من "فيسبوك" إلى "تيك توك": كيف كان الربيع العبري مخططًا صهيونيًا لتفتيت المجتمعات العربية هذا ما استعراضه خلال سطور ذلك المقال :
في العقد الثاني من القرن الواحد والعشرين، شهد المجتمع العربي ظاهرة لم تكن عفوية، بل جزءًا من مخطط معقد، تمثل في ما سُمي بالربيع العبري. كانت وسائل التواصل الاجتماعي في قلب هذه الظاهرة، حيث استُخدم فيسبوك كأداة فعالة لحشد الشباب وتوجيه غضبهم السياسي. صفحات وحركات إلكترونية مثل “كلنا خالد سعيد” لم تكن سوى جزء من آلة ضخمة قادتها أجندات خارجية بهدف اختراق المجتمع العربي من الداخل وتفكيك بنيته الثقافية والسياسية. وتؤكد دراسة جامعة هارفارد لعام 2018 تحت عنوان "The Weaponization of Social Media" كيف استُغلت هذه المنصات من قبل أجهزة استخبارات غربية، من بينها إسرائيل، لتوجيه الحركات الثورية وتحويلها إلى أدوات تفكيك سياسي واجتماعي.
المرحلة الأولى: فيسبوك والحشد الجماهيري في خدمة المخطط الصهيوني
في عام 2011، برز فيسبوك وتويتر كمنصات ثورية أظهرت قدرة غير مسبوقة على تجميع الجماهير العربية خلف شعارات الحرية والكرامة. ومع ذلك، فإن دراسة متأنية تشير إلى أن تمويل وتدريب نشطاء هذه الحركات جاء من جهات مرتبطة بالاستخبارات الصهيونية والأمريكية، التي وجدت في هذه الحركات وسيلة لإعادة هندسة المنطقة سياسيًا عبر إحداث فوضى داخلية. تدعم تقارير واشنطن بوست ومجلة Foreign Affairs هذه الرؤية، حيث أوضحت أن مراكز بحث أمريكية وصهيونية شاركت في تدريب النشطاء على صناعة الفوضى. وتُظهر بروتوكولات حكماء صهيون، رغم كونها وثيقة تاريخية مزيفة، كيف تحدد أدوات السيطرة، ومنها إشعال الفتن عبر شبكات التواصل، مما يفسر استغلال صفحات مثل "كلنا خالد سعيد" كنقطة انطلاق لحملات منظمة تهدف إلى تحطيم نظام القيم والسلطة التقليدية.
المرحلة الثانية: أدوات مسرحية.. من خالد سعيد إلى التجييش الإلكتروني
استُثمرت قضية خالد سعيد إعلاميًا بشكل ذكي، وحولت من قصة محلية إلى رمز إقليمي للثورة. هذه الأداة استخدمت لنقل رسائل موجهة تخدم تفكيك البنية الاجتماعية، إذ عملت على تحويل الغضب الشعبي إلى أداة تصادم داخلي بعيدًا عن الإصلاح الحقيقي. وثقت صحيفة الجارديان البريطانية تحقيقًا يوضح كيف كانت قضية خالد سعيد أداة إعلامية منظمة لجذب الغضب الشعبي، بينما أظهرت وثائق مركز Carnegie للشرق الأوسط وجود تمويل خارجي لحملات إلكترونية موجهة. شهادات ناشطين محليين تؤكد أيضًا وجود دعم خارجي لتدريب النشطاء على إدارة الحملات الإلكترونية، مما يوضح كيف أصبح الشعب غير مدرك أنه يستخدم كوسيلة لتدمير كيانه.
