الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

هل قرأت التاريخ الإسلامي حقا؟ إليك أسماء مؤرخي القرن الأول ومؤلفاتهم

لوحة تعبيرية
لوحة تعبيرية

بلا شك وبين الفينة والأخرى، يراود البعض منا حنينًا إلى قراءة تاريخ صدر الإسلام خاصة السيرة النبوية الشريفة وما عُرف بعد ذلك اصطلاحًا عند المؤرخين بـ"المغازي والسير". إلا أنه سرعان ما تُثَبِّط عزيمتنا حينما نجد أنفسنا أمام كمًا هائلاً من الكتب والمراجع لا نعرف أولها من أخرها، خاصة حينما نكون غير متخصصين سواء في علوم الحديث أو حتى في التاريخ الإسلامي.

هذا ناهيك عن أننا بالتأكيد سنقع في حبائل وتعقيدات ما أسماه بن خلدون في مقدمته بـ"الدسائس التي خلطها المتطفلون بالباطل وهموا فيها وابتدعوها"، فلهذا الغرض انتقل علم "الجرح والتعديل"-وهو علم شرعي مرموق- من حِجر الروايات النبوية الشريفة وسنن الرسول، إلى حجر التاريخ الواسع، ليصبح عامودًا وركنًا أساسيًا في رواية التاريخ الإسلامي. وذلك يعزو إلى أن التاريخ الإسلامي يحلُ من سنة الرسول وكتاب الله محل القطب من الرحي، تمامًا كما حصل مع علوم كثيرة كالنحو والبلاغة والفلك، ولهذا ستجد كثيرًا من المؤرخين هم أصلاً فقهاء شرعيين.

وفي هذا يقول ابن حاتم الرازي في كتاب "الجرح والتعديل": "لما لم نجد سبيلاً إلى معرفه شئ من معاني كتاب الله ولا من سنن رسول الله  إلا من جهة النقل والرواية، وجب أن نميز بين عدول الناقلة والرواة وثقاتهم وأهل الحفظ والثبت والإتقان منهم، وبين أهل الغفلة والوهم وسوء الحفظ والكذب واختراع الأحاديث الكاذبة".

ورغم أن علم "الجرح والتعديل"، شأنه في ذلك شأن أغلب علوم المسلمين، أصبح علمًا له قواعد وأصول في وقت متأخر عن صدر الإسلام، إلا أن رجال الحديث من حفاظ الإسلام لم يآلوا جهدًا في استيعاب جميع الروايات التاريخية وناقليها منذ أيام الرسول، والانكباب على جرحها وتعديلها وبيان الثقات من رواتها وطبقاته؛ ومن هنا نشأ فنًا جديدًا أطلقوا عليه التراجم والطبقات، وأصبح علم التاريخ الإسلامي واسعًا وموسوعيًا جدًا يستوعب كل الآثار المكتوبة والمنقولة لسانًا في التاريخ، ولا يستثنى من ذلك حتى الأشعار والأساطير الشعبية.

وبدون شك، فإنك حينما تسعى للتنقيب عن المصادر الأصلية التي استقى منها حُفّاظ الإسلام الروايات التاريخية، فإنك ستشعر بخيبة أملٍ كبيرة لما في ذلك من جهدٍ كبير قد يستغرق سنوات طوال. ناهيك عن التحيزات المذهبية والعقدية لدى المؤرخين وتناقضات متون الرواية الواحدة رغم صحة أسانديها، إلى غير ذلك من العثرات التي سيلاقيها القارئ الفضولي والنهم.

ومع ذلك، فقد حازت بعض كتب التاريخ الإسلامي على شهرة واسعة دون غيرها، رغم أن بعض تلك الكتب متأخر جدًا عن وقت وقوع روايتها، ولذلك ترى القارئ يسارع في اقتنائها، مثل تاريخ الأمم والملوك للطبري (310 هـ) ومروج الذهب للمسعودي (346 هـ) وتاريخ اليعقوبي (258هـ) والكامل في التاريخ لابن الأثير الجزري (630 هـ) والبداية والنهاية لابن كثير (774هـ.)، ثم كتب الطبقات الشهيرة مثل طبقات بن سعد (230هـ ) والاستيعاب في معرفة الأصحاب للإمام ابن عبد البر (463 هـ) وأسد الغابة في معرفة الصحابة لابن الأثير (630 هـ) والإصابة في تمييز الصحابة لأمير المؤمنين في الحديث ابن حجر العسقلاني (852 هـ).

