الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

كلمة فارقة بين الإيمان والكفر .. علي جمعة يبينها ويحذر

علي جمعة
علي جمعة

قال الدكتور علي جمعة عضو هيئة كبار العلماء، إن الله جل شأنه أعلن لنا توحيده، وجعلها كلمة فارقة بين الإيمان والكفر، تنقل الإنسان من دائرة غضب الله إلى دائرة رضاه، وأمر الناس أجمعين إلى يوم الدين بأن يلهجوا بألسنتهم، وأن تعتقد قلوبهم، وأن تطمئن عقولهم ونفوسهم إلى كلمة التوحيد (لا إله إلا الله - محمد رسول الله).

كلمة فارقة بين الإيمان والكفر

كما أعلن ربنا - سبحانه وتعالى - ذلك في كتابه، وبين لنا صفات ذاته العلية، حتى لا نعبد ربًا غامضًا، وحتى لا نشرك أحدًا سواه، وكانت هذه هي أعلى القضايا وأغلاها، وأجلاها وأحلاها، وهي التي يعيش بها المسلم حياته، وهي التي يختم بها ويرجو أن يلقي الله بها ويستقبل مماته (لا إله إلا الله - محمد رسول الله).


وجاء عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « احْشِدُوا فَإِنِّى سَأَقْرَأُ عَلَيْكُمْ ثُلُثَ الْقُرْآنِ ». فَحَشَدَ مَنْ حَشَدَ ثُمَّ خَرَجَ نَبِىُّ اللَّهِ - ﷺ - فَقَرَأَ : ( قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) ثُمَّ دَخَلَ فَقَالَ بَعْضُنَا لِبَعْضٍ : إِنِّى أُرَى هَذَا خَبَرٌ جَاءَهُ مِنَ السَّمَاءِ فَذَاكَ الَّذِى أَدْخَلَهُ. ثُمَّ خَرَجَ نَبِىُّ اللَّهِ - ﷺ - فَقَالَ  : « إِنِّى قُلْتُ لَكُمْ سَأَقْرَأُ عَلَيْكُمْ ثُلُثَ الْقُرْآنِ ، أَلاَ إِنَّهَا تَعْدِلُ ثُلُثَ الْقُرْآنِ ». [صحيح مسلم ]


وتابع علي جمعة: لو تأملنا القرآن وما جاء به لرأينا أن الله - سبحانه وتعالى - أمر بعبادة الله وحده، وأمر بعمارة الأكوان بما فيها الجماد والحيوان والإنسان، وأمر بتزكية النفس؛ فكانت سورة الإخلاص بهذا الاعتبار ثلث القرآن .


ويبين ربنا أن هذا الكتاب من عنده لا من عند أحد سواه فيقول: {قُلْ} وهو فعل أمر تكرر في القرآن كثيرًا- أكثر من خمسمائة مرة يأمر فيه ربنا  سبحانه وتعالى النبي ﷺ في أول تنزيل الآيات- بأن يبلغ عن ربه، فبلغ وأدى الرسالة؛ فاللهم جازه عنا خير ما جازيت نبيًّا عن أمته.


{قُلْ} كلمة من عند الله، قد تحررت من الزمان والمكان والأشخاص؛ فلم تعد وأنت تتلوها موجهة لرسول الله ﷺ ؛ بل أنت مبلغ عن ربك، وقال رسول الله ﷺ لك: (بلغوا عني ولو آية) فهي موجهة إليك؛ لأن القرآن كلام الله فتجاوز الزمان والمكان، وقد أذن الله لك أن تقرأه وتتلوه، وأن يكون كتاب هداية لك ... ؛ فهو يخاطبك أنت. {قُلْ} فلا يأتي أحد ويقول: كان ذلك على أيام النبي ﷺ ويكفينا أن نقول {اللَّهُ أَحَدٌ}؛ لأنها لم تعد لرسول الله وحده، بل لكل مؤمن يقرأ فيؤمر فيطيع، وأنت تبلغ بها يسمعها ابنك جيلاً بعد جيل، فتأمر بأمر الله وتخاطبه بالقرآن وتقول: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}.


