EN 
يحتفي العالم اليوم، باليوم العالمي للغة العربية، إذ يعود تخصيص يوم عالمي للغة العربية لعام ٢٠١٢، وتحديدًا عندما انعقدت الدورة 190 للمجلس التنفيذي لليونسكو حيث تم اعتماد يوم 18 ديسمبر يومًا عالميًا للغة العربية، وقد احتفلت اليونسكو في تلك السنة للمرة الأولى بهذا اليوم.
وبمرور السنوات أصبح اليوم العالمي للغة العربية بمثابة عيد قومي لا يخص دولة بعينها وإنما هو عيد لكافة البلاد العربية ليس لدولة واحدة بل أصبح عيدًا قوميا لكافة البلاد العربية، وقد تم تخصيص العديد من الاحتفاليات داخل كافة ربوع الوطن العربي احتفاءً بهذا العيد السنوي للغة العربية.
الدكتور السوري بهجت القبيسي أستاذ اللهجات العروبية «الكنعانية والآرامية» والتاريخ القديم، تحدث معنا حول اللغة العربية وعن أبحاثه ومؤلفاته الهامة والتي أنفق فيها حياته، لعل أهمها «ملامح فى فقه اللهجات العربيات من الأكادية والكنعانية وحتى السبئية والعدنانية» و«العرب والأمازيغ» و«القدس فى الكتابات الهيروغليفية والأكادية والكنعانية والآرامية»، إذ يرى أن اللغة وحدها هى القادرة على إقامة أمة وتاريخ، وبغيرها لا تقوم الحضارة، وهذا ما حاولوا فعله بنا لتمزيقنا.
يتحدث القبيسي عن تاريخ اللغة العربية ويقول: قبل أن ينتشر الإسلام، فى الخمسمائة ميلاديًا تقريبًا، كان عندنا الأب أوغسطين فى الجزائر وكان يتكلم الكنعانية، والفعل فى الكنعانية والآرامية يصرف كما تصرف العربية الفصحى، واللغة الكنعانية لم تمتد فقط نحو الجزائر وبلاد المغرب، بل امتدت إلى الإمبراطورية الرومانية.
وقد أصّل بهجت القبيسى لتلك المسألة فى كتابه «الكنعانيون والآراميون العرب فى الإمبراطورية الرومانية والأباطرة العرب الذين حكموا روما»، وعنها يقول: «هناك تسع أباطرة حكموا روما كانت أصولهم عربية؛ منهم تراجان وهادريان، واللذان كانت أمهاتهما كنعانيتان، وقد حكم تراجان من عام ٩٧ ميلاديًا إلى ١١٨ ميلاديًا، وعندما أتى إلى بلاد الشام استقبله الناس فرحين، ويقول المؤرخ الروسى روستفت زف: «إلى الآن لا نعرف لماذا هذه الفرحة العارمة التى أتت بها بلاد الشام لاستقبال تراجان»، أما هادريان فعندما دخل «الفارما» فرح الناس كما فرحوا بتراجان، ودخل أورشليم وقتل اليهود، ودمر أورشليم، ومن حب الناس له سموا القدس على اسمه، باسم «إليوس هادريانوس»، لذلك عندما دخل عمر بن الخطاب القدس وجدها تسمى بـ«إليا» وقد سميت بهذا الاسم محبةً فى إليوس هادريانوس، وهناك الإمبراطور الرومانى سيبتيموس سيفيروس أرابيكوس أى (سبطيم سفير العربى)، فهو كنعانى، من لبدة والتى تقع شمال غرب ليبيا، وهى من أجمل المدن الرومانية بالعالم وليس لها مثيل لا فى مصر ولا فى أوروبا كمدينة، وقد ضمت مبانٍ من ثلاثة طوابق، أما زوجته فكانت «جوليا دومنا» وهى من حمص، والتى أنجبت «كرك اللا» ومعنى اسمه هو «قدرة الله»، وهم كانوا يتحدثون داخل بيتهم فى روما بالكنعانية وزوجته تحاكيه بالآرامية، أى كى أوضح الأمر؛ تخيل لو أن شخص من حلب تزوج امرأة من الإسكندرية فما يحتاجانه للتعرف على لهجة بعضهم البعض هو أسبوع فقط، وهذا ما كان يحدث داخل بيتهم، فالزوجة تتحدث الآرامية والزوج الكنعانية، وبعدهم أتى الإمبراطور «مرقس أورئيل» والذى كان متصوفًا وله كتاب شهير باسم «التأملات» وقد سميت مدرسته باسم المدرسة الرواقية، وبعد ذلك حكم روما «سيفيروس ألكسندر» ووالدته كانت جوليا مامايا وهى من سوريا، إلى أن أتى فيليب العربى والذى حكم حتى عام ٢٤٩م. لذلك أقولها: «إن كافة الآثار الحجرية الرومانية التى ندعيها اليوم، من الناحية العلمية يجب أن تسمى بآثار الأباطرة العرب الذين حكموا روما، وهم تسعة أباطرة عرب كما ذكرت «كنعانيون وآراميون وأنباط».
نقوش الأرض
يرى القبيسى أن الاستعمار قد فعل بنا ذلك لتفكيكنا، يقول: المسافة بين دمشق والقاهرة هى ٦٢٥ كيلو متر والمسافة بين القاهرة وأسوان هى ٧٢٥ كيلو متر، لكن للأسف هم قد شتتونا بحدود سايكس بيكو، وهناك من يتمسكون بتلك النعرات القومية فيقولون أنت مصرى وأنا سورى، وما أعرفه أننا أمة واحدة، ولو فتحت دليل الهاتف فى سوريا ستجد اسم «المصرى» موجود لأكثر من عشر صفحات، وكذلك لفظ فلان «الفيومى، والصعيدى، والطنطاوى، والإسكندرانى» والمشكلة من وجهة نظرى نفسية وثقافية، وإذا أردت أن تعرف من أين جاءت اللغة العربية ، فعليك أن تتتبع نقوش الأرض من جبال زاغروس فى شرق العراق وحتى موريتانيا، وأسماء المدن والقرى هى التى تتكلم، وما من اسم إلا وله تفسير؛ إما مدلول طبيعى، أو مدلول دينى، أو مدلول عسكرى، فدمشق على سبيل المثال: تعنى «مشق» أى أنتج ونمى وخصب وهى الأرض الممشوقة، وعندنا «دمياط»؛ أى أماط اللثام وأبعده وهى بالفعل أبعد مدينة موجودة بالوجه البحرى، لذلك فاللغة الأقدم هى التى تحوى القاسم الأكبر من الكلمات، ضع العدنانية والآرامية والعبرية والسريانية وستجد أن اللغة الأقدم هى اللهجة العربية العدنانية الفصحى.