لكن مم استقى هؤلاء الأئمة الأفاضل مروياتهم؟ وهل أغلب مروياتهم أسانديها شفهية، أم هل ثمة كتب تاريخ قديمة لا نعرف نحن عنها شيء سواء ظلت في المخطوط ولم تطبع أو لم تصلنا حتى الآن؟ يظن البعض أن تدوين التاريخ الإسلامي بدأ متأخرًا في العصر العباسي الأول، مستشهدًا في ذلك بأن أول كتاب تاريخي وصل إلينا كاملاً هو كتاب السيرة النبوية لابن هشام، وهو متخصر لكتاب السيرة النبوية لابن إسحاق، الذي لم يُعثر عليه حتى الآن.

إلا أن التدوين بدأ في الحقيقة مبكرًا جدا، بل وفي في عصر النبوة، رغم أن غالبية العرب كانوا أميين، فقد استعان الرسول الكريم بكتبة للوحي، وكان كاتبه الشخصي هو الإمام علي بن أبي طالب، وحين تولي عمر بن الخطاب الخلافة، اتسعت مهنة التدوين، لكنها لم تشمل التدوين التاريخي-إلا فيما يتعلق بكتابة القرآن-فكان الأمر مقتصرًا على وجود قصاصين في المدينة النبوية، يحكون قصص الأمم السابقة.

وفيما يلي قائمة بأقدم مؤرخي الإسلام ومنهم الذين قد وصلتنا كتبهم:

إبان بن عثمان

هو نجل الخليفة الثالث والصحابي الجليل، عثمان بن عفان، ويعتبر في الطبقة الأولى من المؤرخين العرب، لأنه شهد بنفسه أحداث الفتنة الكبرى ثم ما وقع بعد ذلك في خلافة يزيد بن معاوية والفرع المرواني من بني أمية، وامتد به العُمر لخلافة يزيد بن عبد بن مروان. وللأسف لم يصل إلينا أي مخطوطات أو وثائق أو كتب بقلمه، إلا أنه روى عنه أشهر رجال الحديث مثل الزهري وعمرو بن دينار والإمام البخاري في كتابه الأدب المفرد.

عروة بن الزبير بن العوام

هو محدث وفقيه وتابعي جليل ونجل حواري الرسول، الزبير بن العوام، وهو من الطبقة الأولى، وكان من المكثرين من رواية الحديث النبوي، ورى عنه عشرات المحدّثين. واللافت للنظر أنه كان يدون الأحاديث والأحداث التي وقعت في عصره، لكنه أحرق تلك الكتب خوفًا من أن يقدسها الناس مثل القرآن. وللأسف لم تصلنا وثائق بقلمه إلا المرويات التي نقلت عنه.

ابن شهاب الزهري

وهو حلقة بين جيل التابعين الأول والذي يليه، فهو مذكور عند محمد بن سعد في الطبقة الرابعة من أهل المدينة، وعدّه الذهبي في الطبقة الثالثة. وهو محدث كبير مجموع أحاديثه وصل 2200 حديث، وقد روى عن إبان وعروة وصحابة أجلاء مثل عبد الله بن عمر. فهو مولود بين  49 و53 هـ، وشهد أحداث الفتنة الثانية وثورة التوابين وحركات الخوراج. ولم تصلنا أي كتب بقلمه، ومتوفى سنة 124 للهجرة.

موسى بن عقبة

تلميذ الزهري وعروة بن الزبير، واستاذ مالك بن أنس (صاحب المذهب) وسفيان الثروي، والمتوفى سنة 141 للهجرة وأدرك صغار الصحابة، مثل عبد الله بن عمر. وله كتاب عن مغازي الرسول، لكنه لم يصلنا، إلا أن مادته قد جمعت في كتاب وخُرّجَتْ رواياتها بعناية الأستاذ محمد باقشيش في رسالة علمية منشورة.

عوانة بن الحكم

مؤرخ وإخباري كوفي، وله كتاب: "التاريخ"، وكتاب "سير معاوية وبني أمية"، لكنهما مفقودان، إلا أن المؤرخ الكبير المدانئي كان ينقل منه.

