مقدرة الإنسان على التفكير نعمة عظيمة يتمخض عنها نتاج فكري، يسهم في تعزيز المستودع المعرفي، الذي يساعد في تنمية الوعي في أنماطه المختلفة، وهنا نتحدث عن مهارات نوعية، تصيب الهدف، وتحقق الغاية المنشودة، وتخلق أفكارًا، تتسق مع المنطق، ويتقبلها الوجدان، وتعززها الممارسة؛ حيث التأمل الناتج عن الفهم العميق، والاستنتاج المتاخم لمقدرة الفرد على التفسير، والملاحظة الدقيقة، التي تنسدل من معايير ضابطة، تحدُّ من أثر تدخلات متغيرات قد تشتت الأذهان، وتشوب النتيجة.
تقدير النتاج الفكري، والعكوف على طرائق وظيفيته؛ بغية الاستفادة منها يساعد في إيجاد مناخ يجعل الإنسان محفزًا؛ لإنتاج مزيد من هذا النتاج بمختلف ألوانه، وصوره بما يضيف إلى المستودع الثقافي؛ فيصير من تراثه المثمر بمرور الزمن، وهنا نتحدث عن أصالة، وتجديد؛ كي نتجرّع من كأس عتيق معارفنا، ونضيف نكهات الحاضر، التي تذيب ما نواجه من عثرات، قد تقف حجر عثرة أمام تحديات متجددة تواجهنا، وتحد من تدفق سيل أفكار، يمكننا أن نحوّلها من حيز التجريد لوظيفية التطبيق.
عقولنا البشرية، التي نمتلكها، لا تتوقف قطّ عن التفكر، والتفكير فيما يدور حولنا من مجريات أحداث قد مضت، أو ما زالت جارية، أو نتوقع صورتها في المستقبل القريب، والبعيد منه على السّواء؛ لذا يتوجب أن نستثمر ما لدينا من ملكات من أجل أن نتحصل على نتاج فكري رصين، يساعدنا في أن نطوّر من مجالات نوعية، لا غنى عنها، بل، يحسن من مفردات الحياة التي نعيش تفاصيلها؛ فنقدم على طرق أبواب، قد لا يتواتر على الأذهان في أزمنة بعينها أن تمسك بمفاتيحها؛ لتكشف عما ورائها، وهذا في حد ذاته يؤكد ضرورة تجديد نتاجنا الفكري؛ ليستدام التجديد، ويعزز الابتكار، الذي يقوم على فكرة تلو الأخرى.
دعونا نُثمّن مفرزات العقل البشري المُتَّقد، الذي يخرج لنا مؤلفات زاخرة بالمعاني، والمفاهيم العميقة، والبحوث، التي يتمخض عنها نتائج وظيفية، تستفيد منها مجالات عديدة، والنظريات، التي نستلهم من فروضها، ومبادئها المقدرة على تعضيد سيناريوهات من شأنها أن تحدث تغييرات في بِنَى التفكير، وأطره عبر ما نتبناه من استراتيجيات متقدمة تعتمد على تخطيط متقن، وتنفيذ مقنن، وتقويم يساعدنا في التحسين، والتطوير على الدوام، ناهيك عما تقدمه له مقالات الرأي من استنارة حول قضية بعينها، نستقرأ منها الإشكالية، ونستخلص من إيجابية الطرح اليانع، المتمثل في حلول تعتمد على عمق الرؤى، التي تربط النظرية بالتطبيق.
أعتقد أن جُلّ النتاج الفكري الرصين يقدم لنا أفكارًا، تمدنا برؤية مفعمة بتفاصيل تتوافق، أو تتكيف مع ما لدينا من مقدرات، وإمكانيات، لا ينقصنا سوى صناعة، واتخاذ قرار يحول الأفكار إلى نتاج ملموس، بعيدًا عن التحيز، أو الذاتية، والتزامًا بالموضوعية في سياقها المطلق، وهذا ما يجعلنا قادرين على المواكبة، وتطوير أنفسنا، وإضفاء قيمة مضافة إلى مقدراتنا، وهو ما يشكل حجر زاوية التقدم المعرفي، والمادي على السّواء.
النتاج الفكري المثمر يشرح الصدور، ويوقظ الأفئدة، وينير القلوب، ويروي الوجدان بفيض مفردات تخصب الأذهان؛ ومن ثم تنمو في مساراته المعقدة المفاهيم المجردة، والمحسوسة، التي تسهم في تنمية أنماط الوعي لديه؛ فيصبح مدركًا لما يدور حوله، غائرًا في حضارته المتجذرة، ملمًّا بتراثه الثقافي لديه رؤية طموحة نحو مستقبله، الذي يشارك في صناعته، ولا يتأخر قطّ عن المبادرة في تجاوز المشكلات، والتحديات، التي تواجه مجتمعه، ناهيك عن امتلاك صفات المواطنة الصالحة، التي تعجله يفقه منظومة النسق القيمي النبيلة، الذي يتبناه مجتمعه؛ فيمارس اتصاف التسامح عبر حوار بناء مع أخيه في الإنسانية، وهذا ما يؤكد على فلسفة الإيجابية.. ودي ومحبتي لوطني وللجميع.