البحث عن الشرعية المجتمعية!

الثلاثون من يونيو عام2013 يمثل تاريخا فارقا في المسار السياسي في مصر المحروسة بعد ثورة25 يناير.
وهناك أسباب متعددة لذلك, لعل أهمها علي الإطلاق أن هذا اليوم اعتبرته القوي الثورية التي قادت حملة تمرد بالإضافة إلي جبهة الإنقاذ وغيرها من الأحزاب السياسية المعارضة باعتباره يمثل معركة الحسم التي ستضع نهاية لحكم جماعة الإخوان المسلمين, كما تقول الشعارات المرفوعة.
غير أنه ـ وبغض النظر عن النتائج التي ترتبت علي الحشد الجماهيري في هذا اليوم ـ ونحن نكتب المقال يوم وقوع الحدث, وقبل أن نعرف آثاره سلبية كانت أو إيجابية, فإن أهميته القصوي تكمن في كونه يثير مشكلة شرعية النظام السياسي, ويلقي عليها أضواء كاشفة جديدة بحكم إثارة أبعاد جديدة لا ترد عادة في التعريفات التقليدية للشرعية السياسية, كما يحددها علم السياسة.
وقد سبق لي أن أثرت ـ بعد ثورة25 يناير ـ عدة مرات مشكلة الشرعية, ولعل مقالتي قراءة تحليلية لخريطة المجتمع الثوري التي نشرت في الأهرام وصحف عربية أخري بتاريخ29 ديسمبر2011 تكون المرة الأولي التي اعتبرت فيها قضية التناقض بين الشرعية الثورية والشرعية الديمقراطية من بين الملامح الأساسية للمجتمع السياسي المصري بعد الثورة. وحين أقرأ اليوم ما كتبته منذ ذلك الحين أدركت أنني لمست وربما بشكل لا شعوري جوهر قيم الديمقراطية وليس آلياتها فقط التي تتمثل في نتيجة الصندوق التي يلح أعضاء جماعة الإخوان المسلمين في التركيز عليها هذه الأيام. وذلك لأنني قلت القوي السياسية الناجحة التي ستكون في تعاونها مع قوي سياسية أخري معارضة المعبرة حقا عن الإرادة الشعبية.
ومعني ذلك بكل وضوح أن القوي السياسية الناجحة في الانتخابات, سواء كانت انتخابات برلمانية أو انتخابات رئاسية, لو لم تتعاون مع القوي السياسية المعارضة فإن ذلك لن يعبر عن الإرادة الشعبية.
وقد صدقت هذه المقولة تماما بعدما شهدنا طوال الفترة الماضية الصراع المحتدم الذي دار بين رئيس الجمهورية الدكتور محمد مرسي وحزبه الحرية والعدالة وجماعة الإخوان المسلمين بوجه عام, والقوي الثورية والليبرالية الذي انتهي نتيجة تطبيق جماعة الإخوان شعار مغالبة لا مشاركة ـ بأن حدث انقسام حاد في المجتمع المصري عبرت عنه بشكل بليغ الحشود الجماهيرية الإخوانية والسلفية والإسلامية بشكل عام لإبراز تأييدهم للدكتور مرسي قبل قدوم يوم30 يونيو الذي تحشد فيه قوي المعارضة لإسقاط رئيس الجمهورية, اعتمادا علي حملة تمرد التي صرح الناطقون باسمها بأنها جمعت ما يفوق15 مليون توقيع, مما يجعلهم يؤكدون أن شرعية الرئيس قد سقطت, ولديهم مشروع لإعادة التنظيم الثوري لمرحلة انتقالية جديدة.
والواقع أنني في مقالاتي الماضية التي تطرقت فيها إلي الصراع بين الشرعية الثورية والشرعية الديمقراطية انحزت بوضوح قاطع إلي الشرعية الديمقراطية, وخصوصا بعد فوز حزب الحرية والعدالة وحزب النور السلفي بالأكثرية في مجلسي الشعب والشوري.