أبو مخنف

لوط بن يحيى الغامدي الأزدي المتوفي سنة 170 للهجرة، وكان شديد العداء للأمويين. وبين أيدينا كتاب له بعنوان "تاريخ أبي مخنف" يعتبر من أوائل كتب التاريخ الذي وثقت عصر صدر الإسلام. وقد روى عنه جماعة كثر أشهرهم الطبري في تاريخه، ومحمد بن إسحاق صاحب السيرة المفقودة.

أبو إسماعيل الأزدي

محمد بن عبد الله الأزدي المتوفى سنة 170 للهجرة، وكتابه فتوح الشام إلى جانب كتاب الجمل لسيف بن عمر، هما أقدم ما وصول إلينا في التاريخ، ولحسن الحظ حفظ لنا في كتبه عددًا كبيرًا من الرسائل المتبادلة بين أبي بكر الصديق وقادته وعمر بن الخطاب وقادته. وروى عنه محمد بن إسحاق.

أبو معشر المدني

المتوفى سنة 170 للهجرة، وله كتاب لم يصلنا اسمه "المغازي" وكتاب آخر بعنوان  "تاريخ الخلفاء"، إلا أن بن سعد والطبري نقلا عنه روايات كثيرة. وهو تلميذ الإمام زيد بن الحسن، وسعيد بن المسيب.


هشام الكلبي

مؤرخ وعالم أنساب كبير متوفي سنة 204، وهو أكثر من روي عنه المؤرخين الذين أعقبوه وأشهرهم الطبري والمسعودي وياقوت الحموي، وهو تلميذ أبو مخنف. ومن حسن حظنا أنه قد وصلنا كتابًا بقلمه اسمه "الأصنام" ويعد أقدم كتاب في التاريخ الإسلامي وصلنا حتى الآن، وقد حققه أحمد تيمور باشا. وله كتابين آخرين مطبوعين وهما "جمهرة النسب" و"نسب الخيل".

وأكثر مرويات هشام عن أبيه محمد بن السائب الكلبي، وهو مؤرخ كبير ولد في صدر الإسلام وخالط الصحابة والطبقة الأولى من التابعين.

الواقدي

تلميذ المدني. وهو محمد بن عمر بن واقد السهمي، وهو الحلقة التي تفصل الطبقات السابقة بالطبقات التي تلته وهي التي يقف عندها البعض ولا يذهب وراءها، فهو أستاذ محمد بن سعد البغدادي المؤرخ الكبير والذي يعرف باسم "غلام الواقدي" وصاحب كتاب الطبقات الكبرى. وقد توفى 207 للهجرة، وأكثر من روى عنه هو الطبري. ولحسن وصلنا كتاب له من مئات كتبه المفقوده، وهو كتاب المغازي والذي يحكي فيه غزوات الرسول.

نصر بن مزاحم

أبو الفضل نصر بن مزاحم بن يسار المنقري المتوفى عام 212 هـ، وهو شيعي زيدي ثم إمامي، من أهل الكوفة، وسكن بغداد فأخذ عن كبراء الحديث، فيما روى عنه محدثين أجلاء مثل سفيان الثوري وشعبة بن الحجاج. وهو تلميذ محمد بن إسحاق وأبو مخنف، وولم يصلنا من كتبه سوى كتاب صفين، والذي حققه شيخ محققي التراث عبد السلام هارون.

المدائني

أبو الحسن المدائني المتوفى سنة 225 للهجرة، وهو مؤرخ جليل ومصدرًا رئيسيًا لتوثيق أحداث عصره وله أكثر من 239 كتابًا لم يصلنا منهم شيء إلا بعض ما يرويه ابن جرير الطبري، والمسعودي، وابن عبد ربه في العقد الفريد، وأبو الفرج الأصفهاني في كتاب الأغاني، وابن أبي الحديد في نهج البلاغة، والمبرد في الكامل وأنساب الأشراف في أخبار الخوارج.

خليفة بن خياط

هو شيخ الإمام البخاري فقد روى عنه في صحيحه، وهو أيضًا آخر جيل قدماء المؤرخين، فبعده جاء الطبري والبلاذري وابن هشام والجاحظ وعمر بن شبة واليعقوبي وأبو محمد بن قتيبة الدينوري، وكل هؤلاء وصلتنا مؤلفاتهم. وله كتب وصلتنا أهمها "تاريخ خليفة بن خياط" و"طبقات خليفة بن خياط"، وقد توفى سنة 240 للهجرة. وقد حدث عن هشام الكلبي، وعلي بن محمد المدائني.