الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

«الدوادة» كما رواها الخال.. حكايات تراث الصعيد في طفولة عبدالرحمن الأبنودي

الشاعر الراحل عبدالرحمن
الشاعر الراحل عبدالرحمن الأبنودي في شبابه بصعيد مصر

شكلت عادات أهل الصعيد شخصية الشاعر الراحل عبدالرحمن الأبنودي، الرموز المستوحاة من تراث الجنوب كان لها أثر كبير في شعر “السهل الممتنع” التي لازمته منذ طفولته، وأفصح عنها في العديد من أوراقه التي جمعها في مذكراته “أيامي الحلوة”.

الدوادة والوجه الفخاري

ومن بينها شخصية «الدوادة»، إذ كشف الشاعر عبدالرحمن الأبنودي (11 أبريل 1938 - 21 أبريل 2015) عنها وهي امرأة غجرية بدينة، ذات جسد غير متناسق، إذ تحركت من مكانها تترك آثار لحجمها البدين، كان الأبنودي وهو طفل يدور حولها محاولا فك ألغازها، لم يصدق يوما أنها بشرا، كان يصف وجهها بأنه "فخاري" بدون حياة لا يتحرك لضحك أو حزن.

يستكمل وصفها أيضا بأنها لم يكن لها رقبة، "إذا أرادت أن تستدير تلف جسدها كله" على حد وصفه، ويصف «الدوادة» بأنها وظيفة نادرة وغريبة لم يسمع بها أحد من قبل أو يراها، ولكن برغم ذلك كانت تشكل مؤسسة طبية متكاملة تعتمد عليها نساء الصعيد للأطفال.

وظيفة غريبة

اعتمدت الأمهات على المواظبة على زيارة «الدوادة» أو حضورها للمنزل وكأنها مستشفى متنقل، ويصفها "الخال" قائلا: "كانت الدوادة الغجرية ظاهرة شديدة الغرابة، ليست فقط في وظيفتها، وإنما في طبيعتها، فقد كانت تأتي من المجهول وترحل نحول المجهول، لا نعرف لها بيتا ولا مستقرا".

ربما كانت تعيش في خيام الغجر المصنوعة من الصوف والمنصوبة على أطراف القرية، وربما كانت رحالة، لم يعلم مكانها يوما، كأنها شبح يحضر ويختفي وقتما شاء، واستكمل وصفها في مذكراته «أيامي الحلوة» بأنها كانت واحدة من أصحاب الوظائف الغريبة الذين يوهمون الناس بأنها مهمة.

وضرب مثالا على هذه الوظيفة وهي إخراج الثعابين الوهمية من الشقوق داخل الدور وهم يلعبون، أو يقرأون الكتاب للنساء بعد الطلاق، كلاهما كان موضع هوس للنساء في الصعيد حينها.

طقس أسبوعي

كانت تسير "الدوادة" في الشوارع وهي تصيح: "الدوادة يا بنته" وتقصد "بالبنته" نساء الدرب، تنده في تعالي لكي لتفتن لوظيفتها وأهميتها وخطورتها أيضا، كانت كما وصفها متعجرفة ومتعففة أيضا.

وكان للدوادة طقسا أسبوعيا تمارسه على الأطفال، كان ينتظرها عبدالرحمن الأبنودي وهو طفل محاولا حل لغزها، إذ على الرغم من صغر سنه كان يدرك أن هذه السيدة ليست طبيبة وأنها تمارس خرافات مستغلة بها رغبة كل الأمهات في أن يعيش أبناؤهن أصحاء.

وفسر معنى اسمها بأنها مستوحى من "الدود" وكان يتلخص عملها الطبي في أنها تستخرج من الأطفال الدود، وإذ ما استجابت أم لها، كانت تأتي "الدوادة" للجلوس على عتبة المنزل إذ لا تسمح لهن الأمهات بدخول المنزل خشية السرقة.

دود “المش”

ويتابع الأبنودي: "لا يدخل الغجر الدور، فهم غير مؤتمنين ويؤمنون بأن السرقة شطارة ومهارة، منهن من تضرب الودع، أو من تفتح كتاب البخت والحظ، أو الدوادة"، تجلس السيدة منهن تقرأ كلمات ربما هي أدعية لا تتبين كلماتها، يجلس أمامها واحدا تلو الآخر".

كانت تقرأ المرأة كلمات غريب ثم تفرك أذنه بيدها الضخمة وتعود بها مملوءة دودا أبيض صغيرا، "لو صح أنه خارج من أذني لما ظللت من يومها حيا واحدا" كما قال، كان ينظر إلى هذا الدود بغرابة، يتفحصه وهو في يدها، ويرى أنه يشبه دود "المش" الأبيض الصغير، ويستكمل: "كانت نصابة، وتحضر دودها معها، وأنها دوادة بمعنى أنها تستزرع الدود ولا تخرجه من الأذن".