والدليل علي ذلك أنني في مقالتي وعنوانها الشعب يريد الشرعية الديمقراطية التي نشرت في8 ديسمبر2011 بجريدة الأهرام قلت فيها بالحرف الواحد إنه لابد لنا... أن نقرر عددا من الأمور, أولها أن كل من يؤمن بالديمقراطية حقا عليه أن يقبل بنتائج الانتخابات التي كانت شفافة ونزيهة, وثانيها: أنني مارست النقد المنهجي للتوجهات الفكرية للإخوان المسلمين منذ سنوات بعيدة وكررت أكثر من مرة أن شعار الإسلام هو الحل شعار فارغ من المضمون. ومع ذلك بحكم عقيدتي الليبرالية أقبل بدون أي شرط نتيجة الانتخابات, ولو حصل الإخوان المسلمون علي غالبية الأصوات فمن حقهم أن يشكلوا الوزارة منفردين أو في صورة وزارة ائتلافية.
بل إنني تماديا في النظرة الموضوعية ـ رفضت المخاوف التي أثارتها بعض التيارات السياسية من حكم الإخوان المسلمين. وقلت إن الإخوان لو حكموا سيكون ذلك اختبارا تاريخيا لهم يكشف عن مدي قدرتهم علي حل المشكلات السياسية والاقتصادية والاجتماعية الجسيمة التي يمر بها المجتمع المصري. ودعوتهم إلي أن يستوعبوا الدرس من حزب النهضة الإسلامي في تونس الذي يقوده المفكر الإسلامي الشيخ راشد الغنوشي والذي لم يجد أي غضاضة ـ إعمالا لمبدأ مشاركة لا مغالبة بعد أن حصل حزبه علي الغالبية من المقاعد في انتخابات المجلس التأسيسي من أن يتعاون مع التيار اليساري ممثلا في حزب المؤتمر من أجل الجمهورية, وحزب التكتل من أجل العمل والحريات. وهكذا تم اختيار رئيس مؤقت للجمهورية من الحزب الأول, ورئيس للمجلس التأسيسي من الحزب الثاني. غير أن جماعة الإخوان المسلمين ـ مارست للأسف ـ بشكل بالغ الفجاجة مبدأ مغالبة لا مشاركة, وتم إقصاء كل أحزاب المعارضة السياسية عن دوائر صنع القرار, وأخطر من ذلك دخل الدكتور محمد مرسي رئيس الجمهورية في حرب سافرة ضد المؤسسة القضائية, وخالف أحكام القضاء أكثر من مرة بقرارات رئاسية.
وأخطر من ذلك كله ثبت للجميع فشل جماعة الإخوان المسلمين الممثلة في شخص رئيس الجمهورية في إدارة الدولة سواء علي المستوي الخارجي والداخلي, وكذلك عجز الحكومة الإخوانية عن حل المشكلات الجسيمة التي تواجه المجتمع, بل إن الأحوال تردت إلي مستويات لم تحدث من قبل, كما ظهر في أزمات السولار والبنزين والانقطاع المتكرر للكهرباء.
ومعني ذلك كله أننا ـ بعيدا عن التعريفات التقليدية للشرعية السياسية في العلوم السياسية وإن كنا نوافق علي تعريفها الأساسي وهو رضاء الغالبية من المحكومين عن الحاكم ونظام الحكم ـ في حاجة إلي صياغة مفهوم جديد, أقترح أن يكون الشرعية المجتمعية, وأقصد به شرعية الإنجاز, بمعني أن النظام السياسي الذي يفشل فشلا مؤكدا في إنجاز مهامه الرئيسية وخصوصا في مجال سد الحاجات الأساسية للجماهير, بالإضافة إلي تحقيق أهداف الثورة, عليه أن يتنحي وإلا فإن الشعب بجماهيره الحاشدة لن يقبل علي وجه الاطلاق أن يحكمه فصيل سياسي واحد ـ أيا كانت توجهاته الأيديولوجية ـ بالقوة أو بالعافية أو بالحديث الفارغ من المضمون عن صندوق الانتخابات!
نقلا عن الاهرام اليومى