المرحلة الثالثة: من الحشد إلى التفتيت الثقافي.. صعود تيك توك وأغاني المهرجانات
بعد انتهاء مرحلة الحشد السياسي المكثف، بدأت مرحلة جديدة تهدف إلى تفكيك المجتمع من الداخل عبر تغيير الوعي الثقافي. منصة تيك توك، التي انطلقت عالميًا في 2017 بعد إطلاقها محليًا في الصين عام 2016 باسم Douyin، أصبحت المسرح الأبرز لنشر ثقافة التفاهة والسطحية بين الشباب. تقرير صادر عن European Center for Media Pluralism and Media Freedom (ECMPMF) عام 2022 أكد خطورة المحتوى السطحي والسلبي المنتشر عبر هذه المنصة. كذلك، أظهرت تحليلات مؤسسة RAND الأمريكية عام 2021 كيف يساهم المحتوى الترفيهي السطحي في تقويض الوعي الجمعي، فيما سلطت تقارير إعلامية مصرية الضوء على انتشار أغاني المهرجانات وأثرها السلبي في تهديم القيم الاجتماعية التقليدية، وتعزيز النزعات الفردانية والاستهلاكية.
خطورة تيك توك: غسيل أموال وصناعة نجوم من القاع
لم تعد تيك توك مجرد منصة ترفيهية، بل أداة تُستخدم في عمليات غسيل أموال ضخمة عبر صناعة نجوم مزيفة. تحقيقات صحيفة Financial Times في 2021 أظهرت كيف تُستخدم المنصات الرقمية في عمليات غسيل أموال عبر إعلانات وهمية وحسابات بمبالغ ضخمة بلا رقابة واضحة. كما كشفت تقارير أمنية أوروبية وأمريكية عن وجود شبكات منظمة تستغل الترفيه الرقمي لتبييض الأموال. يتم اختيار أفراد من القاع الاجتماعي والثقافي، غير متعلمين غالبًا، وتلميعهم فجأة ليصبحوا نجومًا بثروات ضخمة، يروّجون لأنماط حياة سطحية من خلال بثوث مباشرة تستعرض ثرواتهم وأسلوب حياتهم المرفه، ما يؤثر بشكل سلبي على عقول الشباب والصغار الذين يتوهمون أن النجاح الحقيقي هو الثراء السريع لا بالعلم أو العمل. هذا الاستعراض الفج للثراء يؤدي إلى تآكل البوصلة الاجتماعية، مع فقدان العلماء والمثقفين لجمهورهم، ما يخلق جيلًا مستهلكًا ومفتقدًا للوعي الثقافي، مما يهدد النسيج الثقافي والهوية الوطنية، ويدفع المجتمعات إلى الانهيار.
المرحلة الرابعة: المخططات الكبرى والتنسيق بين القوى
تتداخل هذه الظواهر مع ما ورد في بروتوكولات حكماء صهيون التي تدعو إلى إشغال الشعوب بالمجون والفساد لإضعافها، مع مشروع الشرق الأوسط الجديد الذي يسعى لإعادة رسم خرائط المنطقة عبر كيانات هشة ومتقاتلة. وثائق مسربة من مراكز أبحاث إسرائيلية تؤكد وجود خطة استراتيجية تُعرف بـ"مشروع الشرق الأوسط الجديد"، الذي يهدف إلى خلق كيانات متناحرة هشة بدلاً من دول مستقرة. كما تبرز تصريحات ودراسات أمنية إسرائيلية خطة جيورا إيلاند التي تسعى إلى تغيير ديموغرافيا المنطقة بما يخدم المصالح الاحتلالية، وتحقيق السيطرة عبر إضعاف البنى الثقافية والاجتماعية للمجتمعات.
المرحلة الخامسة: النتائج الميدانية
النتائج كانت انهيار الثقة في المؤسسات والقيم، تفكيك الأسرة والمجتمع، وتشويه الوعي الوطني، مع بروز نجوم وسائل التواصل الذين يمثلون القيم المضادة، كل ذلك في ظل استعمار ثقافي واقتصادي يفرض أنماط حياة وأفكار مستوردة تجهض الهوية.
يبقى السؤال: هل يدرك المجتمع العربي حقيقة ما حدث وما يحدث؟ وهل من مقاومة فكرية وثقافية قادرة على استعادة الهوية وحماية المجتمع من هذا التفكيك المدروس؟