رشد إذا احتاج الأمر للقيام بمهام رسمية عديدة، ولأجلها طاف في رحلات متتابعة في مختلف أصقاع المغرب، فتنقل بين مراكش وإشبيلية وقرطبة، ثم ولاه منصب قاضي الجماعة في قرطبة ثم في إشبيلية.

 

حرق كتب ابن رشد

الخليفة أبو يعقوب يوسف

لما مات الخليفة أبو يعقوب يوسف، وخلفه ابنه المنصور الموحدي زادت مكانة ابن رشد في عهده، ورفعه وقرَبه إليه، لكن كاد له بعض المقربين من الأمير، فأمر الأمير بنفيه وتلامذته إلى قرية اليسانة، التي كان أغلب سكانها من اليهود، وأحرق كتبه، وأصدر منشورًا إلى المسلمين كافة ينهاهم عن قراءة كتب الفلسفة أو الاهتمام بها، وهدد من يخالف أمره بالعقوبة، وبقي ابن رشد بتلك القرية لمدة سنتين، وبعد تأكد السلطان من بطلان التهمة السياسية التي كانت وراء تلك النكبة، عفا عنه واستدعاه من جديد إلى مراكش، وأكرم مثواه كأحد كبار رجال الدولة، ثم إن السلطان نفسه أخذ في دراسة الفلسفة والاهتمام بها أكثر من ذي قبل.

 

لا تعارض بين الدين والفلسفة

يرى ابن رشد، أنه لا تعارض بين الدين الإسلامي والفلسفة، لكن هناك بالتأكيد طرقاً أخرى يمكن من خلالها الوصول لنفس الحقيقة المنشودة، ويقول إن الروح منقسمة إلى قسمين: القسم الأول شخصي يتعلق بالشخص، والثاني فيه من الإلهية ما فيه، وبما أن الروح الشخصية قابلة للفناء، فإن كل الناس على مستوى واحد يتقاسمون هذه الروح وروح إلهية مشابهة.

ويدعي ابن رشد أن لديه نوعين من معرفة الحقيقة، الأول معرفة الحقيقة استناداً على الدين المعتمد على العقيدة، وبالتالي لايمكن إخضاعها للتمحيص والتدقيق والفهم الشامل، والمعرفة الثانية للحقيقة هي الفلسفة، التي ذَكر بأن عدداً من النخبويين الذين يحظون بملكات فكرية عالية توعدوا بحفظها وإجراء دراساتٍ جديدة فلسفية.

 

 

مؤلفات ابن رشد

كتب ابن رشد، أول مؤلفاته في شرح أفكار الفيلسوف الإغريقي أرسطو، وقد تأثرت فلسفته وأفكاره الدينية بفلسفة الفيلسوف ابن باجة، واستمرت دراسته للأعمال الفلسفية المختلفة لثلاثة عقود لاحقة، حيث طور خلالها مدرسته الفكرية والفلسفية الخاصة المسماة «المدرسة الرشدية»، وتتضمن أعماله ما يقارب مائة ورقة في مجالاتٍ مختلفة انطلاقا من الفلسفة واللاهوت والطب والقانون والنحو، ويبقى أشهر أعماله هو ترجمته لأعمال أفلاطون وبالتحديد «الجمهورية».

 

مترجم أكثر منه فيلسوف

لم يكن ابن رشد فيلسوفاً أصيلاً بقدر ماكان شارحاً ومعلقاً على أعمال أرسطو، إذ ليست له أفكار فلسفية خاصّة، مقارنة بأعلام الفلسفة الإسلامية الكبار كابن سينا والرازي والفارابي، إن تراث ابن رشد الرئيس يتمحور حول ترجمة أرسطو إلى العربية وشرحه والتعليق عليه ترجمة دقيقة، مقارنة بما كان سبق من ترجمات ساعدته عليها خلفيته المعرفية والفلسفية واللغوية، وهذه الأعمال هي التي نقلت إلى العبرية واللاتينية وأرهصت لفلاسفة كابن ميمون وسيجر دو برابانت والإكويني، ولمدارس كالفلسفة المدرسية (السكولاتية)، ومن هنا اهتم الغربيين المحدثين بابن رشد وإعلاء شأنه، خاصة المستشرقين، بوصفه ممثلاً أميناً للحضارة الإسلامية في لبوسها الاستشراقي.

جاءت محنته لترفع من قيمته أكثر بنظر هؤلاء، ليعتبروه تجسيداً لفكرٍ متحرر في وجه المتشددين، مع أنه كان فقيهاً أصولياً مالكياً لاتزال كتاباته الفقهية مراجعَ لها قيمتها الرفيعة على مر القرون حتى يومنا، ومع أن محنته لم تك أكثر من مكيدة على يد الحساد والوشاة الذين لايخلو منهم زمان أو بلاط.

من أبرز مؤلفاته «تلخيص وشرح كتاب ما بعد الطبيعة»، و«تلخيص كتاب المقولات»، و«شرح كتاب النفس»، و«شرح كتاب القياس»، و«بداية المجتهد ونهاية المقتصد في الفقه»، و«مناهج الأدلة»، و«فصل المقال فيما بين الحكمة والشريعة من الاتصال».

وحصل ابن رشد على العديد من الجوائز، مثل جائزة ابن رشد للحركة الفكرية، وتوفي في 10 ديسمبر 1198، في مراكش وترك خلفه إرثاً عظيماً في الفلسفة الإسلامية، وتم عرض قصته في فيلم للمخرج المصري يوسف شاهين بعنوان «المصير» عام 1997.


-