{قُلْ} أمر بالتبليغ، كما أنه دلالة على ربانية ذلك الكتاب. 
{قُلْ} يبين لك أن القرآن لم ينحصر في زمان دون زمان. 
{قُلْ} إنما هو أمر بالدعوة، وأن الإسلام بني على الدعوة، وعلى أن نبلغه للعالمين، وأمرهم وحسابهم على ربهم {إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلَاغُ}.
{هُوَ} ضمير إذا ما أطلق انصرف على من تعلقت به القلوب، فلا يحتاج إلى سابق ذكر حتى يعود إليه. {هُوَ} - سبحانه وتعالى -. والضمير أعرف المعارف عند النحاة؛ ولذلك فهو أعرف المعارف عند العارفين؛ لأنهم يرون الله سبحانه وتعالى حاضرًا قادرًا، في كل شيء وعلى كل شيء، من غير حلول ولا اتحاد؛ لتفرده - سبحانه وتعالى - من فوق عرشه {هُوَ} لفظ دال عليه، لا ينصرف عند الإطلاق إلا إليه. 
{هُوَ} حاضر. 
{هُوَ} مباين للخلق. 
{هُوَ} الأول بلا ابتداء، والآخر بلا انتهاء، لا يقيده قيد، ولا يحده حد. 
{هُوَ} أظهر من الظهور، وأدل من الدليل، {هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} وبكل شيء محيط، {قُلْ هُوَ رَبِّي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتَابِ} ، {هَذَا بَلَاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ } ، {إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ }  إنما هو رب العالمين، عظيم القدرة، جليل الشأن، إذا أراد شيئا قال له: (كن) فيكون.


{اللَّهُ} لفظ فريد في مبناه، عظيم في معناه؛ لأنه يدل بكلِّه على الله .. على رب الكائنات .. لا وجود لمثله في اللغات، وهذا هو الذي جعل المسلمين يتمسكون به ولا يترجمونه إلى سائر اللغات؛ لأن فيه معنى لا وجود له في غيره؛ فلو حذفنا الألف يتبقى (لله)، ولو حذفنا الألف واللام يتبقى (له) - سبحانه وتعالى -،ولو حذفنا الألف واللام واللام الثانية لتبقى (هو) لا إله إلا هو، وهو متفرد بصفات الجمال والجلال والكمال، لا يشاركه فيها أحد، وهو الموجود على الحقيقة وكل شيء فان إلا وجهه { كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ (26) وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ }.


{أحد} في ذاته، وفي صفاته، وفي أفعاله، لا يتجزأ، هو أحد وهذا يدلك على أنه هو المقصود وحده فلا يُعبد رب سواه ، ولا تلتجئ إلا إليه ، ولا تطلب من أحد إلا الله ولذلك نبهك فقال {اللَّهُ الصَّمَدُ}.
{الصَّمَدُ} قد لا يعرفها كثير من الناس، وإن كثر تردادها بلسانه، ومعناه المتوجه إليه بالطلب والدعاء، ومعناه الذي هو قادر علي أن يستجيب الدعاء، وقوي على أن ينفذه بصورة تامة كاملة {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} ، { لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ } - سبحانه وتعالى - هو الذي يُطلب منه فأجملوا في الطلب للدنيا، ومن الناس، بل من أنفسكم، ولكن متوجهين بكلكم إلى ربكم، وعلقوا قلوبكم بذاته سبحانه؛ فلا حق إلا الله، ولا معبود بحق إلا الله ، ولا نعرف ربًا سواه، ولا نلجأ إلا إليه - سبحانه وتعالى -.
{الصَّمَدُ} ولأنه متوجَّهٌ إليه هو قوى في ذاته قادر على أن يفعل، وأن ينفذ، وأن يستجيب ما أراد {إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ }.
{لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ} هو مفارق للأكوان، وهو رب العالمين على كل حال.
{وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ} لأنه - سبحانه وتعالى – رب ؛ والرب رب والعبد عبد، وهناك فارق بين المخلوق والخالق، إذا عرفت نفسك بالفناء عرفته بالبقاء، وإذا عرفت نفسك بالعجز عرفته بالقوة والقدرة، وإذا عرفت نفسك بالحدوث والابتداء فهو القديم ، هو الأول بلا بداية، وهو الآخر بلا نهاية.
أيها العاقل .. عليك بربك فهو أصل الوجود، وهو الذي بيده الملك، ويُطَمئن ربنا سبحانه وتعالى عباده؛ فيعرفهم على شيء من صفاته وأسمائه فيقول: {هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ (22) هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ (23) هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}  وكذلك في طول القرآن، وعلى لسان نبيه عليه الصلاة والسلام، فيعلمنا أسماءه، ويذكر صفاته - سبحانه وتعالى -، ويدعوه سيد العابدين وإمام المرسلين عليه الصلاة والسلام؛ فيقول: (اللَّهُمَّ إِنِّي عَبْدُكَ ابْنُ عَبْدِكَ ابْنُ أَمَتِكَ، نَاصِيَتِي بِيَدِكَ، مَاضٍ فِيَّ حُكْمُكَ، عَدْلٌ فِيَّ قَضَاؤُكَ، أَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ، سَمَّيتَ بِهِ نَفْسَكَ، أَوْ أَنْزَلْتَهُ فِي كِتَابِكَ، أَوْ عَلَّمْتَهُ أَحَداً مِنْ خَلْقِكَ، أَوْ اسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ، أَنْ تَجْعَلَ القُرْآنَ رَبِيعَ قَلْبِي، وَنُورَ بَصَرِي، وَجِلاَءَ حُزْنِي، وَذَهَابَ هَمِّي).