الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

ثنائية العنف والتسامح

منى أحمد
منى أحمد

لم يكن العنف مطروحا على المفردات السلوكية  للمجتمع المصري حتى وقت ليس بالبعيد، لكن في الآونة الأخيرة تسلل العنف شيئا فشيئا، وأصبح يتخذ مسارات لم تكن مألوفة على التركيبة المصرية التي تميل بطبعها للتسامح، ومعها ظهرت مفاهيم ومفردات دخيلة على مجتمعنا تسللت لشرائح لا يستهان بها، خاصة من صغار السن، وهنا لا أعمم ولكن المنحنى في ازدياد.   

وأصاب الاختلال الأخلاقي قيما عدة وتشوهت العديد من الثوابت المجتمعية والتي نستطيع أن نشاهدها من خلال بعض السجالات حول قضايا وقعت في الشارع المصري، والتي لا تحتمل اللغط واختلطت المفاهيم بما قد ينال من القيم الأصيلة، واختلت الموازين واعتلت المقاييس وما هالني وجود شريحة فقدت البوصلة القويمة.

تلوث سمعى وبصري وعشوائية أفرزت انفلاتا لفظيا تحول لاحقا لسلوكيات في طبقات ومناحٍ لا يستهان بها، وبالتوالي أصبح انتهاج القسوة والعنف العنوان الأبرز، والكارثة أنها ظهرت بين ذوي الروابط القوية مثل الآباء والأبناء، بل تطور الأمر للتعدي على حرمة النفس بالانتحار وهو أمر يدعو للقلق، فالحالات الفردية أصبحت متكررة وأخشى أن تتحول إلى حد الظاهرة.

فبعض الحوادث أصبح مخيفا في دلالاته وناقوس خطر يضع علامة استفهام كبيرة حول دور الأسرة التي أصبحت مشغولة عن أبنائها، فهل فقدت روابطها الاجتماعية التي تقف حائط صد يكبح جماح العنف كما كان في الماضي عندما كانت الأسرة هي النواة الصلبة ضد الهجمات الشرسة لحلحلة التماسك المجتمعي ومحاولات تجريف الشخصية المصرية.

وللأسف مع كل واقعة او جريمة، يسرع المحللون بتبريرها أنها حادثة فردية وظواهر دخيلة، وبالتدريج أصبح كل طارئ مستغربا مألوفا مستانسا وما خفي كان أعظم، وفي كل مرة نكتفي بالاستنكار والاندهاش.

وإذا لم ننتبه بالدراسة والبحث أمام هذه الظواهر، فنحن أمام خطر داهم وعنف وتطرف يمكن أن يتمدد داخل المجتمع الذي أخشى أن يبتعد بسلوكياته عن التسامح والرحمة.

والتغير النوعي في الحوادث اليومية بات يطرح الكثير من التساؤلات، أهمها ما الذى تغير فى القاموس الأخلاقي والاجتماعي للمجتمع المصري؟ وكيف نعالجه؟ وما دور التعليم والثقافة بروافدها الناعمة والإعلام التوعوي؟

نوعية الجرائم التي  يشهدها المجتمع المصرى كل يوم تتجاوز المقبول، وكلها تكشف عن عطب وخلل واضح وأمراض اجتماعية ونفسية فجة غير مبررة.

وقد تبنى منتدى حوار الثقافات بالهيئة الإنجيلية هذا الملف المجتمعي منذ سنوات بعيدة بالمناقشة والدراسة من خلال التناول التحليلي والبحث الميداني والرصد الإحصائي ووضع بعض الحلول، وهو مجهود مؤسسي محمود من إحدى مؤسسات المجتمع المدني الكبرى. 

ولكن الجديد لمنتدى حوار الثقافات والذي أتمنى أن تشارك فيه جميع المؤسسات البحثية والمجتمعية هو وضع هذه الفعاليات والنتائج على طريق التفعيل وترجمة الرؤى المختلفة ومنهجيتها للتنفيذ على أرض الواقع.

لقد أصبحنا في أمس الحاجة للمزيد من البرامج الفعالة للتوعية والحماية تشارك فيها جميع مؤسسات التنشئة الاجتماعية والدينية، وإعداد نماذج تربوية تأهيلية للمتزوجين حديثا بكيفية التنشئة السوية للطفل بعيدا عن الأنا والعنف والتنمر والتمييز والانحياز والمقارنات وغيرها من العادات التي تؤصل للكراهية ومن ثم العنف. 

وأرجو أن يتبنى الإعلام المزيد من الصيغ الجمعية ويتم الاسترشاد بها لممارسة تنبذ جميع أشكال التعصب والعنف وتؤصل للأعراف المهنية المتعارف عليها، وهنا لا بد من التطرق لعامل في منتهى الخطورة، وهو تأثير السوشيال ميديا ودورها اللا متناهي في نشر الثقافة والمفاهيم الأخلاقية، وتلك الإشكالية الكبيرة ينبغي وضع حلول لضبط إيقاعها.

مواجهة العنف بتدعيم ثقافة التسامح أصبح ضرورة مجتمعية من أجل مواجهة كل الأشكال التي يمكن أن تعكر صفو السلم المجتمعي.