الثقافة والإبداع في وجه الخطر

أخيراً.. يتجمع المبدعون للوقوف في وجه الخطر، وللدفاع عن حرية الرأى والتعبير في لحظة حاسمة في تاريخ الوطن.
تأخرنا كثيراً في المواجهة.. تركنا عقل مصر لمن يعادون العلم ويكرهون الفكر، وتركنا روح مصر لمحاولات تخريب لم تتوقف منذ أربعين عاماً!! كنا نواجه المعارك فرادي، ونتعامل معها كأنها أحداث طارئة، وتركنا الظلام يزحف مستغلاً شيخوخة نظام نشر الفقر وخاصم العلم، وأقام للفساد دولة وجدت في قوي الظلام الحليف الذي يساعدها ضد كل قوي التغيير والإصلاح.
تأخرنا كثيراً.. تركنا قصور الثقافة تتحول الي خراب، والسينما والمسرح يعانيان، ويد الدولة ترتعش في الدفاع عن الابداع، والمواطن المطحون محاصر بين خيارين: استبداد غبي أو تطرف متخلف!
تأخرنا كثيراً، لنجد أنفسنا الآن امام الخطر الحقيقي الذي يهدد كل ماهو جميل ورائع في وطننا. ولم يكن حرق المجمع العلمي إلا إعلان حرب من جيش الجهالة علي الثقافة والعلم والإبداع، وعلي التاريخ والمستقبل معاً. ومع إعلان الحرب كانت الهجمات تأتي من كل مكان.
الذين فشلوا في اغتيال نجيب محفوظ في حياته، يحاولون الآن مصادرة ما أبدعه، وهو ما ينطبق علي كل المبدعين بالطبع!.. والذين يجهلون أحكام الدين الحنيف »يتنطعون اليوم« بالحديث عن تحريم الفن وعن هدم أعظم تراث لأعظم حضارة علي مدي التاريخ كله! الذين يعادون العقل يرفضون الاجتهاد في العلم، والذين يخافون ان يسألهم الناس عن برامجهم الغائبة لإصلاح الأحوال ومكافحة الفقر والنهضة بالتعليم والعلاج.. يجرون المجتمع الي معارك هزلية حول مقاييس »المايوه الشرعي« و »الفن الحلال« و »الادب« المطلوب لدخول الحمام!!
الآن.. يدرك الجميع حجم الخطر علي حرية الرأي، حين يعود الحديث عن حبس الصحفيين، ومطاردة الإبداع، واستيراد العصي الكهربائية والكرابيج السودانية لزوم »الامر بالمعروف والنهي عن المنكر« كما يتصور هؤلاء الجهلاء!
الآن.. يتوحد المثقفون والمبدعون والعلماء في جبهة واحدة ترفض ارهاب العقول. وتتمسك بحرية الإبداع، وتقف في وجه المحاولات الجهولة لطمس وجه مصر الحضاري وتتمسك بما جاء في وثيقة الازهر التاريخية التي عكست روح الاسلام الحقيقية، وأكدت علي دعم حرية الإبداع، واعتبرت أن حرية الرأي هي أم الحريات.
علينا ان نستعد لمعركة طويلة وشاقة، ولكن فلنكن متأكدين تماماً ان مصر الازهر لن تنهزم امام افكار التطرف. وأن مصر الحضارة لن تنكسر أمام جيوش الجهل.. وأن مصر التي اضاءت الدنيا وعلمتها معني التوحيد ستصمد، وأن من ورثوا ابداع طه حسين والحكيم ومحفوظ وسيد درويش وشوقي وبيرم وأم كلثوم وآلاف المبدعين الذين نشروا العلم والثقافة في العالم العربي كله لن يسلموا الراية مكسورة.. ولن يستسلموا في معركة الحرية التي بدأت والتي لا خيار فيها إلا الانتصار.
نقلاً عن الأخبار