الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

الاكتشافات والحفائر الأثرية بمصر بين عظمة الأجداد وعبقرية الأحفاد

 د. علي أبو دشيش
د. علي أبو دشيش خبير الآثار المصرية وعضو اتحاد الأثريين

تعتبر الاكتشافات الأثرية الأخيرة بمصر دليلا هاما على عبقرية الأثريين والمرممين المصريين، فكل كشف يظهر كيف عاش المصري القديم وأبدع في كل علوم الحياة مثل الطب والهندسة والفلك والحساب والصيدلة والتحنيط الذي يعد حتى الآن سرا يحير العالم أجمع. 

ولعل التوابيت المكتشفة الأخيرة بسقارة دليل على العلم الهائل الذي وصل إليه المصري القديم، فكان تحنيط الجسد دليلا قاطعا على أن الروح سوف تعود مرة أخرى للجسد، فالمصري القديم كان يؤمن بالبعث مرة أخرى بعد الموت ليعود لحياة أخرى إلى ما لا نهاية، فأخذ معه كل شيء في القبر، وكان يقول دائما “القبر قبل القصر”. 

وبدأت الحفائر المصرية والتنقيب عن الآثار المصرية منذ زمن بعيد بل منذ عصر الفراعنة أنفسهم، فكان هناك لصوص للمقابر، وعندما ينتهي العمال من بناء المقبرة والدفن، كان نهب القبور عنيفا، فكان الفراعنة دائما يبحثون عن مكان آمن لدفن موتاهم، ولذلك كانت سقارة من ضمن أحد الأماكن التي كان يدفن فيها الملوك والملكات منذ عصور ما قبل التاريخ وحتى العصر الإسلامي.

وعندما تولى عالم الآثار المصرية الدكتور زاهي حواس، كان همه الشاغل أن يتعلم الأثريون المصريون فنون الحفائر والترميم، فقام بعمل مدارس للحفائر المصرية وقام بتعليم أكثر من 500 أثري مصري فنون البحث والتنقيب، حتى أصبح الأثريون المصريون ينافسون الأجانب بل وتفوقوا عليهم، والدليل على ذلك الاكتشافات الأثرية التي أبهرت العالم أجمع وكانت بأيدٍ مصرية خالصة، مثل اكتشافات زاهي حواس لمقابر العمال بناة الأهرام والمدينة الذهبية المفقودة بالأقصر.

ويعود تاريخ المدينة المفقودة إلى عهد الملك أمنحتب الثالث، واستمر استخدام المدينة من قبل الملك توت عنخ آمون، أي منذ 3000 عام، وتعد هذه المدينة أكبر مستوطنة إدارية وصناعية في عصر الامبراطورية المصرية على الضفة الغربية للأقصر، حيث عثر بالمدينة على منازل يصل ارتفاع بعض جدرانها إلى نحو 3 أمتار، وهي مقسمة إلى شوارع، بالإضافة إلى هرم الملكة نيت بسقارة ووادي المومياوات الذهبية بالواحات البحرية. 

ومؤخرا تولى الدكتور مصطفى وزيري رئاسة المجلس الأعلى للآثار، وعلى الفور قام بعمل البعثات للتنقيب عن الآثار المصرية في ربوع مصر، وبدأ العمل بسقارة الجبانة التي دفن فيها العديد من ملوك وملكات مصر وكبار رجال الدولة والكهنة. 

وفي عام 2018 أعلن الدكتور مصطفى وزيري، الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار، نجاح البعثة الأثرية المصرية فى اكتشاف مقبرة "واح تى"، أحد كبار الموظفين بسقارة من عهد الملك نفر اير كا رع من أواخر الأسرة الخامسة، ويعود عمرها إلى أكثر من 4400 عام، ولم تمس من قبل وتتميز بالألوان الرائعة، وكان  يشغل منصب المشرف على قصر الإله ومشرف المركب المقدس.

فضلا عن مناظر صيد الطيور والأسماك، بالإضافة لنقوش تمثل الأثاث، والزراعة، وصناعة الفخار، بالإضافة لحب العائلة وحضن الشقيق لشقيقه، وهذه النقوش تعتبر من أروع النقوش لأنها تمثل الحياة اليومية.

وتم الكشف بالمنطقة الواقعة شمال غربي هرم الملك «مرنرع» بسقارة، عن العديد من  المقابر المكتشفة لشخص يدعى «إيري» من أحد كبار رجال الدولة، وبها مناظر الجنائزية وموائد القرابين، وواجهة القصر، وأواني الزيوت السبعة، كما يوجد بها تابوت ضخم.

والمقبرة الثانية تخص زوجة شخص يدعى «يارت»، وذلك بسبب قربها من مقبرته وهي تتكون من بئر مستطيل الشكل، والمقبرة الثالثة لشخص يدعى «ببى نفرحفايي»، والذي كان يشغل عدة مناصب منها «السمير الأوحد»، والمُشرف على البيت العظيم.

والمقبرة الرابعة لسيدة تدعى «بيتي»، والتي حملت ألقاب مزينة الملك الوحيدة وكاهنة المعبودة حتحور.

أما المقبرة الخامسة، فهي لشخص يدعى «حنو» المشرف على القصر الملكي والأمير الوراثي والعمدة.

وفي عام 2020، اختارت مجلة الآثار الأمريكية "توابيت سقارة" كأحد أهم 10 اكتشافات أثرية في العالم.

أما عن آخر الاكتشافات الأثرية برئاسة الدكتور مصطفى وزيري، فقد تم الإعلان عن أول وأكبر خبيئة بمنطقة التنقيب بسقارة، جنوبي الجيزة، وتضم 150 تمثالا برونزيا و250 تابوتا خشبيا، تعود للعصر المتأخر، وتعود لعدد من المعبودات المصرية القديمة منها أنوبيس وآمون مين وأوزير وإيزيس ونفرتوم وباستت وحتحور.

بالإضافة إلى مجموعة من الأواني البرونزية الخاصة بطقوس المعبودة إيزيس مثل الصلاصل، وتمثال برونزي للمهندس إيمحتب بدون رأس، وتعود التوابيت الخشبية الملونة لحوالي 500 ق. م، وعثر عليها مغلقة وبداخلها مومياوات بحالة جيدة من الحفظ. 

ولعل أعظم ما عثر عليه هو العثور على بردية مختومة ولم يمسها أحد، وتم نقلها للمتحف المصري، وسط القاهرة، من أجل دراستها وإعادتها لحالتها الأصلية، وأطلق عليها اسم "وزيري"، ويقدر طولها بتسعة أمتار تحتوي على فصول من كتاب الموتى، وهي مجموعات من النصوص الجنائزية المكونة من تعاويذ استخدمها المصريون لإرشاد الموتى عبر العالم السفلي.

كل هذه الاكتشافات العظيمة تبرز عظمة وجمال الحضارة المصرية القديمة المتفردة، ولعل الحدث الأكبر هو بناء الأجداد للمتحف المصري الكبير، والذي يضم آثار الملك توت عنخ آمون الفرعون الذهبي، والذي سوف يحتفل العالم في 4 نوفمبر القادم، بالذكرى المئوية لاكتشاف مقبرته على يد عالم الآثار هاورد كارتر في الأقصر وفي كل مدن العالم. 

وقام الدكتور زاهي حواس بتجهيز أوبرا باسم "أوبرا توت عنخ آمون" يجسد فيها قصة حياة الملك المليئة بالغموض والسحر، فنحن على موعد مع الأحفاد في حضرة الأجداد.