الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

وليد السيد محمد مرعي يكتب: مضاعفة الأعمال في رمضان

دكتور وليد مرعي
دكتور وليد مرعي

مما يتميز به شهر رمضان المعظم أن أجور الأعمال تتضاعف فيه؛ مصداقًا لما روي عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ سَلْمَانَ قَالَ: خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي آخِرِ يَوْمٍ مِنْ شَعْبَانَ فَقَالَ: «أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ أَظَلَّكُمْ شَهْرٌ عَظِيمٌ، شَهْرٌ مُبَارَكٌ، شَهْرٌ فِيهِ لَيْلَةٌ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ، جَعَلَ اللَّهُ صِيَامَهُ فَرِيضَةً، وَقِيَامَ لَيْلِهِ تَطَوُّعًا، مَنْ تَقَرَّبَ فِيهِ بِخَصْلَةٍ مِنَ الْخَيْرِ، كَانَ كَمَنْ أَدَّى فَرِيضَةً فِيمَا سِوَاهُ، وَمَنْ أَدَّى فِيهِ فَرِيضَةً كَانَ كَمَنْ أَدَّى سَبْعِينَ فَرِيضَةً فِيمَا سِوَاهُ». [صحيح ابن خزيمة، حديث رقم: 1887].
ومن جملة الأعمال الصالحة في هذا الشهر الفضيل: التهجد؛ وهو القيام إلى الصلاة من النوم في الليل؛ قال -تعالى-: {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ} [سورة الإسراء: 79].
يقول أبو منصور الهروي: " المعروفُ فِي كَلَام الْعَرَب أَن الهاجدَ النَّائِم، وَقد هَجد هُجودًا: إِذا نامَ، وَأما المتهجِّد، فَهُوَ الْقَائِم إِلَى الصَّلَاة من النّوم آخر اللَّيْل، وَكَأَنَّهُ قيل لَهُ: متهجِّد لإلقائه الهجود (النوم) عَن نَفسه" . [تهذيب اللغة: (6/ 26)].
فخصوصية صلاة التهجد في كون إيقاعها بعد الاستيقاظ من النوم ولو كان النوم ليسير وقت، بحيث يوقع المتهجّد الصلاة في هذا الجزء من الليل بعد أن يستيقظ من نومته.
فالتهجد نوع من قيام الليل، يكون بالنّوم ثمّ الاستيقاظ لأداء الصّلاة (فقط) في هذا الجزء من الليل دون غيرها من العبادات، كالذِّكر، والدُّعاء، وقراءة القرآن.
وهذا ما يميزه عن قيام الليل الذي يكون بالصّلاة، والذِّكر، والدُّعاء، وقراءة القرآن، وغير ذلك من العبادات في أيّة ساعة من ساعات الليل؛ فعَنِ الْحَجَّاجِ بْنِ عَمْرِو بْنِ غَزِيَّةَ صَاحِبِ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: بِحَسْبِ أَحَدِكُمْ إِذَا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ يُصَلِّي حَتَّى يُصْبِحَ أَنَّهُ قَدْ تَهَجَّدَ؛ «إِنَّمَا التَّهَجُّدُ الْمَرْءُ يُصَلِّي الصَّلَاةَ بَعْدَ رَقْدَةٍ، ثُمَّ الصَّلَاةَ بَعْدَ رَقْدَةٍ، وَتِلْكَ كَانَتْ صَلَاةَ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-».[المعجم الكبير للطبراني (3/ 225)، برقم/ 3216].
وقد نص الإمام النووي على أن أفضل صلاة قيام الليل التهجد؛ معللاً ذلك بأن الصلاة بعد النوم أشق، وبأن المصلين فيها أقل فكانت أفضل. [المجموع للنووي (4/ 43)].
فإن الليل تنقطعُ فيه الشواغلُ، وتجتمعُ فيه الهممُ، ويتواطأ القلبُ واللسانُ فيه على التدبر؛ كما قال –تعالى-: {إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا} [سورة المزمل: 6].
وقد منّ الله –تعالى- علينا بإدراك رمضان، كما منّ علينا بإمكان إحياء نافلة التهجد حال الاستيقاظ للسحور، فمن مِنح الله –تعالى- للمسلم أن خص ساعات رمضان بما لم يخص به غيرها؛ فضاعف فيها ثواب ما يوقعه العبد من طاعات.
والخاسر وحده: من فوّت مثل هذه المنحة الربانية ولم يغتنم إيقاع نافلة التهجد إذا استيقظ لسحوره في آخر الليل، ذلك الوقت الذي يتنزل فيه الحق –سبحانه وتعالى- ليستجب، ويعطي، ويغفر؛ مصداقًا لما روي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «يَنْزِلُ رَبُّنَا تَبَارَكَ اسْمُهُ كُلَّ لَيْلَةٍ، حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الْآخِرُ، إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا، فَيَقُولُ: مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ؟ مَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ؟ مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ؟ حَتَّى يَطْلُعَ الْفَجْرُ». [مسند أحمد حديث رقم/ 7592].
فما أحوجنا إلى تحصيل الطاعات في هذا الشهر الفضيل؛ لنكفّر بها عما اقترفته أيدينا من ذنوب ومعاص؛ فكلنا ذَوُوا خطأ، وحَسْبُنا أن الله غفور رحيم.
نسأل الله العفو والعافية
وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وآله